إن أصعب ما تعيشه البشرية اليوم هو "تحدي الزمن"، ذلك الزمن الذي بات أشبه بسفينة في لجة البحار، تتدافعها الأمواج من شدة الرياح، فترتفع بها عاليا ثم ما تلبث حتى تخفضها بقوة، فلن ينجو منها أحد إلا من كتب له الخالق النجاة.
لقد وصل العالم من خلال صناعاته إلى زمن يختلف كل الاختلاف عن الأزمان السابقة، مما جلب كارثة على الإنسان والطبيعة معا، وجعل الإنسان يعيش في تناقضات مع نفسه وانفصاما في الشخصية.
يقول العالم الكسيس كاريل : " إن الحضارة الحديثة في مأزق، لأنها لا تتلائم مع حقيقة كيان الإنسان ، لقد بنيت هذه الحضارة بدون معرفة طبيعتنا الحقيقية ، فهي ناجمة عن مصادفات الاكتشافات العلمية واشتهاءات البشر وأوهامهم ونظرياتهم ورغباتهم وبالرغم من أننا نحن الذين شيّدناها فان هذه الحضارة ليست على قياسنا ".
لذلك الإنسان المخلوق القوي والضعيف في آن واحد جلب لنفسه الدمار والعذاب، مما جعله يقضي على إنسانيته وجعله يخوض في بحار من الظلمات والمهمهة والحيرة، لأنه بجهله نسي أنه إنسان خصّه الخالق بالعقل والشهوة والروح الناطقة، ويقهر شهوته الحيوانية بعقله المدبر، فنزل إلى مستوى الحيوان الغير عاقل والغير ناطق والذي جعله الخالق شهوة بلا عقل، وبذلك كتب على نفسه الانتحار، لأن الإنسان أراد التمرد على الأديان التي هي من عند الخالق، الخبير العليم بصنعته، والعارف بما هو أصلح لبريته، فالإنسان الجاهل هو عدو نفسه، لأنه يسير في ضلال لاختياره طريق الظلمة بإتباعه هواه وما تشتهيه نفسه، التي قال عنها خالقها: " النفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربي "،إن ثورة الإنسان على الدين تعني ثورته على الجبلة التي فطر عليها منذ النشيء الأول، وهي فطرة الإيمان بالخالق جل وعلا، لأن الإنسان مجبول من حين الفطرة والإبداع الكوني على الإيمان بالبارئ، وكل محاولة تجعله ينسى أنه عبد لمعبود تجعله يتمرد على نفسه ويتحول إلى عدو لدود لها، مما يدفع به إلى الهاوية والدمار، لأن الأديان جاءت لترتقي بالإنسان إلى عالم الكمال الإنساني لتلحقه بالعالم الرفيع، عالم الملائكة، عالم المتحرر من النفس الشهوانية، عالم العقل الرفيع والجوهر الكامل، المتحد بالقوة العاقلة، التي أبدعت هذا الكون البديع ،المتقنة صنعته على أتم نظام، فالإنسان المتجرّد من الدين والإيمان هو إنسان يريد أن يتحدى خالقه بإظهار التمرّد والعصيان على الشرائع السماوية، فيقتل ويفتك ويهتك الحرمات ويسكر ويعربد ويخمر ويسرق ويكذب ويزني ويخون ويغش ويفسق، وفي النهاية تمرده خاسر لأن الباطل مهما يعلو يعود الحق لينتصر عليه.
إننا كطائفة درزية، معروفة بحفاظها على الدين، العرض، الشرف، العادات والتقاليد الأصيلة، التي تميّزنا بها على جميع الشعوب، وذلك لتمسكنا الشديد وبالرغم من تغييرات الزمان، وذلك منذ أن قال الخالق للكون "كن فيكون" ، وأيضا لحرصنا على الأعراض ونقاء العرق والدم، كما تبين مؤخرا من خلال فحص الجينات، التي أثبتت قدم وطهارة وأصالة العرق الدرزي ، وذلك لعدم الإختلاط بباقي الشعوب عن طريق التزاوج، وتغيير نسب الدين والهوية، فصنعنا بذلك تاريخا ماجدا شهدت لنا به الشعوب في جميع أصقاع الأرض، وقصة" ميثا الأطرش" لهي أكبر دليل على ذلك، حيث فضّلنا القتال والإستشهاد من أن تمنح إبنة الزعيم شبلي الأطرش للوالي العثماني "ممدوح باشا" لتكون له حليلة لكونه لا ينتمي إلى هذا العرق، الذي بات نادرا، ومن خلاله يقدر العلماء والباحثون كشف تاريخ هذا العالم، المكنون في الجين الدرزي، لأنه بقي الاف السنين كما هو لم يتغير، بتنا اليوم نعيش في عالم صغير، طغت عليه العلمانية المادية البعيدة كل البعد عن العلم المشتقة من مصدره ، فتترجم باللادينية أو الدنيوية وهي فصل الدين عن الدولة، والتي هدفها بناء حياة على العلم الوضعي والعقل، ومراعاة المصلحة بعيد ومتجردة عن الدين ، وكوننا طائفة محافظة ومرتبط كيانها إرتباطا كلّيا بالدين والعادات والتقاليد، فلا بدّ أن نصطدم بجدار هذه العلمانية الهدامة، فنتحطّم إذا لم نتدارى الامور ونعيها، لنخطو ونتجاوز هذا التغيير بأقل ضرر.
فالعلمانية أصبحت ألدّ أعداء الدّين ، وكلّ دين ، فهي تشنّ حربا ضروسا على الأديان بهدف زعزعة الكيان الديني لكل مجتمع أو فئة، والحط من شأن رجال الدين والإضرار من رسالتهم وتشويه سمعتهم وجعلهم يسيرون في خطى تتناقض وقوانين الدين ليصبحوا عرضة لانتقاد مجتمعاتهم مما يفقد الثقة بالدين ورجاله ! وبذلك تصبح تعاليمهم عبئا على الناس لا يمكن أن يتقيدوا بها، لأن العلمانية تريد أن تأتي بخلاف ما تنصّ علية الأديان السماوية ، من صيانة العروض ، والنّهي عن المنكرات وتحريم المحرّمات من الأموال الفاسدة كأجرة الزنا والخمر والغناء والقمار والسحر والشعوذة والرّبا المشروط ، وأيضا تحرير المرأة لتنسفل وتفقد كرامتها وعفتها ، تلك العفة التي شبهها نابليون بونابرت بـ " القلعة الحصينة الذي يصعب احتلالها"، لقد وصف تعالى المرأة على أنها عورة وكل عورة يجب سترها، فهوخالقها وهو أعلم منّا بها، وعلى هذه المرأة ترتكز الشرآئع والقوانين السماوية، كونها الأم والمرجعية الأولى في أساس بناء المجتمع ، فمن هنا جاء الدين لصيانة المرأة التي هي العرض ، لتعرف الأنساب وتصان من الأمراض ، والتي أخطرها مرض الايدز الذي بات المرض الخطير الذي يهدد البشرية بسبب إباحة الجنس دون عقد زواج ديني، وأيضا تشريع قوانين عالمية تحلل الزواج المثلي، بين ذكر وذكر وبين أنثى وأنثى وحتى أجازوا علاقات جنسية بين الإنسان والحيوان وهذا قمة الانحطاط للإنسان الذي أراده الخالق أن يكون على أحسن تقويم وأحسن تصوير، فأصول البشر ومعادنها من المرأة، لأنها كالأرض إذا كانت طيبة أنتجت ثمارا طيبة وبالعكس إذا كانت رديئة أنتجت ما هو رديء، ونحن كطائفة درزية جذورها دينية أصبحنا في وضع خطير جدّا ومحاطين بعدو يهدد كيان المجتمعات الكبيرة فكيف الصغيرة؟
وهنا لا بدّ أن نقف متمسكين بجذورنا وبعاداتنا وتقاليدنا النابعة عن ديننا الحنيف، مذهب التوحيد والمسلك العرفاني العقلاني، ونعتمد الصدق في جميع الأقوال والأفعال ، ونحفظ العهد بحفظ الاخوة والمعاضدة لهم ، في السرّآء والضرّآء، لنقف معا صامدين أمام أعدآء الدين والبشرية جمعآء، لأن لا إيمان دون حفظ الإخوان، وألا نصغي إلى أقوال الشياطين المموّهين الحقآئق والملبّسين الفضة الصافية بالنحاس ليجوّزوها على العميّ من الناس، فالعلمانية أتت بالزيف والبهتان ، وأدخلت للعقول وساوس الشيطان، فأشعلت وجه الأرض بالشرك والنيران، فكل ما نراه من إدخال ما يسمّى بالإصلاحات الى الأنظمة الدينية، ما هو إلا إبعاد الناس عن كنه الحقائق، والسنن المتبعة والراجعة الى مسالك العارفين، فلا يمكن إحداث وتجديد في الدين إلا ما سنّ عليه الشرع، ليكون إصلاحا للحال، وتحسين لظروف الحياة لما يطابق به العصر ،
فلا يمكن الخلط بين النسآء والرجال مهما تغيّرت الأحوال ولا يمكن تحليل محرّم كان قد حرّمته الأديان مهما اشتد الظلام ، فالأوامر ثابتة والنواهي لا تتغيّر ، والقيامة لا مفرّ منها ، والعقاب والثواب في المرصاد ، فلنكن طائفة إذا سمعت القول تتبع أحسنه، وإذا نزلت في أرض تختار ما هو نافع في الدنيا والآخرة،لأننا أشبه ما نكون كقوم يسير في صحراء قفراء يقودها بعض الأدلآء فلا إستغناء عنهم ولا نتبع سواهم، لئلا نضل الطريق ونقع في التيه، ويفوتنا الرّكب ولا نصل الى الدّ رب، ونخسر مسعانا وينزل بنا الندم فنندم حيث لا ينفع الندم،
فعلينا جميعا أن نقف كالبنيان المرصوص والقلعة الصامدة أمام الغزو العلماني الهدّام الذي همه الوحيد هدم الأسرة والدعوة إلى الانحلال الخلقي، وبالتالي نزع العرق البشري حتى لا يعد هناك انتماء ينتمي إليه الإنسان، ولا مرجع يرتكز عليه، هكذا يصبح الإنسان بعيدا كل البعد عن المقومات الأساسية التي يبنى عليها المجتمع فيصبح كالقطيع المشتت لا راع ولا حارس، فهذا زمان الضياع والتشتت والانصهار والتفتت، والذل والرق والعبودية والقهر للنفس البشرية، على أيدي أناس جلاف القلوب أنكروا الخالق فلم يعد أمامهم سوى محاربة الخالق بمعاقبة خلقه، فبدأوا بدس سموم التفرقة بين الإنسان وأخيه الإنسان،بين الإنسان وجاره وبين الرعية والراعي والراعي والرعية، فانتزعوا الحنان من قلب الأم ففقدت الأمومة وانتزعوا الرأفة من قلب الأب فافتقد الأبوة، ومن الإبن والبنت اقتلعوا طاعة الوالدين، لأنهم عرفوا أن رضا الخالق من رضا الوالدين، فصار أهل البيت كلهم أعداء فلم يعد هناك سلام ولا طمأنينا، إن حياة كهذه لا يمكن أن تستمر فيجب التحدي وإلا انتظار الفرج الذي وعد الخالق به عباده الصالحين وهو لا يخلف الميعاد .