يصادف تأريخ عيد زيارة سيدنا شعيب تأريخ عيد الفصح عند الشعب اليهودي، وهي ذكرى الفترة التي تاه بنو إسرائيل زمن النبي موسى في صحرآء سيناء مدة اربعين عاما وكانت سبب خروجهم من العبودية الى الحرية ، وهذا دليل قاطع على توافق الفترة الزمنية بين شعيب وموسى والإحتفال بزيارة المقام .
أولا أقول فيه شعرا :
وشعيب من عند الإله مرســــــــــل وذكره في التوراة والقرآنــــــــــا
دعــــــــــــــــــــــــا مدين قومه الى طاعة المليــــــــــــــــك الد يّا نــــــا
خاطبهم:"الناس أشياءهم لا تبخسوا واوفوا الكـيـــــــــل والميزانـــــــا"
فعصـــــــوا قوله وأفســـــــــــــدوا فأنــــــــزل عليهم من السمآء نيرانا
النبي شعيب-ع- هو شعيب بن ضغثون بن عيفا بن يافث بن مدين بن إبراهيم ، وأمه رضي الله عنها اسمها ريثا ابنة سيدنا لوط عليه السلام الذي بعثه الله لقومه في منطقة البحر الميت وهم سدوم وعمور وهم قوم فسقوا وتزاوجوا بالمثلية أي الرجل يتزوج رجلا والمرأة امرأة مثلها ( وهذا الأمر صار مباحا في بعض الدول المتحضرة ومنهم إسرائيل لذلك عذاب الله صار وشيكا لكل من يحلل شيئا حرّمه الله تعالى في الأديان ) ، مما أغضب الله تعالى وبعث جبرائيل وثلة من الأنبياء لإنقاذ لوط ومن بقي صالحا من قومه ولم يفسق وكان أن أمر الله جبرائيل أن يخسف مدائن لوط ويقلبها رأسا على عقب حتى صار سافلها عاليها، وحتى الآن علماء الآثار يجدون سقف البيوت من أسفل والأرضية من أعلى ،
لقد سمّى والد سيدنا شعيب باسمه هذا لأنه يوم بشّر بولادته دعا ربّه أن يبارك شعبه به ، وشعيب اسمه بالعبرية "يترون" من كلمة "ييتر" بالعبرية ومعناها الكثير والكثرة .
بعث اللّه شعيبا إلى قومه مدين ليدعوهم إلى الإيمان به وعبادته وتوحيده، وإتباع صراطه المستقيم في شتى معاملات الدنيا والدين، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحذرهم من عذاب أليم في الأخرى إذا تعاطوا الفساد، ولم يطيعوا الله ورسوله شعيب ،
ومدين هم أيضا قوم الأيكة، والأيك هو الشجر الملتف ، وهي قبيلة سكنت في ساحل الحجاز في الجزيرة العربية ، تعاملوا بالتجارة فاحتكروها وأفسدوها بالغش والعبث بالكيل والميزان وبخس الأسعار والتربص في الطرق، فكانوا يشترون بالزائد ويبيعون بالناقص، يستخدون مكيالين مكيالا للشراء، يكون زائدا لصالحهم، ومكيالا للبيع، يكون ناقصا لمضرة المشتري ( وهذا ما تعاني منه البشرية جمعاء، في مختلف أنواع المعاملات التجارية، كالاحتكار والعبث بالكيل والميزان وبخس الأسعار، وهي المضاربات والتخفيضات الغير معقولة، على جميع المنتوجات، حيث يكون نفس المنتوج له عدة أسعار، أعلى من السعر أو اقل منه بكثير، ويمكن أن نفس الشركة المنتجة له تبيعة لمراكز تجارية دون غيرها بسعر ارخص، مما يجعل بلبلة في الأسواق، وتصبح الأسواق مسعورة وحامية ومتضاربة، تمنع الربح الذي أحله الله لعبادة، مما يسبب الفساد في المعاملة، ويميل بالناس إلى الغش ونقص الأوزان وبيعها وكأنها وزن متكامل كبيع وزن
فجاءهم شعيب من عند اللّه منذرا ومحذرا إياهم من غضب الجبار، لقوله في القرآن: "ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود" ، لكنهم أعرضوا عنه وحاجّوه وحاولوا قتله، كما قال تعالى : " قالوا يا شُعيب ما نَفْقَهُ كثيرًا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفًا، ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز﴾ (هود: ( 91. ،
واستمروا على الغش والسرقة حتى أتتهم الصيحة من فوقهم، كما حذرهم شعيب وكان الله قد حذر قوم شعيب بثلاث ألفاظ:
الأولى الرجفة كما جاء في سورة الأعراف : " وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذًٍا لخاسرون فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين"،
والثانية الظلة كقوله تعالى في سورة الشعراء : " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم " ،
والثالثة الصيحة كقوله تعالى في سورة هود : " وأخذت الذين ظلموا الصيحة "،
وفي التفسير أن هذه الثلاث جُمعت لهم لإهلاكهم واحدة بعد أخرى ، لأن الرجفة بدأت بهم فانزعجوا لها عن الكن إلى البراح ، فلما أصحروا نال منهم حرّ الشمس وظهرت لهم ظلّة تبادروا إليها ، وهي سحابة سكنوا إلى روح تحت ظلّها ، فجاءتهم الصيحة فهمدوا لها ، كما قال تعالى في القرآن: "ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين" (هود/94) ،
ورد ذكر شعيب في التوراة في سفر خروج بني اسرآئيل من مصر على يد النبي موسى –ع-،وذلك عندما كان موسى وقومه في التيه فرارا من فرعون مصر، كانت طريقه في منطقة في بئر مدين، حيث وجد فتاتين تسقيان غنمهما فسقى لهما، فلما علم شعيب بفعل موسى مع فتاتيه دعاه إليه حيث نزلت الآية الكريمة في القرآن بلسان إحدى الفتيات وهي "صفورة" التي أصبحت فيما بعد زوجة النبي موسى :"قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" ،
لقد عمل موسى راعيا عند شعيب مدة سبع سنين ، وفي هذة الفترة أنزل تعالى التوراة على النبي موسى وأوحى إليه أن يذهب إلى مصر لإنقاذ بني إسرائيل من ظلم فرعون الذي ادّعى الإلوهية، وكان ذلك ،
لقد رافق سيدنا شعيب بني إسرائيل وهم في تيه سيناء ودخل أرض كنعان وسكن في حطين بالقرب من عين ماء، وفي اعتقاد اليهود أن قيمة شعيب كبيرة جدا لأن ذكره ورد في التوراة متزامنا مع الفترة التي أنزل اللّه تعالى التوراة على كليمه موسى بن عمران ، لذلك تسمّت السورة او البرشاه (הפרשה) باسمه (يترو פרשת יתרו) تشريفا له ،
لقد كان للنبي شعيب الفضل الكبير في تعليم النبي موسى إدارة الشعب والقضاء بينهم، حيث قال شعيب لموسى : " ليس جيدا الأمر الذي أنت صانع ، إنك تكلّ أنت وهذا الشعب الذي معك ، لأن الأمر أعظم منك ، لا تستطيع أن تصنعه وحدك، كن أنت للشعب أمام اللّه، وأنت تنظر من جميع الشعب ذوي قدرة خائفين اللّه أمناء مبغضين الرشوة ، وتقيمهم عليهم رؤساء ألوف، رؤساء مئات، رؤساء خماسين ورؤساء عشرات، فيقضون للشعب كل حين، ويكون أن كل الدعاوي الكبيرة يجيئون بها إليك، وكل الدعاوي الصغيرة يقضون هم فيها ، وخفف عن نفسك فهم يحملون معك "،
هكذا أراح سيدنا شعيب موسى من عبء الشعب مباشرة ليتفرّغ موسى لخصوصياته ولما تقتضيه النبوّة .
للنبي شعيب سبع أسماء في التوراة وهي ييتر(יתר)، يثرو (יתרו)، حوباب (חובב)، رعوئيل (רעואל)، حابير(חבר)، فوطيال (פוטיאל) وكيني (קיני)
وردت قصة شعيب ـ عليه السلام ـ مع قومه في مواطن عدة في القرآن الكريم، بعضها فيه إشارة عابرة، وبعضها فيه تفصيل. والسور التي فصلت القصة هي: (الأعراف: 85 -93)، و(هود: 84 - 95)، و(الشعراء: 176- 191)، أما الإشارات العابرة ففي السور التالية: (التوبة: 70)، و(الحجر: 78-79)، و(الحج: 44)، و(القصص: 22 ، 23 ، 45) ، و(العنكبوت: 36-37)، و(ق:14 )،
فالقرآن الكتاب السماوي الأخير، الذي أنزله الله تعالى على رسوله الأمي الكريم، نبي الرحمة والمؤمنين، محمد الأمين عليه أتم الصلاة وأتم التسليم، فيه هدى للناس أجمعين، فقص فيه تعالى قصص من سلف من الأنبياء والمرسلين،
لقد ورد في القران ذكر خمسة وعشرين نبيا وسمّاهم بأسمائهم، وأيضا هناك أنبياء أخر لم يرد ذكرهم في القران بقوله تعالى : " لقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك، ومنهم من لم نقصص عليك"،
ولله في خلقه شؤون، وأما الأنبياء الذين ذكروا في القران، فهم: آدم، إدريس، نوح، هود، يونس، الياس، يسع، داود، شعيب، صالح، أيوب، إسحاق، يعقوب، يوسف، هارون، إبراهيم، لوط، موسى، ذو الكفل، يحيا، زكريا، عيسى، ثم سليمان وإسماعيل ومحمد خاتم الرسل سلام الله عليهم أجمعين،
لقد أطلق القران على خمسة أنبياء بأولي العزم، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم، وسموا بذلك لكثرة عزمهم في تحمل أذى أقوامهم، وجهادهم في تبليغ رسالة ربهم وهداية أممهم،
فشعيب عليه السلام إذ ًا من الأنبياء بشهادة القرآن ورسوله بقوله تعالى : "وإلى مدين أخاهم شُعيبًا، قال: يا قوم اعبدوا الله، مالكم من إله غيره، قد جاءتكم بيّنة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين، ولاتقعدوا بكل صراط توعدون وتصّدون عن سبيل الله، مَنْ آمن به وتبغونها عوجًا، واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثّركم، وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين" (الأعراف: ( 85،
وأيضا قوله تعالى :"وإلى مدين أخاهم شعيبا قال :يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره ، ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط"(هود/84) ،
لقد قيل أن هناك أربعة أنبياء تكلموا باللّغة العربية وكانوا عربا، وهم النبي هود والنبي صالح صاحب الناقة، والنبي شعيب والرسول محمد خاتم الشرآئع عليهم السلام ،
لقد لقّب شعيب بخطيب الأنبياء، وذلك لفصاحته وحلاوة عبارته وبلاغته ،.
للنبي شعيب مقامات كثيرة، وهناك أودية وعيون على اسمه في كثير من المواقع، في الجزيرة العربية واليمن والأردن وسيناء ولبنان وإسرائيل، حيث جثمانه الطاهر مدفون في حطين بالقرب من طبريا، تلك البحيرة التي زارها السيد يسّوع المسيح –ع- ،وعمل معجزته حيث بارك على خمسة أرغفة وسمكتين، فأطعم خمسة الآف شخص، وجمع التلاميذ منها اثنتي عشرة قفة من الكسر من خمسة الأرغفة، وذكّرهم المسيح بما فعل اللّه مع النبي موسى وقومه بني إسرائيل في تيه سيناء، وكيف منّ عليهم بالمنّ والسلوى في البرية، ومعنى المنّ العسل والسلوى طير السمان ،
وأيضا في طبريا جبل طوبات حيث ألقى المسيح – ع - التطويبات بقوله طوبى في كل بداية كقوله : "طوبى للجياع والعطاش الى البر لأنهم يشبعون".
إن المصادر التاريخية تشير على أن بناء المقام منذ عصور غابرة ، وقد ذكره الكثير من الرحالة كإبن جبير وابن بطوطه وياقوت الحموي ويهود كالرابي شموئيل والرابي موسى الأورشليمي وغيرهم .
لقد قام القائد صلاح الدين الأيوبي ببناء المقام مع العقد الذي ما زال حتى الآن، وذلك بعد أن انتصر على الصليبيين سنة 1187م في موقعة حطين، إكراما لصاحب المقام ولجنوده البواسل الذين كانوا من المسلمين الموحدين الدروز وتقديرا لقتالهم الفائق أمام الغزاة حتى تحقيق النصر،
لقد تواصل تشييد المقام جيلا بعد جيل، حيث قام في القرن التاسع عشر الميلادي الشيخ مهنا طريف من جولس، وهو جد المرحوم الشيخ أمين طريف، الرئيس الرّوحي للطائفة الدرزية، بدعوة لإعمار المقام، فجمع التبرعات من سوريا ولبنان وفلسطين آنذاك، وعند الانتهاء دعا إلى اجتماع كبير لتدشين المقام الشريف في 25 نيسان عام 1883م، وما زال هذا التقليد سائرا حتى يومنا هذا،
ولعائلة طريف أبا عن جد، حتى المرحوم الشيخ أمين ووريثه حفيده الشيخ موفق طريف، الفضل الكبير في إدارة شؤون المقام والاستمرار في إعماره، والذي أصبح آية في الهندسة المعمارية التي تليق بقداسة صاحبه سلام اللّه عليه ، ومقامه الشريف الواقع في حطين، يستقبل الزوار من كل الطوائف للتبارك بصاحبه، وقد أصبح عنوانا للوحدة والتآلف والتآخي بين جميع الأديان،
فكل عام والجميع بألف خير وزيارة مقبولة لجميع الزوار، وجعل الله أيامنا كلها أعيادا دينية تجمع الجميع في الإيمان برب واحد باعث الرسل .
رابط لقصة شعيب عليه السلام كما جاءت في القرآن... من قصص الأنبياء لنبيل العوضي
الجزء الأول
https://www.youtube.com/watch?v=Lcjet7AKinc
الجزء الثاني
https://www.youtube.com/watch?v=fOkzHGS5FyE&NR=1
الجزء الثالث