مشكلتنا نحن الكبار، أنّنا لا نفهم الصغار، لا نفهم الشباب، الذين يعيشون بإيقاعهم الخاصّ، بوتيرة جبران خليل جبران الذي أخبرنا في السابق أن أولادنا ليسوا لنا، بل هم، كما قال، أولاد الحياة...
وعلي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، قبله بقرون كان قد لفت وعينا بأن نربي أبناءنا غير تربيتنا فإنهم قد خلقوا لزمان غير زماننا.. وفي زماننا كانت الأرض مفروشة بالوحل، وكنا نلعب في الطبيعة، نسرح ونمرح ونعدو، وصار شباب اليوم يسرحون في الفيسبوك، يشطحون في التويتر، يتجولون في البيكاسا، يتبادلون الإيميلات من الايفون، ويتعاطون الماسنجرات والدردشات والتشاتات من كل الأصناف والألوان، فباتت هذه طبيعتهم... لأنهم يولدون في كنفها، يلتحفون تقليعاتها، ويتعطرون بموضتها، وفي ظلالها ينشأون...
عندما يقول لكم أهاليكم "سيبوكوا من الفيسبوك وادرسوا شوي"، افهموا طلبهم.. لا تتجاهلوه، لكن، حاولوا أن تشرحوا لهم في الوقت ذاته أنّ الدراسة ممكنة إلى جانب الفسبكة، وأن هناك فائدة كبيرة قد نجنيها من خلال التواصل السريع مع أصدقائنا. اثبتوا لهم أن صديقكم من الجهة الأخرى للشاشة هو صديق الخير، وليس رفيق السوء.
وأنا أَسْمَعُنَا، جميعًا، حين نطالب أولادنا بالكفّ عن إدمان الحاسوب، لأننا نخافه، ونتوخّى مصلحتهم، ولا نريدهم أن ينزلقوا إلى موقع فيه "خراب بيوت" أو إلى محادثات قد تجرّهم إلى نتيجة غير مأمولة، من طرفنا.
اعلموا أيّها الشباب أنّ خوفنا عليكم في محلّه، لأنّنا نحميكم برمش العين، ونريد أن نرشّ طريقكم بالخير، ونفرشه بالنرجس، ونعلم أنّ درهم وقاية أحسن من ألف شيكل علاج، ولذا فإنّنا نسعى، نحن الأهالي، إلى تأطيركم في مربعاتنا، إلى حبسكم في مثلثاتنا بدون أي رغبة مبيّتة في التضييق عليكم، وندفعكم إلى ارتداء جلابيبنا، لكنّكم، أنتم الشباب، لكم أزياؤكم الخاصّة، المفصّلة على مقاساتكم، الغريبة عنا، عن عهدنا وعمّا عرفناه، لكنها لكم ومن حقكم.
ما صنعه شباب الفيسبوك في مصر، وقبلها في تونس، لكن في مصر أكثر، كنّا قد عشنا شبابنا المبكّر ونحن ننشده ونتحدث عنه، في الصالونات، في الغرف، في الاجتماعات، في الندوات، وحذّرنا وأنذرنا وعبّرنا قدر استطاعتنا في عهد ما قبل الفسبكة أو التويترة، لكنكم أنتم الشباب الذين ننصحكم ليل نهار، بأن تتركوا قبائل المتفسبكين وأسباط المدردشين، أنتم الذين تصنعون المجد الذي لم نشهده، فطوّعتم الآليات المتاحة لكم بهدف انتشاركم وانتصاركم، وربما فعلتم ذلك بحروف انجليزية مثيرة لسخطنا، على الشاشة المحوسبة، بدلا من العربيّة، وهو ما لا نستطيع هضمه نحن الكبار سنًّا، لكن حروف رسالتكم، مهما كانت لغتها، هي واضحة، وشتاء الشيخوخة لم يستطع محوها.
معذرة يا شباب، حيث نطلب منكم أن تصيرونا فيكم، صيرونا قدرما تستطيعون، لكن الأهم أن تصيروكم كما أنتم تريدون أن تصيروا.