كنتُ في صحيفة " كل العرب " قد تناولت ديوان عفيف مخول " من حديقة الشعر العامي " نقدا متواضعا شكرت له محاولته تقويم اعوجاج المجتمع ، كذلك بينت سقطاته وهفواته الشعرية . وما أن قرأ المقال حتى نزل عليه كابوس الغضب المنكر ، إلا في مكانه الصحيح .. عن أحد العقلاء : إياكم والغضب فإنه مدمر كالطاعون .
ولماذا نغضب من النقد ونتخذ موقفا سلبيا من الناقد ؟! نحن قادرون أن نتخطى هذه " المشكلة " فقط إذا تنازلنا قليلا عن هوس الألقاب وتقديس الذات !
فوجئت بمخول يقف بسيارته أمام منزلي ، فدعوته لنشرب القهوة ، رفض بحجة أنه مشغول ، وبكلمات مختصرة أبدى امتعاضه وعدم رضاه من مقالي زاعما إن ما كتبته عيب ! ثم أهداني نسخة من ديوانه الجديد جدا " صحوة شعب وخريف حكام " ، أعقبه بقصيدة بخط يده وقال اقرأها ، ثم انصرف . علمتُ فيما بعد انه وزعها على اصدقائه ومعارفه ..
القصيدة بعنوان " ضفدع في حديقة " هجاني فيها هجاء ، ولا هجاء الفرزدق لجرير ، أو الحُطيئة للزَبرقان ! . بديهي أن الهجاء هو فن ، لكن ليس كل هجاء . ومن شروط الهجاء ــ كما أفدنا من الكتب ــ يتوجب على الهجّاء في دوره الخاص النزق أن يستهوي القارئ ببراعة فنه ، لأن القارئ لا يمكن أن يعتمد على الضغينة المحض . وهناك من الهجّائين الأجانب من يطالب بتوافر الطبيعة الخيّرة لأنها صفة أساسية للهجّاء . وأعتقد أن على الهجّاء أن يكون متجردا متوازنا متعقلا ، لا أن يتحامل في ثورة غضب !. وإن وضعنا هجاء مخول على محك الهجاء الفني الراقي ، نطلع بنتيجة أن ما فعله ليس أكثر من نهش واستخفاف ، وهذا يدل على شعور عميق بالخيبة !
ومع ذلك فأنا لم أتذمر ولم يضق صدري من هجائه ، فقد اعتدت الكتابات الخشنة استهدفتني زمنا طويلا ولا تزال ! وانني اعتبر بعضها من زلات اللسان . لذلك أميل الى قول أحد الشعراء الحكماء : إذا ما بدت من صاحب لك زلة / فكن أنت محتالا لزلته عذرا .
وعن علي بن ابي طالب ( ك ) : أعقل الناس أعذرهم للناس .
أعذرك وأسامحك أيها الصديق عفيف مخول . أمّا بخصوص ديوانك الجديد القسم الثاني منه " رباعيات خريف حكام " . والحق يقال في كل الحالات .. إن هذا الشعر قفزة ملموسة بالمقارنة مع ديوانك الذي انتقدناه . أين كنتَ تخبئ هذه القريحة في طور المران الطموح ؟ أم أنها تفجرت مع ثورات الشعوب :
" من المغرب للعراق / شعب غافي فجأه فاق / وثار بقوة وشجاعه / ثورة كانت عموميه " .
وفي مكان آخر يقول " في الأقطار العربيه / الرئاسه وراثيه / بالكرسي الحاكم متمسك / ولو لحقت عمرو الميّه " . أو قوله الصائب " الناس عافت هالحياه / من حكام وحكومات / اضطرت تبدا بالثوره / وتطوي ملف العبوديه "
ويولي تونس اهتماما خاصا " للشعب ارتفعت حراره / من تونس طلعت شراره / كانت اول رساله / لزعامه دكتاتوريه " .
ويعرج في حماسه وتأثره على قطر آخر " الشعب بغلي من قهره / السلطه كسرتلو ظهره / بالميه بتوخذ تسعين / وبتعطي الناس البقيه " .
ويستمر هكذا عبر ثلاثين صفحة لاحتواء معظم ما يحدث على الساحة العربية ، وكأنه يعيش الأحداث روحا وفكرا . يصوّر الثورات وأسبابها وتداعياتها تصويرا جيدا ، ودقيقا في بعض المقاطع .
في هذا القسم من الديوان يبرهن عفيف مخول أنه يسلك الطريق الصحيح نحو الشاعرية . أظنه سيصل ! .
أتمنى أن ينعم بديوانه الجديد ، بدون ضفادع وبدون كوابيس .