لستُ من الذين يعلقون نقدهم فقط بالأسماء الكبيرة !. المقياس عندي المادة نفسها ، سواء كان كاتبها شيخا مخضرما ، أو شابا يافعا . قال إيليا أبو ماضي : ويا فرحة القلب بالناشئين ففي هؤلاء جمال الحياة .
هذا الشاعر الشاب نسيم عاطف الأسدي بدأ يلفت انتباهي ببعض أشعاره الواقعية ، كقصيدته العمودية الاجتماعية الثقافية " اقعد للمعلّم " نشرتها " كل العرب " 17.6.2011 . وموضوع المعلم هو موضوع ملح وقائم ، فقد بات المعلم عرضة للجحود من قبل الطلاب ، والأهل احيانا ! الأمر الذي يعيدنا الى ما كان يلاقيه الأديب من جحود في زمن مضى ، نتيجة للأمية الفكرية . مما دفع حافظ ابراهيم في حينه لإطلاق آهته الموجعة : حطمت اليراع فلا تعتبي وعفت البيان فلا تعجبي .
هذه الحالة تنطبق اليوم على المعلم ! وحق له أن يرفع صرخة محتجة !
عندما قرأتُ قصيدة الاسدي لمع في ذهني اولا قول شوقي " قم للمعلم " ، ثم رد ابراهيم طوقان على شوقي بقصيدة : أقعد فديتك ، هل يكون مبجلا من كان للنشئ الصغار خليلا .
قصد ما معناه : لو أنك جربت التدريس لتعرف حال المعلم بين تلاميذه .. !
لندخل الآن قصيدة الأسدي
" من للفتى بعد المعلم مرشدا / ومربيا ومهذبا ودليلا ؟/ من للأهالي بعده متفانيا / يرعى الأمانة مخلصا ونبيلا ؟ / أنرد للأزهار حين تضوعت / عطرا برد لا يليق جميلا ؟ " .
ويصوّر لقطة موفقة مما يحدث في المدرسة
" فأب يداهم في الصباح مدرسا / وكأن ثأرا عنده وقتيلا / فيضج مدرسة لأجل علامة / ويثير فيها صيحة وعويلا / والبعض إن زل المعلم مرة / صار العدو المجرم المرذولا " .
ويكشف حقائق تغذي جهل الطالب ، مثل إهمال الأم لإبنها ! . في هذه النقطة أظن أن الأسدي استوحى من بيت شوقي : وإذا النساء نشأن في أميّة رضع الرجال جهالة وخمولا .
والأسدي يرفع جدا من منزلة المعلم فيشبهه بالشمس . هذا التشبيه مبالغ فيه ، لكنه حسن ويتقبله الذوق .
" أنعاتب الشمس المنيرة إذ لنا / كشفت حقائق لا تسر خليلا ؟ "
لا تثريب من شاعر شاب أن يخطئ التقدير في عجز بيت " لولا المعلم يا أبي لوجدتنا / شعبا وضيعا ضائعا مذلولا " .
كلمة " وضيعا " غير ملائمة يا نسيم ، لأن الضعة صفة غير مشروطة بالجهل أو نقيضه .
كذلك لا غضاضة ان حدث التباس في البيت قبل الأخير .
" هذا القصيد معاتبا يرجوكم / رُدوا المعلّم حقه المقتولا " .
الصحيح : ردّوا للمعلم . لكن في هذه الحالة ينكسر الوزن ، لذلك أبقى البيت على علته .
ويعرج الشاعر على قضية المال وكيف أصبح الناس يفضلونه على العلم " لو بدّل العلم المخصص لابنكم / بدراهم لشكرتموه جزيلا " .
قصيدة الأسدي تبدأ بحوار يعكس مدى الإستهتار بالمعلم ، ومن شأن الحوار في بعض الشعر أن ينكسر قانون استقلالية البيت الواحد . لكن الأسدي حافظ على استقلالية البيت ، واستطاع منح أبياته قوة وسلاسة يبعثان على الإعجاب " اليوم إذ دخل المعلم صفّنا / للدرس قمنا نهدف التبجيلا / ــ ماذا فعلت ؟! أقمت إكراما له ؟ / أقعد أراك إذا تقوم ذليلا / ــ لكن أبي قال الأمير بشعره / " كاد المعلم أن يكون رسولا " / ــ ما لي وقول قيل في زمن مضى / من ذا المعلم كي أراه جليلا ؟ " .
كنتُ أحبذ لو أن هذه القصيدة كانت مكتملة ، بمعنى لو أجرى الشاعر مقارنة بين معلّم الأمس ، ومعلّم اليوم .. ثم سبر قليلا غور المعلم في نطاق واقعه ، كيف يحس ، وكيف يواجه مشكلته نفسيا وفكريا . بيد أن ما قدمه الأسدي هو الواجهة الرئيسة للموضوع ، المأزق الذي يحتاج الى حل . فهل من مجيب ؟؟ .