هل هي اسم لمسمى واحد؟ او تسميات لمسميات مختلفة؟ وما الفرق بينها؟
نشكر فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية والشيخ الاستاذ مهنا فارس المسؤول عن القسم الدرزي في وزارة المعارف والشيخ الاستاذ يعقوب سلامة مدير دائرة الاقليات في وزارة الشؤون الدينية، لما يقومون به من نشر وترسيخ التربية الدينية كل منهم في مجاله: ان كان في المدارس او في اللقاءات الدورية لطلاب المدارس او في الدورات الصيفية في مقام سيدنا شعيب عليه أفضل سلام.
انه عمل يسد حاجة ماسة عند النشء الجديد، في التعرف على مبادئ عقيدته وإيمانه وتمسكه بقيمه الروحية والأخلاقية.
ولكني اقول ويجب ان يعترف الجميع، انه لولا ادخال موضوع التراث الدرزي الى المدارس منذ سنة 1976 والذي لقي معارضة من رجال الدين في حينه. ولولا وقفة القائمين على موضوع التراث بايمان وعزم وثقة، ضد كل المعارَضات والمعارضين. لا نقول هذا تفاخرًا، بل للحقيقة والتاريخ. لولا موضوع التراث ولولا العاملين فيه وعليه، لما كان اليوم هذا الاقبال المبارك على التربية التوحيدية وعلى هذه النهضة الروحية التي نشهدها اليوم.
عارض رجال الدين في حينه موضوع التراث الدرزي خشية ان يتطور الى دروس في الدين. ولانهم لم يستوعبوا التطورات التي أوجبت الحاجة الى هذه التوعية التوحيدية. ولانهم لم يتصوروا التغيرات التي تطرأ على المجتمع الدرزي. ولأنَّ بعضهم آمن ان الدين كالشمس، من لا يراه فهو اعمى. ولم يدركوا ان الشمس قد تحجبها الغيوم عن عيون المبصرين. وان العيون قد يصيبها رمد فيغشى على بصرها. ولأنهم اعتقدوا أنَّ "علي بنفسي" ولن يفهموا ان المجتمع كالسفينة ان غرقت غرقوا معها. ونسوا واجب الهداية، وان "من هدى نفسا احياها" .
واليوم رجال الدين - لشدة سرورنا - أصبحوا يلحُّون في تدريس التربية التوحيدية في المدارس، معتبرين أنَّ التراث الدرزي لا يجيب كفاية عن المتطلبات الروحية والتساؤلات العقائدية عند الطلاب. وهذا تطور مهم وصحيح ومبارك.
ولكن، ما الفرق بين التربية التوحيدية والتراث الدرزي؟
أو لماذا لا يصبح التراث الدرزي والتربية التوحيدية واحد؟
يقول البعض :
1- ان معلمي التراث غير متصلين بالدين.
والحل: ان يتوجه فضيلة الشيخ موفق الى المسؤولين في قسم التربية الدرزية بان يكون معلم ومعلمة التراث متصلين بالدين. مع العلم أن في مدارسنا كثيرًا من المتصلين بالدين. ويمكن تأهيلهم في دورات روحية على غرار الدورات او اللقاءات التي تقام للطلاب او للمأذونين، ان كانوا بحاجة لذلك.
2- ان مادة التراث لا تجيب على الحاجة الدينية.
الحل: ان يزاد على مادة التراث المعلومات التي تجيب على الحاجات الدينية، ويصير الكتاب واحدا، بعد ان يصير المعلم واحدا.
3- لا يجوز اصدار كتب تتضمن تلك المعلومات الدينية التي يجدر أن يتعلمها الطلاب.
والجواب: ان ما يجب ان يعرفه آلاف الطلاب في آداب الدين وقواعد الدين ومبادئ الدين، لا يجدر ولا يمكن أن يكون سرًّا. وان الطالب الذي يؤتمن لا على هذه الأقوال والأحاديث، جدير بأن يؤتمن على كتاب وكراس.
ثم ان المحاضرة أو الدروة أو اللقاء مهما كان مثمرًا، فإنَّ وقعه عابر. وإنَّ الله قد خلق الكتابة والكتاب، لاننا بحاجة لهما في الدين أيضًا. وإلا ما وجدت الكتب الدينية، وظل الدين شفهيًّا.
لذا أنا اقترح ان تلك المحاضرات والأقوال التي تلقى على مسمع الطلاب في اللقاءات ومحاضرات ومجالس الوعظ يمكن ان تكتب وتنشر، لمن هو اهل لها، لأنَّ فائدتها تعم وترسخ وتصبح أبعد أثرًا وأطول زمنا.
الا ان يكون في استمرار الوضع الراهن مصلحة لمن هو مستفيد منها.
ويجب الحذر ان لا يكون تهذيبنا الديني تهذيبا تعصبيا وانغلاقيا وألا نربي على التزمت والتمسك بالقشور. بل يجب ان يكون تعليمنا نحو الانفتاح والعقلانية وتوسيع الافق واثارة التساؤل والتشجيع على الاطلاع والتعمق والفهم والادراك.
ليس الدين كما يظن البعض، هو ايمان اعمى، بل هو ايمان عاقل مبني على الفكر والمنطق، وليس من امن وبس، كمن امن بعد فكر ودرس وعلم.
وليس صدفة ان رجل الدين الدرزي يسمى عاقلا، وشيخ الدروز يسمّى شيخ العقل، وإمامهم يسمى العقل. اليس في هذا عبرة.
وكلامي لا يقتصر على الطلاب، بل ينطبق ايضا على المجتمع عامة.
ان الحاجة ماسة لنشر الوعي التوحيدي بين الشباب والمثقفين وغير المتصلين. ذلك لن يتأتى بلقاءات وعظ يدعى اليها، فلا تلقى اجابة كافية. فيقال ان الشباب او المثففين لا يأتون وهم غير مهتمين أو راغبين. فقد تكون العلة في تسويق البضاعة لا في المدعوين .
فهناك بالإضافة إلى هذه المحاضرات وحلقات الوعظ المهمَّة - مع الشكر للقائمين والوعاظ - وسيلة انجع واشد وقعا في المجمتع المثقف القارئ. وهي الكتابة والتاليف والنشر وتشجيع الناس على القراءة واثارة النقاش الروحي والحوار العقلاني والاطلاع على كنوز المعرفة التوحيدية.
وقد اخذت على نفسي المساهمة والمبادرة في هذا الباب، وهو نشر كتاب المؤلفات الروحية ومؤلفوها وتحقيق كتاب عمدة العارفين "المؤلف" للشيخ الاشرفاني رضي الله عنه، آملا أن يكون عملي خطوة في خدمة الوعي والمعرفة والعلم والمجتمع.
فكما ان تدريس موضوع التراث الدرزي كان ثورة، قوبلت بالمعارضة ثم قبلت وتطورت وتعمقت وازدادت، اثق ان عملي هذا سيلقى نفس المصير ان شاء الله وبه التوفيق.
واما من يظن ان الجنة ضيقة ويريدها لنفسه فقط، او ان الوصول اليها بالتعصب والتزمت، فليعلم ان الله يحب اليسر لا العسر، ويحب الخير للناس جميعا. وان الله امر العالم ان يعلم، والمفيد ان يفيد، والعارف أن ينشر معرفته باللين والمحبة والكلمة الحسنة الشفوية والمكتوبة.
مع تحيات
أبو شعيب