لو كان " مرقس " في الزمن القديم لاتهِم ... !

الناقد : نور عامر ,
تاريخ النشر 11/08/2011 - 03:37:49 pm

الشاعر سليمان مرقس ، كفر ياسيف ، في ديوانه الجديد " صرخات في وجه الزمن المعطوب "

حظي بمقدمتين دسمتين لشخصين محترمين  ،  مجاملة واحتفال من الطراز الأول . لو كنتُ مكانه لكتفيت بذلك ، لكنه طمع بالاستزادة تلميحا وليس تصريحا ؛ وهذا قلمي دائما على استعداد للمفاجآت ، أجس الصفحات الكثيرة المكتظة ، قصائد التفعيلة الواحدة ، والغالب عمودية ، بعضها يربو على الستين بيتا ، وهذه الإطالة يفرضها تعدد الأغراض في القصيدة الواحدة . لكن لولا سعي الشاعر الى التنميق وبعض أشكال البديع ، لأصاب القارئ الملل ، ليس بسبب الكم ، إنما لافتقار هذه القصائد الى الإبتكار الذي اعتبره روح الشعر . فما معنى أن لا ينحرف عما هو عام وشائع فيما وصلت اليه الأمة العربية من واقع صعب ، من منا لا يعي هذا الواقع .  

" فالواقع المشؤم ليس مطمئنا / ما عاد يجدي العد والمعدود " .

ولم ينجز فتحا بقوله " الحسم بالسيف لا بالشعر والخطب " .

لقد حُسمتْ هذه القضية منذ إثني عشر قرنا . قال أبو تمام الطائي :

السيف أصدق أنباء من الكتب    في حده الحد بين الجد واللعب . 

يتضح في هذه القصائد أن الشاعر وطني النزعة ، غيور على الأمة ، صادق في طرح موضوعاته السياسية والإجتماعية ، يحاول لفت الإنتباه الى انحدار القيم والأخلاق بغية إصلاح ما يمكن إصلاحه ، وهو في مساره الشعري يحث على السلوك النقي في الدين ، أما المزيفون فلهم معه حساب عسير ، حتى خلته وصيا حازما  .

" والدين ان كان التدين خالصا / لا يعتريه تمايع وتضبّع / وجهان يبدو فيهما متواطئ / مهما تمكيج وابتدا يتصنع " .  

وللشاعر رأي في الغدر وقبحه ، عبر قصيدة محورها هذا البيت " ولكم يكون الغدر أفدح قسوة / إن جاء من خل لنا وقريب " .

في هذا المعنى بيت مشهور لطرفة بن العبد : وظلم ذوي القربى أشد مضاضة / على المرء من وقع الحسام المهند .

لو كان " مرقس " في زمن النقد القديم لاتهم بالأخذ عن طرفة ! ، ولن يشفع له قول المتنبي : ربما وقع الحافر على موضع الحافر .

أما أنا فأحكم أنه الإحتذاء بنية الكلام فقط .

في قصيدة " جراحات القلب " ينظر الشاعر الى الدنيا نظرة المتأمل الخبير . استوقفني البيت التالي " تراءت لي الدنيا كئيب مسارها / شحوب كلون الضارعين الخواشع " .

قال أبو نواس في هذا الصدد : اذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت / له عن عدو في ثياب صديق .

لا اظن ان سليمان مرقس  مال على الشاعر العباسي ، فقد تكون المسألة مجرد صدفة ، أو ما يسمّى " توارد خواطر " .

ولمرقس مع الطبيعة مناخ مركزه الربيع بسحره وجماله ، وصفا حسنا " حل الربيع فأين الكأس والوتر / أين الأحبة أين الخمر والسّهر / صار الوجود جميلا في تمازجه / لا تلحظ الحسن إلا من بها بصر " .

حقا أعجبتُ بهذه القصيدة ، لكنني في وصف الربيع لم أجد أكثر روعة من وصف البحتري ، حتى ليكاد الجماد ينطق : أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا / من الحسن حتى كاد أن يتكلما .

وفي ميدان الحب والغزل للشاعر مرقس صولات وجولات ، لكن " المشكلة " انه لم يقدم مغايرا أو أكثر ثراء مما قيل في هذا الباب قديما وحديثا . لذلك لم أحفل ، بيد أن المنطق يقتضي أن نسوق شيئا من غزله لأثبت صحة رأيي .

" ثغر تمنى التّرجسيّ رضابه / الشهد بل ( الشفتين ) وسالا / بدر ينام الليل عند حدوده / العين ترمي نيزكا ونبالا " .

بخصوص الرضاب السائل ، لعل الشاعر كان في عطش أكثر منه شوقا ! ، وتلك العين العجيبة ترمي نيزكا ، هل هي لأنثى من كرتنا ؟! .

ان الحديث عن هذا العمل يطول لغزارة موضوعاته وتنوعها ، لذلك رأيتُ أن أنهي المقال بالنظر الى الميزة الجليّة في الديوان ، وهي خلاصة حياة ، وقافلة آراء ، مواقف ونظرات تتشكل عبر ثقافة واسعة ، وبصورة لا تدع مجالا للشك أننا ازاء شاعر يعتبر من الشعراء الجيدين على ساحتنا المحلية .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>