يطل هذا اليوم، ولا أتمناه... تتمايل سنابل العشب، تتزاحم في صدري المشاعر، تختلط، تنجبل بريش الحمام الذي كنت تربينه في حاكورة الدار، تتثاقل، بالكاد تسير، وتصير، في حلقي الكلمات شوكا، تقعد في حنجرتي سكينا من ألم، أكبر مني أحزاني، ورائحة فستانك لا تغادرني، رائحة التراب في مشيتك، حبات المطر في وجنتيك، وعمق السماء في عينيك..
خارطتي في الدنيا كفة يدك، لكنك بسرعة البرق تركتني، غبت، كما الشمس، وسط النهار، الوسادة تنام إلى جانبي، أذكرها، ولا ادري لماذا.. كنت أفتح عيني في الليل فأراك تضعينها إلى جانبي، تخافين أن أقع على الأرض فتحميني.. أين أنت الآن لتحميني... آه يا آذار...!
عني رحلتِ بلا استئذان، غضبتُ لأنك لم تشاوريني في الرحيل، وبقي على رقبتي المنديل، كنت تضعينه على شعرك البني الطويل.. في كلّ عيد أم يحتفل بك الأولاد، وأنا.. صرت رجلا يا أمي، لكن الطفل الذي تركته صغيرا لم يكبر... بقي في نفس العمر كما تركته.. ينتظر عودتك ليكبر معك ليكبر في ظلك...
بك الأولاد يحتفلون، وأنا.. رحيلك يقتلني، كلّ الأمهات أمي، ولا أمّ أمي... في هدايا الأطفال إلى أمهاتهم، أبحث عنك... في كلماتهم لأمهم، أبحث عني... لماذا عني غبت هكذا، أصارع حسراتي، وأطفئ جمراتي، طفلي صار أنا عندما غادرتِ انظر إليه فأراني حين الرحيل.. مستحيل..
عنك أطفالي يسألون، فلا أعرف ماذا لهم أقول... منذ ثلاثين عاماً، وأنا أبحث عن جواب..... وما زلت أبحث... عن الكرسي الذي كنت تجلسين عليه في ساحة الدار، والدالية التي تركتها يتيمة، تحتار، والتينة التي هجرتها معك البلابل، وسوار.. من عينيها تأتين، وترحلين، لماذا لا تبقين..
وصارت مرة العناقيد، حلوة تركتها يداك... يا أمي، على خطاك.. طال الزمان،.. وعتم المكان، وعدتني بالرجوع، وزخت عيناي بالدموع، أناجيك بخشوع، ولو للحظة أن تعودي... لتضعي حرير يدك على روحي...
في آذار، يجتاحني السؤال، بلا حوار، يجتاحني السؤال، عنك، مع الأزهار، على دمعي أغمض جفوني، أمعس حبات الدمع بعيوني، أخاف أن تسيل... ولا سبيل.. في كلّ عيد أم ما زلت انتظرك، أعرف أنك لن تعودي، وأنتظرك... أنتظر وشاح قلبك يلفني بلمسة حنان،
أجيبيني... واعذريني أجيبي الطفل بي، أجيبي صلاته، أمي.. أكتب إليك لأنني أعرف أنك تسمعينني مهما كان المكان...