تابعتُ نثركِ وشعرك من البداية ، تارة تمتص حبرك الريح ، وطورا تغردين بايقاع جميل .
يا عناق خبّريني : أهي الموهبة تتيح لنا التجاوب مع بعض ما تخطين ؟ أم هو شغف البوح يثير
فضولنا فلا نمر به مر الغمام ؟!
لنقف عند مادة جديدة لكِ " شوق يزهر قصيدة " نشرتها " كل العرب " 13.5.2011 . ولنبدأ من
الخاتمة ، هكذا اعتدت ملامسة الشعر ، ثم أعود الى الإستهلال ، فإن راقني أو شد انتباهي بعض هذا
وذاك ، التهمتُ كل القصيدة ، وإلا أقصيتها بسلام !
" ايلة شاردة / تحت ظلال السحاب / مري علي / بلغيه حروفي ورفرفي فراشة بين عينيه / وطارديه حتى
يكف عن الهذيان / شوقي يزهر قصائد في تقويم العنب / وبرقوقا ينضج قبل موسمه الأصفر " .
بحافز اختراق ما وراء الحروف .. أتصور ــ وقد أصيب أو أخطئ ــ ان عدم تكيّف الطرف الآخر عاطفيا دفع
الشاعرة لمطاردته مجازا . " الهذيان " قد يكون نقيضا ما يجب أن يقال للأنثى في طقوس الحب . " العنب " ليس أكثر من اجترار أو استحسان الرمز المفرح غالبا " النبيذ " . أمّا " البرقوق " اللون الأحمر هو قوة الشعور والإحساس ، بمقتضى أبعاد ومعاني الألوان . " الأصفر " الحد الفاصل بين الحرارة والبرودة . وهي تخشى هذا الموسم او تتوقعه ، لذلك جاءت البداية قلقة متوترة .
" حواسي احيانا لا تحتمل أثيرك حين تقترب منك / فتتلكأ في عودتها لمداراتها ، فاعذرها إن غردت خارج السرب " .
الشاعرة تريد الإندفاع .. لكنها مترددة غير مطمئنة ، الأمر الذي أحدث التلكؤ والإعتذار .
" وقفت حارسة على مداخل اصابعك ، قبل أن تدخل / التراكيب مملكة البوح ، فتغدو الأحاسيس / سبية لعينيك ".
بالطبع هو ليس لصا بحاجة الى حراسة ! ولا يجوز المرور عن هذا السياق بمعزل عن التاريخ باعتباره احد المؤثرات الهامة في ميدان الادب .
أخمنُ ان عناق مواسي كمعظم النساء لا يثقن بالرجل ! ولهذا الملمح أسباب كثيرة أبرزها ما أفرزه التاريخ العربي من قيود وسطوة تجاه المرأة ، كقضية " السبايا " سبي النساء وإهانتهن ، ابتداء من تراجيديا " البسوس " ثم " داحس والغبراء " ، حتى أواخر البداوة الخشنة قبل نحو مئتي سنة .
لذلك لا استغرب في الأدب النسائي " حارسة على مداخل اصابعك " و" سبية لعينيك " وما شابه من مفردات الخنوع والحذر ! .
وتأثر المرأة بالماضي أداة طيعة بيد الرجل ، يمكن أن يدفعها لاتخاذ موقف التمرد ، ويمكن ايضا ان يزج بها شعرا او فعلا في خانة الرومنطيقية الأكثر شيوعا : عملية استسلام روحي ومادي . كما في التعبير التالي لعناق
" يوم سافرت الى عينيك / حزمت حقائب الشمس " .
كنت افضل لو ان الشاعرة لم تتجشم الغرابة المفبركة ، ظنا منها انها تقدم جديدا في موضوع الغزل " شفتاك حينما صكتا الإنتداب فوق البلور / ضمتا حدود اللا ممكن " .
كلمة " الإنتداب " مكانها المفضل الشعر السياسي . " البلور " كتشبيه لا يناسب هذا المقام . وما دام " اللا ممكن " اصبح ممكنا فلا معنى لهذه المفردة التي تتكرر كثيرا في شعر الشباب بمناسبة وبغير مناسبة ! .
أنصحكِ بعدم فذلكة اللغة ! دعيها تسير عفوية حرّة كقولك ولعله أجمل ما في السياق " أيتها القصيدة التي تحملني صمتا وكلمات / إحملي شوقي إليه / اقرأي له أغاني العسل / على مزامير الغياب " .
صراحة لا أرحب بما يوصف بالحشو والمباشرة ، يقلل من أهمية النص كقولها " بعدما كف مطر شتاء متكاسل عن الهطول " .
في مناخ الطبيعة والمشاعر يبدو جافا ودخيلا عنصر الصناعة " ورمل ينقلب الى زجاج " .
اعتقد ان ملاحظاتنا هذه لم تكن لتحصل لو أن الشاعرة لم تكن مشتتة الفكر بين مسارين متعاكسين ، الطموح من ناحية ، والإحباط من ناحية أخرى ! " راهني على خسارتي في كل معارك الحب التي تدور / بعيدا عن رحى قلبي " .
ربّما كان عليها أن تختار جهة واحدة ، التشاؤم أو التفاؤل . فالتركيز غالبا يؤتي ثمارا طيبة .
أمتعتني بعض خطوط هذه القصيدة ؛ وانني في هذا التقييم لا أشك للحظة ان عناق مواسي في طريقها صعدا نحو الإبداع .