سراب إسمه "مجلس أمناء" - بقلم: سامي فرّاج

تاريخ النشر 15/10/2011 - 12:08:36 am



عندما نتحدث عن الانتماء , نقصد, ودون التدقيق في التمعن  زيادة عن اللزوم  , بالمكان , الأرض و الصخور , الشجر و العصافير , الشمس و الهواء , الذكريات والناس .

 وعندما يعود أحدنا من سفرة خارج البلاد , وتحط  به الطائرة على أرض المطار في اللد , لا يغمره شعور الانتماء , بل يظل شعور الغربة يحاوره تماما  كما كان في الخارج , الى أن يصل الى مشارف جبل الكرمل , فيتبدل الشعور في عتليت او في وادى الملح  . ,, الهواء يتبدل , والشمس تتبدل , والصخور تتغير . ويزداد الانتماء شيئا فشيئا كلما زاد اقترابنا من الجليل , من الزيتون والخروب والسنديان , من الجعساس والقندول والبلان , ومن الطيون  , هكذا نحن ....وهذا هو انتماؤنا .

عندما يتحدثون عن تطوير الجليل أو الكرمل , يتملكنا شعور بالخوف , فهذا يعني لنا مصادرة جديدة لأرض تنتمي الينا وننتمي اليها . وعندما يقولون تهويد الجليل نخاف أكثر فذلك يعني إحاطة بلداتنا بمنطرات (מצפים) ومستوطنات تحد من توسعنا  . وعندما يعلنون عن مناطق خضراء أو محميات طبيعية , يقصدون سلب حقنا وملكيتنا لما تبقى لنا من أرض  .  هكذا وبحنكة داهية تحولت بلداتنا الى جيتوهات , وكتل من الباطون والإسمنت والأسفلت , حتى عندما يتكلمون عن السكن المحمي لمن تقدموا بالسن لا يقصدون كبارنا . لم تبق لنا أرض للبناء , ولم تبق لنا رئة خضراء , وصارت حلول المعيشة قاسية علينا , فإما نترك بلداتنا ونبحث عن سكن في مدنهم حيث يتعذر العيش , إذ لا روضات لأطفالنا هناك , ولا مدارس تلائمهم ....حتى لا مقابر لدفن موتانا هناك, لا شيء هناك معد لنا.

وإذا تجرئنا وأقمنا مساكننا على ما تبقى لنا من أرض ( بالطبع خارج مسطح البناء) نصبح بذلك مخالفون , ومعتدون على أملاك الدولة , فنُحاكم وفق القانون الجنائي , ونغرم بمبالغ طائلة , ناهيك عن حرماننا من الارتباط بالكهرباء والماء , فنضطر للبحث عن حلول بديلة , كثيرا ما توقعنا في مهالك .

على قمم الجبال أقيمت مناطرهم , وبلداتنا أسفلهم لنكون دائما تحت الحراسة ...هم يتحرسون منا كما  يتحرس ناطور الكرم من اللصوص او الثعالب , مساكنهم لها حدائق غناء , وبيوتنا متراصة , في بلداتهم شوارع رحبة وأرصفة , وفي بلداتنا أزقة ضيقة , عسر وبطالة عالية عندنا , وعندهم يسر وعمل ,.....الدولة لهم ونحن فيها  رعايا وتابعون , المؤسسات تعمل لحل مشاكل بلداتهم , وتتعامل معنا كمشكلة يجب حلها .

من منطلق التمعن في رؤية الصورة الواقعية لحالتنا , ومن منطلق الأيمان بالانتماء الى جليلنا وكرملنا  وبلداتنا,   والعمل على صنع صورة مستقبلية مغايرة , دخلنا في حلم مثالي يمتد الى البعيد الأفضل , حلم ينبذ الشخصنة في اتخاذ القرار المتعلق بمصير انتمائنا والحكم على مقدراتنا بالتيه " فأول المشخصنين كان إبليس اللعين حين قال : أنا خير منه , خلقتَني من نار وخلقتَه من طين " ولأن الشخصنة تنتقص من كمال المنطق  وتُشهر عدم موضوعية طرح القيادة.  حُلم قادنا الى ضرورة مأسسة النضال من أجل نيل انتماء سياسي , اقتصادي , اجتماعي وثقافي فعلي . وعملنا على تحويل الحلم ( هذا الشعار)  الى حقيقة ملموسة , بل اتسع ليشمل آليات وإجراءات وتدابير قد  تؤدي الى تحقيق حرية التعبير وتأطر المؤسسة أفقيا وعاموديا.

وبعد مشاورات واقتراحات كثيرة وقع الخيار بالأكثرية  على بناء جمعية ,تكون قيمة مضافة لما هو موجود , وتعمل بموازاة للجهود الفاعلة  في المجتمع , ويكون في اسمها احتواء لأبعادٍ واسعةٍ يتحتم المحافظة عليها لضمان كينونة العمل المؤسسي , كالتاريخ واللغة والمصير .....والانتماء.  فوقع الاختيار على " مجلس أمناء" وشعاره حفظ الإخوان , لما لهذه الخصلة من تأثير كبير على التعاون والتعاضد , وتنمية الشعور بالمصير المشترك , ولدورها الكبير في تقابل السرائر , والتقاء البصائر لدى أبناء المجتمع , أصحاب الانتماء الحقيقيين آملين تحقيق ولو جزء بسيط من المعنى الأسمى..... "كن".

وبدأ المشوار مع نخبة من الأحرار الذين اتخذوا من دأبهم وسيلة , ومن عملهم طريقا , ومن الحق غاية وهدفا , وقد بورك مجلس الأمناء بإدارة حكيمة واعية وأياد عاملة مخلصة تعرف كيف تُسخر الإمكانيات المتوفرة لديها من أجل تحويل الأحلام الى حقائق ملموسة على الواقع , وقُسّم العمل على لجان  مهنية مختصة يدير كل منها مجموعة  الشباب المهنيين  المثقفين من  اصحاب الانتماء العالي , فكان لهم صولات ناجحة , وخطوات ملموسة , مما أحدث حراكا شعبيا غير مسبوق في مجتمعنا ,فصار العمل والوفاق الداخلي محط أنظار المجتمع بأسره , وأصبحت نقاط البحث المعلنة في مجلس الأمناء , شعارات تُرفع أمام السلطة من قبل قيادات دينية وسياسية من خارج مجلس الأمناء , فاستبشرنا خيرا من ذلك الحراك وطمعنا بالمزيد . 

 إلا أن نهج الشخصنة في فرض الإرادة على العمل المميز لإدارة مجلس الأمناء أدى الى فكفكته وهو في بداية المشوار تقريبا.

والشخصنة هذه المرة تتمثل في وجهين , الأول ,هو الجهة الممولة لفعاليات المجلس , فأصاحب المال سلاطين ,  ليسوا  أقل من سلاطين الفطنة , وهم يتميزون بالفطنة اللامعة ,  وقد أولوا من العلم والمعرفة والدراية قسطا وافرا ..... ولكنهم " ولغاية في نفس يعقوب" ارتأوا  أن يمنحوا المال ثم يمنعوا المثابرة , ويحدوا من استمرارية العمل المؤسسي , فعمدوا الى استغلال الديمقراطية بطريقة مشوهة , وبخبرة كبيرة لتطبيق فكرتهم بفتفتة الجهد المميز لمجلس الأمناء .....فتبعثرت القوى  .. وسادت ظاهرة دكتاتورية الرأي الواحد الذي يسلك سياسة الإقصاء وتنصيب الفرد وصيا على العمل الجماعي. أما الجهة الثانية فتتمحور في عدم احتكام القدرة لدى الإدارة المنتخبة على مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية , ربما  لتَغَيُب قواسم مشتركة بين أفرادها لردئ الضرر الحاصل عن عنصر المفاجأة , وعن نقص في المعلومات وتدفق الأحداث , بالإضافة لضغوط مادية واجتماعية متعددة ومتعاقبة , شكلت عندهم هلعا ورعبا ما , فلجأوا الى تقزيم العمل وتهميش الرسالة الأساسية لمجلس الأمناء والتمسك بحواف الشرعية القانونية الممنوحة فقط, متنازلين عن مواجهة التحديات التي كانت سببا لوجود المجلس, الأمر الذي أدى الى تنازلهم عن دورهم , وإعادة صياغة إدارة بديلة

إن سعينا وواجبنا تجاه مجتمعنا يفرض علينا الوقوف كرجل واحد , وبكل وضوح في وجه السياسة القاسية  , عديمة الرحمة , التي نتعرض لها والتي من شأنها تشويه تاريخنا المشرف  , والاستمرار بالعبث في حاضرنا ,  والقضاء على مستقبلنا ,   والحد من طموحات الناس وكبت آمالهم , وأسر عقولهم والسيطرة على ضمائرهم الى حد الشك في النفس .  إننا اليوم بحاجة ماسة الى تكاتف وتضامن كل الطيبين أصحاب الانتماء الحقيقي بكل مسالكهم الاجتماعية  والسياسية  من أجل "أسرنة"  موقف  موحد  خال  من الأنانية المقيتة والشخصنة البغيضة , ودكتاتورية الرأي الواحد, ولخلق عامودٍ فقري لهلامية هويتنا , لأن في ذلك استقطاب  لمصادر المأسسة وحرية العمل المنظم , والتجارب قد علمتنا أنه من الحكمة استغلال المنعطفات الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإسرائيلي كالتي تحدث الآن , بهدف تحقيق إنجازات خيرة  تعزز انتماءنا.

الأنسان هو كائن حي منتم ,متطور ,عقلاني, منفعل وفاعل, فمنذ ولادته ينتمي الى صدر أمه , ثم إلى امه وأبيه , وهكذا تنشأ العائلة ينتمي إليها ,ثم ينتقل انتماؤه الى المنزل , والعائلة  والشارع والحي الذي هو فيه ,وبعدها تأتي المدرسة ,فينتمي الى صفه وأصدقائه ومدرسته , ثم يتطور الأمر الى أبعد من ذلك , الى طائفته ومحيطه , ثم موطنه وأمته , لذلك علينا جميعا العودة الى وقفة تاريخية تحدد انتمائنا وتفند هويتنا وتؤصلها من أجل السير بخطى ثابتة في سبيل إيجاد الأرضية المشتركة للعيش المحترم .

الإنتماء هو الجامع بيننا في كل الظروف وهو المخرج الوحيد لكل ما يتعرض له مجتمعنا من مشاكل .

 والله   ولي  التوفيق

                                                 سامي فرّاج  

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.יסמיןיסלמו חלוו כל הכבוד18/10/2011 - 01:54:41 pm
2.ChucklesWhat a great rseuocre this text is.24/11/2011 - 06:21:22 pm
3.د. سلمان خيرهكذا عرفتك منذ زمن بعيد انسان مثالي في الحق والحقيقة - أنا فخور بك وبأمثالك يا ايها العزيز .19/12/2011 - 10:58:18 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>