زرت خلال هذا الأسبوع مدرسة الشافعي في باقة الغربية بمناسبة يوم اللغة العربية فيها ولاحظت مدى اهتمام مديرها وطواقمها التربوية بموضوع اللغة العربية من خلال تسليط الضوء على رموز عظيمة من الماضي والحاضر عبر احتفالية جميلة تبعث في النفس الكثير من السرور.
وما رأيته في هذه المدرسة يذكرني بما أراه في مختلف المدارس العربية وقد سنحت لي الفرصة المباركة بأن أقف عن كثب على ما يجري في يوم العربية في عشرات المدارس في السنوات الأخيرة، حيث يتوجّه إليّ المربّون لأتحدَّثَ عن موضوع اللغة العربية في المراحل الدراسية المتنوّعة.
غير أنني ما زلت أتبنَّى الرأيَ الذي يقول إن حبنا للغة العربية يجب أن يكون في كلّ يوم، وأن يتمَ التعبير عنه بصورة متواصلة، بدون الاكتفاء بأن نخصّص لمحبوبتنا العربية يومًا واحدًا فحسب، يجب أنْ نعيش اللغة طوال أيام العام الدراسي ومن خلال تصرفاتنا وممارساتنا وطقوسنا المختلفة التي نعيشها.
نرحّب بيوم اللغة العربية، لكن، ليكن كلّ يوم من أيامنا هو يومًا لهذه اللغة الحبيبة.
حتى عند التحضير ليوم اللغة العربية نسمع الكثير من العبارات الأخرى التي تطير في الجو وتفرقع وهي تدل بدون أدنى شك على أننا نعلن ونعرب عن حبّنا للعربية كضريبة كلامية غير أننا في واقعنا اليوميّ لا نفعل شيئا من أجل تعزيز هذا الحبّ وإنعاشه ودعمه.
أحيّي كلّ مدرسة تعنى باللغة العربية كما أحيّي كلّ مدرسة تحبّ أيّ موضوع آخر وتعمل من أجل تنميته في نفوس طلابها لأن التوجّه العلمي الحضاري الصحيح لا يرى تفاضلًا بين أنواع العلوم والدراسات المتعدّدة بل تكاملًا، وعليه، فلا بأسَ بأن نحبَّ الإنجليزية طوال العام الدراسي، وعلى مدار العمر، وأن نحبَّ العبرية، والعلوم، والجغرافية، والتاريخ وسواها، فحبُّنا لموضوع ما يجب أن لا يتنافى مع عشقنا لمسألة أخرى نحبّها، بل ربما يكون امتدادًا مثريًا له. إننا نعشق لغتنا بمنظور رحب يرى أن لغتي هي أنا، أن لغتي هي هُوِيَّتِي، بيد أنني، في الوقت ذاته، أهيمُ بالعبرية عشقًا، وأهوى الرياضيات، وغيرها من الموضوعات.
تعالوا نحب ما لدينا بدافع التعصّب، وليس من منطلق التزمت، بل بحبّ واعٍ، عقلاني مشاعريّ منتعش، منفتح على الفضاءات الثقافية الكائنة خارج طيف هذه اللغة.
لفتة حبّ كبيرة ليس فقط للغتنا بل لأولادنا الذين يعبّرون بطرق مبدعة عن حبّهم للغتهم ولموروثهم الثقافي الحضاري الغني والأنيق، وأنا شخصيًّا أعتقد أننا بوركنا بجيل منفتح الذهن يمكن أن يمتصّ عوالم حضارية وفكرية غنية، فهيّا نهيّئ له فرصًا كافية للتعبير عن مكنونات فكرِهِ وقلبِهِ.