لماذا لا يستطيع البعض رؤية الواقع على حقيقته ، ولا يستطيع التمييز بين الأمور على أساس حقيقة الواقع ..؟! خاصة ممن يتوجب عليهم ذلك من نشطاء فكر وثقافة وسياسة وما إلى ذلك ..! هل هو التحجر والعناد والإيغو المظلم إلى هذا الحد ؟ هل هو سحر الأيديلوجية التي نشأوا وشبوا، ويهرمون عليها ؟ أم هي مصلحة مادية معنوية ، وجاهية ، فيتعلقون بما وفره لهم الإعلام من ظهور وشهرة وجلب منفعة واحترام ومجد شخصي ،ولو على حساب الحقيقة الموضوعية وعلى حساب الروح والدماء البشرية البريئة .. ان موقف التضامن مع النظام السوري من قبل البعض ، من خلال الخلط الاعتباطي بين سوريا الشعب وسوريا النظام، هو ليس فقط تعبير عن الاستمرار في التشبث بشعارات الممانعة والعروبة والمقاومة ، التي لم تكن في معظمها سوى قمع واطهاد وقتل لآلاف السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين ، ليس إلا في سبيل مصالح شخصية وعائلية وطائفية مبطنة من قبل النظام السوري الحاكم . بل ان موقف التضامن مع هذا الخلط هو عمليًا استهانة بكرامات ودماء وحقوق الشعب السوري ، وهو شراكة في عملية هدر الدماء والكرامات التي يرتكبها النظام في أبناء الشعب بكل طوائفه .. لا أدري قد يكون موقف هؤلاء السلبي مما يجري في سوريا تحديدا نتيجة تخوفات وحسابات سياسية ، هم مقتنعون بصحتها .. لكن الذي يجري في سوريا واضح ، وكل الكلام الذي يدور حول مؤامرة خارجية تركية عربيه أمريكية إلخ . هو كلام ليس له أقدام ولا جذور في الواقع السوري الراهن ، رغم ان جميع السذج في الكون يدركون ما هي أمريكا وماذا تريد منا ومن العالم .. وهذا معناه ان الثورات الشعبية الجارية والجارفة في تونس ومصر وليبيا واليمن ، التي تحمل نفس القلب والنبض في سوريا ، لم يستوعبها بعد الكثيرون من أصحاب المنابر والأقلام ، من موالين تقليديين لأنظمة "الممانعة والمقاومة" وهو تفضيلهم في شكل من الأشكال ، للماضي المتحجر القائم منذ أربعة قرون وتعلقهم به،مفوّتين الفرصة التاريخية ،التي من الواجب أن يكونوا هم من ورائها ليس ضدها، والتي من الضروري ان يكونوا هم ممن يقودها لا في جانب من يوقفها ويحاربها ويقمعها بكل غالٍ ورخيص ..! أنتم أيها السياسيون وكتبتهم أمام إمتحان تاريخي إنساني ضميري عقلي ، عليكم عبوره بمسؤولية ويقظة وحساسية بالغة لحساب مصلحة الشعوب العربية والإنسانية . عليكم ان تترفعوا فوق جميع المصالح والمآرب الخاصة من حزبية أيديلوجية وشخصية . حتى لو عز ذلك عليكم وصعب كثيرا بسبب تعودكم نهج ذلكم طوال السنوات الماضية .. أنظروا بعيون الشعوب وبعين الواقع .. لا بعين التطرف الأيديلوجي المجرد الأرعن ، الذي لا يمس العروبة ولا مصالحها ولا واقعها إلا بسوء ودمار.. ان التضامن مع النظام السوري ضد شعب سورية ، لا يختلف في شيء عن تضامن البعض الآخر من الجهة الأخرى ،مع أمريكا ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين .. بالنسبة للمواطن العربي الحالم بكرامته مرفوعة ودماؤه مصانة وأمنه متوفر وحاضره مزدهر ومستقبله أكثر ازدهارا ً . هذا المواطن لا يهمه إسم النظام وشكله وشعاراته وشخوصه ، بل يهمه ما يتوفر له فعلا من حرية وحق تعبير ومساواة في الحقوق والواجبات – وطنية ومدنية وسياسية ودينية وما تشاء - وهذه كلها في الحضيض تحت النظام السوري الحاكم . ان الحرص من قبل بعض أعضاء الكنيست العرب ،وسواهم من أتباع، على وحدة سورية من التمزق بين طوائف ودويلات ، ذلك يعني أنهم (لا يعلمون ) ان نظام الحكم هناك قائم على أفراد عائلة وطائفة منذ أكثر من أربعة عقود ، وان النظام يحاول بكل ما أوتي من " ذكاء" خلق جماعات سلفية وعصابات إجرام تتبنى عنه إدارة الفتنة بين الطوائف لوقف الانتفاضة الشعبية ضده . وذلك يعني أيضًا أن بعض أعضاء الكنيست العرب في إسرائيل أكثر وطنية وأكثر حرصًا على سورية من المعارضة السورية الشريفة والواعية ، والتي من ممثليها : مناضلون وفقهاء قانون ومفكرون وفلاسفة كبار ، كهيثم المالح وطيب تيزيني ومشيل كيلو وبرهان غليون .. أم ان بشار وماهر وبثينة شعبان ومحمد حبش وذو الهمة ومحمد نجيب وسواهم من قادة شبيحة وإجرام وطغيان ،أكثر وطنية من اؤلئك .. أقول لؤلئك المتمسكين بمواقفهم السلبية والمتخلفة عن نضال الشعوب العربية ،التاريخي العظيم ، انكم لا تختلفون اليوم - إذا ما بقيتم على مواقفكم هذه - عن عبدة أصنام أنفسهم ضد كل انفتاح إيجابي حقيقي على الواقع المتطلب ، منذ قريش التي وقفت ضد الإسلام ، حتى اليوم .. لقد أصبتم بنفس الفيروس الذي أصاب الغربيين تجاه المسلمين هذا العصر. هم مصابون بإسلامفوبيا مقابل أمريكافوبيا من جهتكم .. فكلَّ ما تنحنح مواطن عربي بحق ديمقراطي أو بحرية تعبير هو عميل متأمرك .. حتى كرامة المواطن العربي أصبحت مؤامرة أمريكية ، ولا بأس بالقمع والبطش والقتل والتعذيب والاغتصاب والحرق والهدم، مع مقاومة إسرائيل وأمريكا ،عدا مقاومة الكرسي المتعفن الذي يتعاقب علية الآباء والأبناء من سلاطين وزعماء ،فهو تعد ٍ على الأصنام المقدسة التي لا يجوز مسها حتى ب (لا ) واحده .. !