أقدم هذه الأبيات إلى روح الشهيد, الشاب التونسي المجيد, طارق الطيب محمد البوعزيزي (29 آذار/ مارس 1984 – 4 كانون ثاني / يناير 2011) الذي أضرم النار في جسمه في 17 كانون ثاني / يناير 2011 احتجاجا على الإهانة وسوء المعاملة التي لقيها من سلطات بلده, فكان مطلق شرارة الثورة, وإلى جميع الشهداء الأبرار الذين ضحوا بحياتهم من أجل كرامة وعزة أمتهم التي امتهنت لعقود طويلة, وسطروا بدمائهم الزكية ملحمة عز نظيرها في تاريخ الشعوب.
كما أقدمها لرفاق الشهداء, شباب الثورة العربية الكبرى في كل مكان, الذين حملوا مشعل الثورة بتفان وإصرار ورفعوه عاليا وفاءً للشهداء وإخلاصا لشعبهم, وأظهروا من التضحية والشجاعة والحكمة والحنكة في قيادة المظاهرات العارمة, ما أدهش العالم بأسره, وجعلهم مثالا للأخلاق السامية والحضارة الراقية, حيث وقفت الفتاة مع الفتى في موقف مشرف لانتزاع الحقوق المسلوبة واستعادة الكرامة المهدورة, ولبناء مستقبل زاهر ومشرف.
تحية الثوار العرب
حَيّ الكِنانَةَ يا ابنَ العُربِ حَيّيها شَعبُ الكِنانَةِ عادَ اليومَ يَحميها
شعبٌ أَبيٌّ كَريمٌ صامدٌ أبداً إن هَبَّ يَوماً صُروحُ الظُّلمِ يُفنيها
ذاقَ الأَمَرَّين من ظُلمٍ ومِن جَشَعٍ لَـمّا الكِنانَةُ خانَ العَهدَ راعيها
عاثَ البغاةُ بأرضِ النّيلِ وامتَلأت سُجونُ فِرْعَوْنَ بِالأحرارِ تُرديها
قَد صارَ حُسني إمامَ الآبِقين بها حَتَّى تَبَدَّلَ عاليها بِدانيها
وَحَولَهُ عُصبَةٌ قَد ضَلَّ رائِدُها مالُ اليَتيمِ حَلالٌ بَينَ أَيديها
تَسْطو عَلى أهلِها سَطْوَ الذِّئابِ عَلى مَرعَى النِّعاجِ إذا ما غابَ حاميها
وَالشَّعبُ يَكظِمُ غَيظاً يَستَبِدُّ بِهِ والنّار جَوّا الحَشَى تَضرَى وَيَكميها
حَتّى ظَنَنّا - وبعضَ الظّنِّ مَأثَمَةٌ - أنَّ الكِنانَةَ نامَت عَن ثَعاليها
وَإذْ حَناجِرُ في الْمَيْدان هاتِفَةٌ فَلْيَرحَل البَغْيُ عن مِصرٍ وواديها
صَيْحاتُهُم كَهَزيمِ الرَّعدِ جَلْجَلَةً هَزَّت دَواني الأَرضِ هَزَّت أَقاصيها
أو كَالعَواصِفِ في الأجْواءِ مُرسَلَةً صَوْبَ العُتاةِ فَقَد دَكَّتْ صَياصيها
وَحَولَهُم مِن بَني الأوطانِ كَوْكَبَةٌ مِن جُنْدِ مِصر ومِن أحرارِ أهليها
سَدٌّ مَنيعٌ يَصونُ القَوْمَ عَن كَثَبٍ يَحمي البلادَ إذا كادَت أعاديها
فَارتاع فِرعَوْنُ وانْهارَتْ مَعاقِلُهُ مادَت به الأرضُ واهتَزَّت رَواسيها
هذا الّذي راعَ أهْلَ القُطْرِ قاطِبَةً للرأيِ كَبْتاً وَلِلأحلامِ تَسفيها
بَعدَ التَّنَمُّرِ أضحَى هالِعاً جَزِعاً ضاقَت بِهِ الأُفْقُ وانْسَدَّت نَواحيها
وَراحَ عَن بَلَدِ الفُسْطاطِ مُرْتَحِلاً كَأنَّهُ لم يَكُن بِالأَمْسِ واليها
وسُطِّرَت في جَبينِ الشَّرْقِ مَلْحَمَةٌ مَعْنَى الكَرامَةِ مِن أَبْهَى مَعانيها
وَأَوْمَضَت في سَماءِ العُرْبِ بارِقَةٌ تُحْيي النُّفوسَ وكَادَ الظُّلمُ يُبْليها
صارَ ابنُ يَعْرُبِ مِن بَعْدِ الهَوان فَتًى يَرنو لَهُ الكَوْنُ إجْلالا وَتَنْزيها
هذا شَبابٌ غَدا يُنْبوعَ عِزَّتِنا عُنْوانَ نَهْضَتِنا يَبْني مَعاليها
يَسْتَنْجِدُ العِلْمَ يَمضي في مَراكِبِهِ كَيْ ما البِلادُ بِهِ تُقْضَى أمانيها
مَجْدُ الشُّعوبِ عَلَى أُسِّ العُلومِ نَما لا شَيْءَ كَالْعِلْمِ لِلأمجادِ يَبنيها
***************
يا شَعْبَ تونِسَ يا فَخْرَ العُروبَةِ يا مُضْرِمَ النّارِ في الأبْدانِ تَنْبيها
يَوْمَ انْتَفَضْتَ عَلَى الظُّلّامِ فَانْطَلَقوا مِثْلَ الأَرانِبِ تَعدو في بَراريها
يا مُلْهِمَ الْعُرْبِ لِلأمجادِ حادِيَهُم صِرْتَ الـمَنارَةَ لِلأقوامِ تَهديها
أَضرَمتَ ناراً بِأَجسادٍ مُطَهَّرَةٍ فَطارَت النّارُ للأرواحِ تُذكيها
سَيَبقَى فَضْلُكَ طَوْقاً للرِّقابِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ لا مَنّاً وَلا تيها
لا يخفى على القارئ المطلع على قصيدة أبي الطيب "عيد بأية حال عدت يا عيد" أنني كنت أنظر في البيت الخامس إلى قوله:
صار الخصي إمام الآبقين بها فالحر مستعبد والعبد معبود
أما في البيت التاسع فقد كنت أنظر إلى قوله:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها وقد بشمن وما تفنى العناقيد