يتخذ العمل الوطني في صفوف الطائفة الدرزية في إسرائيل زخمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة مع بروز عدة قوى تنشط في هذا المجال، مما أضفى نوعًا من التعددية على الحراك الوطني وفَتَحَ المجال أمام التنوع الفكري والسياسي في داخل الصف الوطني الواحد. إلا أن استحكام الخلافات بين هذه القوى أدى إلى حدوث انقسامات مؤسفة تركت ولا تزال أثرًا سلبيًا على حيويتها وشعبيتها وأفقدتها بعضًا من هيبتها. ويبدو لي في هذا السياق أن مفاعيل الانقسام اليزبكي- الجنبلاطي لدى دروز لبنان باتت تلقي بظلالها على واقع القوى الوطنية الدرزية في إسرائيل، حيث نلاحظ أن قسمًا منها يدين بالولاء للزعيم وليد جنبلاط بينما يوالي القسم الآخر الأمير طلال أرسلان.
في الطرف الجنبلاطي يتموضع "ميثاق الأحرار العرب الدروز" برئاسة النائب سعيد نفاع و"اللجنة الوطنية للتواصل" التي يتولى رئاستها الشيخ عوني خنيفس. بينما يتموضع في الطرف اليزبكي كلٌ من "حركة الحرية للحضارة العربية" برئاسة السيد إحسان مراد و"لجنة التواصل الدرزية" التي يرئسها الشيخ علي معدي. أما "لجنة المبادرة الدرزية" فيبدو أنها منقسمة على نفسها في هذا الشأن، إذ أن "الحرس القديم" فيها يميل إلى الجناح اليزبكي، وبالمقابل يقف عدد كبير من كوادرها إلى جانب الجناح الجنبلاطي.
احتل مشروع التواصل مع الأهل والأماكن المقدسة في سوريا ولبنان حيزًا كبيرًا من نشاط القوى الوطنية الدرزية خلال العشر سنوات الماضية، حيث فرض هذا المشروع نفسه على جدول أعمال الطائفة الدرزية في إسرائيل ونجح في استقطاب جهات متعددة لم تكن محسوبة على الصف الوطني في السابق، ولعل أهم ما أنجزه مشروع التواصل هو استيعاب رجال الدين ضمن العمل الوطني الأمر الذي كان على نطاق محدود فيما مضى. ولقد انخرطت في مشروع التواصل غالبية القوى الوطنية الدرزية التي رأت فيه فرصة سانحة لكسر جدار العزلة الذي فرضته المؤسسة الإسرائيلية على المواطنين الدروز، بالإضافة إلى كونه يشكل خطوة فعلية للانفتاح على العالم العربي. إلا أن لجنة المبادرة الدرزية قررت عدم الانخراط في المشروع بحجة أنه يتخذ طابعًا قوميًا يخالف توجهها الأممي، وبذلك تكون قد تخلفت عن الالتحاق بالركب نتيجة عدم استيعابها للتغيرات الحاصلة في الخارطة السياسية وتمسك قادتها بالنظريات الشيوعية الجامدة، وبالتالي فإنها تعتبر الخاسر الأكبر من هذه التحولات بالرغم من كونها أعرق جسم وطني فاعل على الساحة الدرزية في إسرائيل.
لعبت القوى الوطنية الدرزية دورًا كبيرًا في محاربة الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على الشباب الدروز، كما وأنها ساهمت بشكل فعلي في تثبيت والمحافظة على الهوية العربية الفلسطينية للدروز في إسرائيل. إلا أنها أخفقت في الاستثمار بالشريحة الشبابية التي تعاني من حالة ضياع على صعيد مسألة الهوية والانتماء، في الوقت الذي نجح فيه "اليمين الدرزي" الموالي للسلطة بإنشاء حركات شبابية تشجّع على الانخراط في صفوف الجيش الإسرائيلي وتقوّي النزعة الطائفية الانعزالية لدى الجيل الصاعد. هذا الأمر يحتم على القوى الوطنية العمل بجدية على بناء أطر شبابية تقوم بفعاليات ثقافية ورياضية يتم من خلالها غرس القيم الوطنية والتقدمية وتوعية الشباب على أهمية رفض التجنيد الإجباري وتعزيز المركب العروبي في هويتهم.
إلى جانب القوى الوطنية هناك عدد كبير من الناشطين الدروز الوطنيين المستقلين غير المنضوين تحت لواء أي إطار سياسي، وهم مطالبون بإطلاق مبادرة للتقريب بين القوى المختلفة وإنهاء حالة التشرذم التي أنهكت العمل الوطني وأضعفته. وفي هذا الإطار أدعو إلى عقد مؤتمر وحدوي تشارك فيه كافة الأطر الوطنية بدون استثناء من أجل تذليل العقبات التي تعيق العمل المشترك والتنسيق فيما بينها، والانطلاق من هذا المؤتمر نحو اتخاذ خطوات عملية تساهم في إحداث قفزة نوعية تقود إلى توسيع القاعدة الشعبية للقوى الوطنية وتعاظم قوتها وازدياد تأثيرها على مجريات الأمور في الطائفة الدرزية.