في صغره , كان عنيدًا , كثير الصّراخ عند إصراره على تلبية طلباته , يرفض القيام بأي عمل ولو كان مفيدًا , ويصر على عدم التراجع عن خطأ قام به , وفي حالة الإكراه والكسر يبقى مصرُّا على رأيه ومحتفظـًا بموقفه , يتمرد على من حوله وينتهك حقوقهم , يحلم أنه وحش كبير يبتلع كل ما يحلو له , يمارس الرفض والاحتجاج والممانعة وإبداء الرأي المخالف , يعاند نفسه ليغيظ أهله فيرفض اللعبة التي يريدها , و يمتنع عن الطعام وهو جائع , وعن الشرب وهو شديد العطش .
ولأن فمه وعينه أكثر يقظة من عقله اهتدى والده لطريقةِ إقناعٍ له للسيطرة على عناده الكثير المتقلب , فأخذ يسمي له الأشياء بغير أسمائها فيرضيه ذلك ويتنحى عن رفضه ويقبل الأمور .
البَزْلميطا أحد تلك الأسماء التي راقت له وارتضى بها , فيتناول اللعبة التي رماها ويحضنها عندما يصبح اسمها بَزْلميطا , ويلتهم بنهم قطعة اللحم عندما تسمى بَزْلميطا بعد أن كان يفتعل التقّرف والامتعاض لكونها لحماً مشوياً .(في اللغة التركية البزلما تعني الكعكه , وال: طا تعني داخل , فتكون البزلما طا داخل الكعكة , وبالمداولة أصبحت بزلميطا )
كبر , وكسب علماً وافراً ومنصباً رفيعاً وثراء عريضاً , وكبرت تلك المكابرة معه , فأصبح العناد عنده سلوكاً راسخاً , وسيطرت عليه الغريزة الشرهة ولم تعد تملأ عينه مياه البحار ولا تراب الأرض , وظل يسمي الأشياء بغير أسماءها الحقيقية , فصار الحق عنده باطلاَ , والباطل حقاَ , وأكل المال الحرام سعياَ , والكذب فيما يقول شطاره , وتزوير الحقائق إدارة . وجُنّ بجنون التكبر والأنانية فأحاط نفسه بهالة من الزهو والخيلاء , لا يسعده إلا الملق والزيف والثناء الكاذب , فيتعامى عن نقائصه وعيوبه ولا يهتم بتهذيب نفسه , ويدأب على تعكير العلاقات الاجتماعية , وينتقص الآخرين في كل مناسبة , ويهلل فرحاً لآلام الغير ومصائبهم .
ولكنه وبلباقة المحترفين يخفي بواعث الحسد والعداء والمباهاة , بافتعال بسمةٍ مصطنعةٍ تربط بين أُذُنيه , وبطبطبةٍ على الكتف أو على ظاهر اليد , وينتقي عذب الكلام لخدمة أهدافه وتحقيق أطماعه الشخصية , فهو لم يعمل أبدا من أجل رسالة سامية تخدم الغير..
و يبقى كلامه مثل عمله كالبزلميطا .... لسان بلا إحسان