للعباءة مكانة كبيرة عند العربي منذ أقدم العصور , فقد استعملها لتقيه برد الشتاء وحرارة الشمس , ولتقي وجهه من عواصف الرمال في الصحراء , لكنها أخذت معنى اسمى بعدما ألقى الرسول صلى الله عليه وسلم عباءته ( بردته ) على الشاعر كعب بن زهير بن ابي سلمى عندما ألقى قصيدته (البرده ) في مدح الرسول ومطلعها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم اثرها لم يفد مكبول
الى أن يقول :
ان الرسول لسيف يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول
اعلانا من الرسول على السماح والعفو عن كعب , بعد أن كان ينتقده ويهجوه . بعد تلك الواقعة اطلق على الشعر في مدح الرسول نهج البرده ( عباءة الرسول صلعم ) .
وقد اعتاد الخلفاء الراشدون ارتداء العباءه في المناسبات
والأعياد . وهكذا صار للعباءة رونق وقدسيه وموضع خاص عند العرب, فأذا وقع نزاع بين طرفين , واحتدت بينهما الأمور لدرجة القتال , فأن ذلك النزاع يتوقف اذا قام أحد الوجهاء بالقاء عباءته بين الطرفين , فتسكن عندها النفوس الغاضبه , ويصار الى الحوار بين الأطراف. كذالك عرف أنه عندما يضام فرد ما , فأنه يذهب الى أحد الوجهاء ويعقد عباءته , فيصبح في حمايته الى أن يأخذ له حقه .
والوجهاء في المفهوم القبلي هم أصحاب حضور وثقل اجتماعي نالوا ثقة الناس لمستواهم الناضج من الوعي الأجتماعي ورحابة الصدر وصناعة الرأي فصار لهم نفوذ .
كما واستعملت العباءه لتغطية العروس من قبل والدها أوأخيها عند انتقالها من بيت أهلها الى بيت زوجها ,علامة على أنها بنت الرجال أو أخت الرجال.
هؤلاء هم ربع العباءات , يوم كان للعباءة هيبة وللابسيها سلطان .
أما اليوم وقد نشأت حاجه لمهارات وقدرات حديثه ,كمخاطبة الأعلام , والأحاطه بالجوانب القانونيه والنظاميه , والتعامل مع الحاسوب والأنترنيت , والأطلاع على العلوم الحديثه , ومأسسة القضايا في العلاقات عامة, وتشجيع المناقشه الجماعيه , فقد ولى عهد الشخصنه في صناعة الوجهاء .
فقد انتهى عهد العباءات وزال .
لكننا وفي فسيفساء مجتمعنا , حيث كثرت الطوائف الدينيه والأجتماعيه , وكل ينهج أسلوبا من الأنغلاق الخاص به , تحت راية المحافظه على هويته الثقافيه والأيديولوجيه , وحيث أنظمة التوريث والقبليه معششه في عقوالنا , و تحركنا . فقد برزت فئه من الوصاة المحسوبين على القيادات الحزبيه يعملون على تنمية الأحتكاكات بين فئات المجتمع واحتدام التوتر بينها,في شتى المجالات , ويمارسون عادة النفي للرأي للآخر حفاظا على امتيازاتهم في العدو وراء قياداتهم ويعتبرون أنفسهم وجهاء من نوع جديد .
وحيث أن العباءات أصبحت غالية الثمن , وقليلة التواجد في بلدنا , فقد صار هؤلاء (الوجهاء الجدد) ومهما كان اللقب الذي يسبق اسماءهم يلهثون كالمراهقين وراء عباءات من نوع جديد , ارخص ثمنا , وفي متناول اليد تحت عنوان جديد , انها
(الدروع ), فتتطورت صناعة الدروع موائد وازدهرت موائد التكريم ,وأصبح الكل يكرم والكل يكرم, وبهذا أصبح التدريع في مجتمعنا موضه لا تدل على كفاءة الشخص المدرع . ربما تمنحه بعض الأطراء والأحساس بالأكتفاء , سالبة منه الطاقه اللازمه للأبداع المتواصل .
الدرع بمفهومه أداة حربيه دفاعيه
(فقد تغنى نها توفيق النمري: مرحى لمدراعاتنا رمز القوه لبلادنا, ان نزلت على الميدان تحمينا من العدوان ) .
فكيف أصبحت اليوم وسام فخر وتكريم ؟
وأي درع أشرف وأسمى وأفضل قيمة؟
درع الدفاع أم درع التكريم ؟
وكيف حصل هذا الصفيح المعدني على معنى كبير في ثقافتنا ؟
اليست كثرة الدروع تدل على رخص قيمتها ؟ .
لو كان العكس كذالك لكنا في مقدمة الشعوب نشاطا ونجاحا.
كم هو رائع أن يكرم المتميزون بعد أن قدموا عصارة جهدهم في سبيل خدمة أبناء مجتمعهم , وساهموا في دفع عجلة الرقي , ففي التكريم يتألق الأكفاء المكرمون , ويمتثل النشئ الجديد ويحذو حذوهم . فهل هذا ما نبتغيه اليوم من موائد التكريم , وشهادات التكريم ,ومنح الدروع الساده؟.!!!