الاصطياد فن جميل، يستعمله البعض منا كهواية بينما يكون بالنسبة للآخرين مهنة يكسبون منها رزقهم وقوتهم. هذا الفن المميز يُعلّم الإنسان الصبر والتحمل والتأمل والشفافية ، وهي أيضا لحظات يختلي فيها الإنسان بنفسه ويبتعد عن هموم الدنيا ومشاكلها ومتاعبها ، وكلما اصطاد الصياد أسماكا أكثر كلما زاد شعوره بالغبطة والفرحة ، لأن في ذلك دلالة على إتقانه هذا الفن الجميل...
عندما يمارس الصياد مهنة/هواية الصيد تكون المياه عادة صافية ، وهذا دليل على الشفافية التي تُميز هذه المهنة/الهواية ، وغالبا ما يُشاهد السمك الصنارة ويُلاحظ الطُعم الموجود فيها ، لذلك يبتعد عنها.
ولكن هنالك نوع من الصيادين المكارين المحتالين الخبيثين الذين يبتعدون في صيدهم عن الشفافية ، ويُعكرون المياه بأنفسهم فيقترب السمك من الطُعم ويبلعه ، دون أن تراوده الشكوك بسبب انعدام الرؤيا ، فالسمك في المياه العكرة لا يرى جيدا ولا يستطيع المناورة في السباحة ، فيكون اصطياده سهلا...
هكذا الوضع في بحار الكون وأنهاره ، وللأسف هكذا أضحى الوضع في بحار حياتنا وفي أنهار زماننا ، لأن العديد من بني البشر أصبحوا يتقنون هذا النوع من الصيد - " الاصطياد في المياه العكرة ".
فعندما تحدث مشكلة مُعينة بين طرفين نجد أن أبناء المجتمع يتصرفون بعدة أنماط سلوكية : القسم الأكبر منهم يبقى متفرجا ، ينظر بنوع من اللامبالاة وعدم الاكتراث لما حدث – من منطلق بأن هذا الخلاف لا يعنيه ولا يخصه ، لذلك يُفضل البقاء بعيدا ، مُحايدا ،لاعبا دور المشاهد.
القسم الثاني من الناس –وهم الأقل عددا- يحاولون ويجتهدون من أجل إصلاح ذات البين بين الطرفين المتخاصمين ، داعين إلى تحكيم العقل وإلى التسامح والتقارب وفض النزاع بين الأطراف المتخاصمة .
أما القسم الآخر والأخير ، وهم الأشد خطورة - وللأسف فهُم في تزايد مستمر ومقلق- هم أولئك الذين يحاولون الاصطياد في المياه العكرة ، بمعنى أنهم يُحاولون استغلال الظروف لصالحهم ويعملون على تخريب العلاقات بين الطرفين وعلى تأجيج نار الفتنة . مما لا شك فيه أن هؤلاء يتصرفون بدوافع غير سليمة وبنوايا غير بريئة ، محاولين التسلق واستغلال الفرصة للحصول على مآربهم. إنهم يتقربون من هذا الطرف تارة ومن الطرف الآخر تارة أخرى، عاملين- جاهدين على تضخيم الخلاف بين الأطراف ، وعندما يشاهدون بأن "المياه" تميل إلى النقاء والصفاء وإذ بهم يعملون مرة أخرى على تلويثها وتعكيرها وتوسيخها ، كيف لا وهُم لا يستطيعون زرع الفتن وحصد الشقاق ودبّ الخلاف إذا مالت تلك " المياه" إلى النقاء وتخلصت من تعكيرها .
وما يُثير الدهشة بأنّ العديد منا يقع طُعما في صنارة هؤلاء "الصيادين" المكارين ، فننجرف وراء مكرهم وخداعهم دون أن تكون لدينا القدرة على المقاومة وعلى اكتشاف خداعهم ومكرهم ودسائسهم الخبيثة ، فبينما تكون الأطراف المتنازعة غارقة في جو مشحون من الضغينة والكراهية التي يحملها كل طرف للطرف الآخر – نجد أن ذاك "الصياد" يستمتع بصيده وبنجاحه على نشر الفتنة والتنافر بين المتخاصمين...
علينا ، إخواني، أن نكون أشد حذرا عندما نتعامل مع هؤلاء "الصيادين"، حتى لا نكون طعما في صنارتهم ، فيضعونا في سلة صيدهم ويستغلونا من أجل تنفيذ مآربهم وأهدافهم المقيتة ومصالحهم الدنيئة ، ولكي ننجح في ذلك علينا الابتعاد دائما عن المياه العكرة والتواجد فقط في المياه العذبة النقية.