تحت ظل عوسجه , في غابة الشياطين , ووسط وهج ألسنة النيران الملتهبه , جلس( هفاف وداسم ) اثنان من الشياطين الملاعين يتناولان وجبتهما اليوميه من الغسلين والضريع ويتبادلان الحديث عن شؤون عملهما , فقال هفاف وهو الشيطان المسؤول عن ايذاء الناس واخافتهم:
- مالي أراك جالسا هنا ؟ أليس من المفروض أن تكون بين بني آدم تغويهم عن طريق الصواب وتحثهم الرذيله وعصيان الله ؟ وتشدهم ليسلموا أنفسهم لنا كي نملأ قلوبهم بالسواد والكراهيه !؟ ونجعل عيونهم لا ترى الا النصف الفارغ من كأس الحياة ؟! ونحشرهم هنا في جهنم لتكتظ وتمتلئ بهم الى بئس المصير؟؟؟ وأنت يا زميلي متخصص وخبير في اثارة الفتن بين أهل البيت!!
أجابه الشيطان داسم بحسره :
- نعم يا صاحبي في الشر , ولاكني مصاب بكآبة واحباط.....فلدي احساس اني لم أعد أملك المهاره
التي كنت عليها .. وأن أساليبي لم تعد بتلك الفاعليه التي كانت عليها سابقا.
أستغرب هفاف كلام داسم وصاح به :
- ويحك ! ماذا جرى لك ؟ هل أثرت نار جهنم على عقلك ؟ ما هذا التخريف الذي تقوله ؟
كيف فقدت مهارتك ؟ وهل تعني أن البشر أصبحوا لا يستجيبون للأغواء والدعوه للرذيله
وخراب البيوت ؟
طأطأ الشيطان داسم رأسه ليستجمع أفكاره ويبرر موقفه المنافي لشروط العمل في مملكة الشياطين وقال:
- يا صديقي في الشر ...البشر كما تعرف نوعان .... الأول معتصم بحبل الله وليس لنا عليهم سبيلا ...ومهما حاولنا معهم لا نحصل على نتيجه , وحتى لو نجحنا في جعلهم يرتكبون هفوات صغيره , فأنهم سرعان ما يستدركون , ويتوبون , ويستغقرون . فيضيع جهدنا معهم هباء .
قاطعه الشيطان هفاف :
- أجل معك حق .... فهؤلاء هم الذين يسببون ركود عملنا , وفشل خططنا , وضياع جهودنا هباء . رد عليه الشيطان داسم :
- صحيح يا صديقي في الشر .... أما النوع الثاني وهم ألذين نستطيع العمل عليهم وأغوائهم حتى نملأ جهنم منهم , وهم كثر....
فقاطعه الشيطان هفاف ثانية :
- جميل ! وما المشكله أذا ؟ ما دام أكثرية بني آدم هم الحقل الخصيب لعملنا فأنطلق لتعث في الأرض فسادا
فأجابه الشيطان داسم وهو يتنهد بحسره :
-المشكله يا صديقي الملعون مثلي ! أن غالبية البشر تفوق علينا نحن الشياطين في صناعة الشر ..وصاروا أبالسة انس ...حتى بت أخشى أن نفقد وظائفنا ونصبح في صفوف العاطلين عن العمل.
استغرب الشيطان هفاف وقال
- كيف ذلك يا أخا السوء ؟ افصح لي قولك وبسرعه .
فأجابه الشيطان داسم :
-سأضرب لك أمثلة كي تعرف ما أقصد فيما احدثك به . ذهبت لأحد أهل السوء من أعواننا , وحثثته أن يتدخل لنشر البغضاء , وقتل روح المحبه والوفاء والأخلاص , كما
علمناه , بين أخوة حملة شهادات جامعيه , اتسموا (البعيدين عنا ) بروح التضحية والعطاء
وكانوا محط أنظار الجميع في الموده ووحدة الصف والكلمه. فأذا به يضحك علي ويقول:
أذهب يا سيدنا الشيطان , فقد صارت أساليبك قديمه ولم تعد تنفع لنشر الغبن ....
فأن تلك العائله التي تقض مضجعك بتآلفها , لا يلتقي أفرادها الا في أروقة المحاكم
وقد أصبح الواحد منهم يتفنن في غزل الأتهامات المغرضه لأخيه, وسادهم العداء والترصد والهجر , وصاروا يتفاخرون ويعتزون بالأثم , والأنانيه المفرطه , والقسوة البالغه, وانكار حقوق الآخرين , وأصبحوا يستبيحون دماء بعضهم على طريقة العباقرة المتعالين.
فقاطعه الشيطان هفاف قائلا:
-كيف ذلك ؟ هل أوضح لك مندوبنا ما حدث بينهم ؟!!!
فرد الشيطان داسم :
- أسمع يا صديق السوء....في مهب رياح المحبة والوفاء التي سادت علاقتهم ,
قام بعضهم بأستغلال الثقه والأمانه المهيمنه على علاقاتهم وزوروا وثائق ملكية عقار
من حق غيرهم وسجلوه رسميا بأسمائهم ليتمكنوا من الأستيلاء عليه فيما بعد .....وفعلا
فقد حولوا تلك الرياح الى عواصف هوجاء أغرقت مركب المحبة , وقتلت بسمة الله في معقل الشرفاء واجتهدوا في نشر الحقد والكراهيه , وصار الهمز واللمز والأيماء شعارا لعلاقاتهم , وقادهم حقدهم الى مقاضاة بعضهم وسلب ما خططوا له تحت شرعية القانون .
وفازوا بجريمة محكمة التصميم والأعداد والتنفيذ.
صاح الشيطان هفاف وهو يحك رأسه :
- فكرة جهنميه لا تخطر على بال أي شيطان .... هل عندك أمثلة أخرى؟؟؟
هز الشيطان داسم رأسه ايجابا...وقال :
- نعم ذهبت بنفسي الى بعض الأبناء والبنات لأحرضهم على الوقوف بوجه أهاليهم وأحثهم على عقوق أوليائهم وعصيانهم . فأذا بهم يقولون لي : ولم توجع رأسك ايها الأبليس ؟ فنحن اليوم نفعل العجب , ابتداءا ةن قلة البر , وعدم توفية حقوق الوالدين وطاعتهما , وأصبحنا نجتهد في الأساءة اليهما في المعامله , والمعاشره . والصلة. ونغلط معهما بالقول حينما يتقدم العمر بهما فلا نرحمهما ولا نعطف عليهما ونجحد فضلهما .....
عبس الشيطان هفاف وقال :
-غريب ما أسمع منك يا زميلي فهؤلاء ألعن منا نحن أبالسة الجن ...هل عندك مثال آخر؟
قال الشيطان داسم:
- نعم عندي الكثير الكثير ...لقد وضعت برنامجا مفصلا وتوجهت به الى بعض المسؤولين ورجال القياده , من ذوي الذمة المشبوهة أحثهم على الغش , والسرقه والكذب. فأذا بهم
يضحكون علي ويسخرون مني بقولهم :
-ما هذا الذي انت عليه يا شيطان داسم ؟ أساليبك تليق بالعصر الحجري ... اليوم نحن نتفنن
في طرق الغش والكذب والأحتيال تحت رايات المسؤوليات الأجتماعيه....فنحن نجتهد في فضح عورات الغير , وجلب المضارلهم , ونعمل على دفع النافع , وتحقير الكبير , وظلم الصغير , ونحب للغير ما نكرهه لأنفسنا, ونكره لهم ما نحبه لأنفسنا من الخير . ونمتنع عن قول الحق , ونكثر من الفخر بالأحساب والطعن بالأنساب . وفي مجال الربح والمال حدث ولا حرج فقد أخضعنا جميع المعايير الأقتصاديه لتخدم مصالحنا تحت شرعية القانون , وشكلنا صناديق وجمعيات بأسماء تحك عاطفة الناس وتحثهم على مد أياديهم الى جيوبهم والتبرع بسخاء .... ونحن نشفط تلك الأموال مرة واحده وليس بالقطارة كما تريدوننا .
فضحك الشيطان هفاف ملئ فمه وهتف :
- مرحى.... مرحى ..... لدي فكره ستعجبك يا صديقي .....ما رأيك أن نذهب نحن أبالسة الجن الى أبالسة الأنس من النوع الذي ذكرت كي نعمل دورة استكمال في الضلال والأنحراف تساعدنا في انجاز مهماتنا ....
وهنا ....سمع دوي انفجارا معلنا انتهاء فسحة الطعام , فاتجه الشيطانان الى قيادتهما
لاستلام مهام جديده