خلال زيارتي أمس الأول إلى السوق البلدي في مدينة نابلس التي كانت ترتدي حلّة خاصة بشهر رمضان المبارك استفزني مشهد يتكرّر في واقعنا.
بائع، بدلا من أن ينادي على الخضار والفواكه التي يشتريها المتسوّقون استعدادًا للشهر الفضيل، يطلق نداءات مدوية وصاعقة: "لمين هاي البنت يا شباب؟"
وطفلة، لا يتعدّى عمرها الخمس سنوات، ترتجف بين يديه، ليس خوفًا من البائع الطيّب، وإِنْ كانَ مفتولَ الشوارب والعضلات، وإنّما، من المارّة الذين راحوا يتجمهرون من حولها، وكأنهم يتفرجون على إحدى المسرحيات العبثية التي تقدمها بعض المسارح في الشوارع...
وتختلط رجفة البنت بدموعها وبشعرها الذي تلخبطت خصلاته مع جزعها الكبير، وهي لا تفهم لماذا يتجمّع كلّ هؤلاء المتفرّجون من حولِها... وتقطع المنظر مرارًا الصرخات المستغيثة المستعارة من بيع الخضار والفواكه في الاسواق الشعبية الحافلة بنكهات البهارات المختلفة وروائح الأسماك الحادّة مع الاصوات العالية المنبعثة من محل قريب لبيع الاسطوانات، غير أن صوت البائع الطيب كان أعلى الأصوات: "لمين هاي البنت يا شباب؟"؛ "اللي ضيّع بنتو، هياها هون عند عرباية الخضرة والفواكه"؛ "وين أبو البنت الضايعة".
ويتقدّم من الطفلة، فجأة، طفلٌ ذكيّ صغير، عمره حوالي 9 سنوات، يقترب منها ويهمس في أذنها وسط صرخات أبو الشوارب:
"شو اسمك انت يا بنت؟"
بعد طول انتظار حدّدته الدموع والشهقات الطويلة الخارجة من بين أنفاسها الخائفة أجابته: "نردين".
شو اسم ابوكي؟، واصل أسئلته.
"أبوي اسمو ناجي، وإمي ميرفت"
وشو اسم عيلتك؟
بستنجي. اجابت وقد بدت عليها علامات الهدوء.
اقترب الطفل من البائع وطلب منه أن ينادي على الاسم الذي سمعه.
"ناجي بستنجي أبو الطفلة نردين ييجي يوخذ بنتو"
وواصل: "نردين موجودة هين عند عرباية الخضرة والفواكه".
لكن الطفلة الصغيرة اقتربت من الطفل وهمست في إذنه عبارة تصحيحية للمعلومات.
توجّه الطفل إلى البائع من جديد الذي نادى هذه المرة على أمّ الطفلة.
وفجأة شُقّ طابور المتفرّجين المندهشين من الطفل المساعِد وتقدّمت سيدة أنيقة ذات شعر مرتب وعطر يغطي على رائحة الأسماك القريبة، تقدّمت مرعوبة من المشهد واحتضنت طفلتها وكأنّها تخبّئها من عيون المارّة وقالت لها:
"نردينو، كنت في دكانة البيليفونات، يمّا، عم بصلح الجهاز تبعي، يييي عليّ، نسيت إنك أجيتي معي".
شدّتها من يدها، بصورة خاطفة كادت تشلع كتف الطفلة الغضّ من مكانه وخلال ثوان اختفت عن الانظار وكان بعض المارّة ينظرون إلى هواتفهم الخلوية ويقولون "أبو البيليفون على أبو سنينو".
ملاحظة: الأسماء من نسج الخيال
بقلم: الإعلامي والكاتب نادر أبو تامر