تجاوز الشعوب أقنعة "السياسيين الصغار والمثقفين الكبار"

بقلم : كميل شحادة - الرّامة ,
تاريخ النشر 19/04/2011 - 10:27:08 pm

كثيرون من هؤلاء ظهروا فجأة على هامش الثورات الشعبية العربية، المتصاعدة قدما في رسم خريطة الحاضر والمستقبل الجديدين ، التي تخطها الشعوب الثائرة في مختلف الدول العربية ، كثيرون من متبرجي الأقلام ، كطواويس عرجاء عوراء، ظهروا فجأة يمشون الهوينا على هامش ذلك الخط البياني الواضح الناضح بالدم والدمع والشرف ، الذي تخطه الشعوب الشريفة بما لا يقاوَم ، وكأن حملة تلكم الأقلام ، أو الحواسيب النقالة ، باتوا   كالمصورين الذين يرافقون المتسابقين على هامش المضمار في الملاعب الرياضية ، يلهثون إلى جانبهم وبالكاد يلتقطون صورهم من الجانب .. هكذا ظهر رهط من أرباب الصحف العربية الداخلية ، الذين هللوا لأمثال حافظ وبشار والعقيد ، في فترة ، ثم حزنوا عليهم في فترة لاحقة ، ثم شتموهم  وشاركوا في طعنهم  مع الشاتمين الطاعنين ، حين سقطوا  كالثيران المذبوحة العجماء .. نعم لقد تجاوزت الشعوب العربية اولئك الكتاب النطاسيين ، وبعض المفكرين ، بكلمتهم ،  وتخطت أصواتهم منابرهم ، وجعلتهم موضع سخرية ، وأظهرتهم كأولاد سذج مراهقين ذاهلين جامدين ، يفرض عليهم الواقع الجديد بشعاعه الحاد ، يقظة قاسية من حلم لذيذ ، أخذهم عن هذا الفجر ، ليال طوال من النوم والاسترخاء في أحضان "معلقة " تكاد لاتنتهي ، من المديح والهجاء .. أجل بانوا أمام الشعوب كالوعَّاظ الذين أخذهم العجب من فعل وعظهم في غيرهم ، حين وجدوا الناس فجأة في الجنة ،من تأثير هذا الوعظ ذاته ، وهم لا زالوا قانعين قابعين في صوامعهم وصالوناتهم وأبراجهم !.. ذلك ان حسابات الشعوب دقيقة واضحة لا لبس فيها ، ومطالبها واحدة ليس فيها اختلاف . الجميع يريد العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات ، والجميع يطمح لحريته المشروعة ، وصون كرامته الشخصية . وواضح بالبداهة  أن لا كرامة بدون حرية ، ولا حرية بدون تضحية ، ولا تثمر تضحية بدون وعي وفهم . وليست المفاجأة واليقظة القاسية التي يبكي بسببها الطواويس الصناعية ، سوى الدليل القاطع لتجاوز الشعوب أقلام وأبواق "الممانعة والمقاومة والعروبة " وسواها من مصطلحات عظميَّة أرخيلوجية وأنتروبيلوجية حفائرية . لأنها في الحقيقة – أي الشعوب العربية المقموعة المسحوقة ، بعمالها وفلاحيها وموظفيها الصغار وعاطليها عن العمل   وعت المغزى الحقيقي  لتلك المصطلحات ، بينما أرباب صحافتنا الكبرى خصوصا ، وبعض من ساستنا الباذخين ، لم يفهموا ، ولم يقصدوا أصلا المغزى والمعنى من تلك المصطلحات التي يتبجحون بها – كحرية وتقدم وتطور وممانعة ومقاومة وقضية  وإنسانية وما إلى ذلك من مفردات (سياسية وأدبية) . بل رأوا أشياء أخرى ، وقصدوا أشياء أخرى لا تمت لمطالب الشعوب في شيء ..  ولذلك لم يتوقعوا أن يأتي وعظهم السياسي الروتيني المملول ، وصياحهم الفكري والأدبي العارض ، بثمار جوهرية ، كما قد يظن كل منهم في أحلام يقظته النرجسية .. في حين أنَّ ثوران الشعوب العربية جاء نتيجة عوامل اجتماعية ، وتخنلوجية من صنع ظروف واختراعات قصدت أشياء كثيرة أخرى هي أيضًا، لكنها لم تهدف  إلى إذكاء ثورات شعبية عربية ضد رغبات وتوقعات (بلغيت) وأضرابه من أرباب الشركات الاتصاليَّة الإلكترونية ، التي من الأكيد انها كانت تحرص أكثر على "الاستقرار" الشرق أوسطي، بختم  بسيخوسياسي غربي .. لكنها أقدار التطور ذاتها تعمل كسيف ذا حدين ، ما لم يرده ولم يرضه أقطاب هذا التطور الجهنمي في الأصل . لقد غدر شيطان التطور الغربي بصانعيه وبموجهيه، ليس فقط  في تشرنفل وفوكوشيما النوويتين ، كما في حوادث كثيرة سواها على المستوى الكونفونسيونالي التقليدي .وإنما أيضا على الصعيد الاجتماعي والوجودي في العالم  ،فيما يتمثل من  بعض ذلك ، باستغلال التخلف المصلحي ومص دماء الشعوب بمساندة طغاتهم .. وتبلغ وقاحة الطاغية العربي ، وجلاصة أتباعه ، من وزراء موظفين وصحافيين ومنظرين ومصفقين ، حدودا تجاوزت في سوئها أقزام البلطجية والزعران والقبضايات والرعاع والهمل ، المقنَّعين من المرتزقة الأغراب . خصوصًا أولئك الذين يواجههم مذيع "الجزيرة" ممن  يمثلون أنظمة طغاتهم ، بأسئلة واستيضاحات ، يردون عليها بكل ما كذبَّت الشمس وبكل ما أحبط ضمير السماء وشهدت سقوف السجون وأقبية التعذيب .. ولهم عذر في ذلك ، لأنهم نتيجة لأقدم وأعقد عملية كذب وتزوير في التاريخ ، حتى بات التمويه والتدجين والازدواج وفهم الأشياء بالمقلوب ، طبيعة لديهم دخلت في مكونات مفاهيمهم وتوجهاتهم الحياتية الأساسية ، كالهواء والماء والخبز  . فالحرية والديمقراطية واحترام الفرد واعتبار رأيه وخياره حق بديهي ، وسوى ذلك من حقوق طبيعية مشروعة ، هي من الأمور التي يراها الطاغية وأتباعه ، سموم قاتلة لهوائهم وخبزهم ومائهم ، ولذلك يظهرون اليوم أمام شعوبهم الثائرة في أبشع كوميديا عصرية . فلم نسمع بزعيم يريد تغيير شعبه كالقذافي ، بقتلهم وبتدمير بيوتهم ومرافق حياتهم . أو نظام يفرض "السعادة" على المواطنين بالبارود والنار، كنظام البعث السوري . ومن هؤلاء الطغاة من اعتبر نفسه إله على الأرض ، وهو أقل شرف وذكاء من أية حشرة ،فأول عملية إصلاح يدّعيها أي منهم يجب أن تنم عن اعتذاره عن تاريخه في الحكم ، ثم عليه ان يستقيل ، يهرب ، أو ينتحر ، وهو الحد الأدنى لأية عملية إصلاح يبدأ بها فعلا  . 

 

                                                                 كميل شحادة - الرامة          

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>