تحديات " الطاولة المستديرة "

بقلم : كميل شحادة - الرّامة,
تاريخ النشر 03/04/2012 - 04:58:14 pm

أعتقد كثيرون سمعوا بالطاولة "المستديرة " שולחן עגול " وهي حركة اجتماعية تحت إسم آخر أيضًا هو" ضمانة "  " ערובה "  تضم من مختلف الفئات الاجتماعية ومن مختلف المذاهب والمشارب والقوميات والجهات .. أعضاؤها من الفئة المثقفة غالبا ، وهم نشيطون في المدة الأخيرة ، يعقدون الحوارات والمؤتمرات في جميع المناطق في البلاد وخارجها .. لا أدري عن المؤسس أو المؤسسين لهذه الحركة شيء .. لكني أعرف نشطاء فيها معرفة شخصية ، قبل انطلاق الحركة وتكونها ، حيث أصبح عدد المنتسبين إليها يتجاوز الثلا ثين ألفا – كما يعلنون – أما الفكرة الأساس لهذه الحركة فيستشف من اسمها ، كتعبير عن رغبة في التفاهم حول أشياء مشتركة ، حياة وقيم مشتركة ، من خلال الحوار وتبادل وجهات النظر .. يكون القصد في المحصلة إرساء مفاهيم إنسانية  تفرز واقعا حياتيا يلتقي عنده الجميع .. فهذه الحركة تعبر في الواقع عن حاجة عميقة ملحة للتغلب على مشاكل لم يستطع السياسيون تقديم حلول صادقة وشافية لها . إن لم نقل انهم هم (السياسيون) من يقف وراء تلك المشاكل ووراء تصديرها للناس  – أزمات ،غلاء ، قلاقل، فقر ، حروب، تلويث ، غياب عدل اجتماعي ومساواة بين مختلف  فئات المجتمع..إلخ لكن ليس من السهل أيضا على هذه الحركة ان تقدم حلولا ، بدءا من تفاهمات حقيقية ، وبدءا إزاء أعضائها هي أولا ، إذ ان الطاولة التي يتخذونها "مستديرة" ليست كذلك تماما ، بل فيها "نتوءات" وزوايا كثيرة على طول خط  قطرها ، هذا إذا ما أردنا ان نتحدث بجدية حول الموضوع ، وإذا اردنا وصف واقعنا انطلاقا من العمق  .. والسبب في ذلك ان مختلف الأعضاء المؤسسين والمشاركين ليسوا أبناء لحظة التفاهم ، بصورة مجردة وكل يحمل إرث قديم طويل عريض من مفاهيم وعادات ومعتقدات وتوجهات وأخلاقيات وعقليات ،هي من "الأصالة" بحيث يبدو من المستحيل تخطيها في سبيل الالتقاء لدى المضمون الحقيقي للنداء ، في حين تخطيها فعليا – من وجهة نظري – يقضي بضرورة تحطيمها جميعا وإزالتها من مجال شرطية التقييد بهواجس ومحركات ذلك الماضي، الذي يتكون منها داخل وعي كل منا منذ منذ  . فهي النتوءات والزوايا المنفرجة والحادة في  محيط الطاولة " المستديرة" فهل هذا مكننا ؟  هناك إمكانية واحدة للبدء بالسعي في ذلك بصورة سليمة ، تتمثل في تبني مشروع عرفاني تجاوزي، لا ينطلق من أي تراث عرقي أو قومي أو مذهبي وما إلى ذلك ، يهدف للكشف عن الواقع ، دون الرجوع لنماذج وتعاليم ومصطلحات ذات صلة خصوصية بماض ٍ "عريق" لأي شعب ولأية أمة بصورة خاصة .. إذ لا يمكننا العمل على تخطي حواجز الحاضر في سبيل الالتقاء حقا ، إلا انطلاقا من تخطي حواجز الماضي ، كضمير مستتر يقبع وراء كل ما نفكر ونعمل ،وهو مشحون بشتى الأحمال الثقيلة وجدانيا وعقليا .. من هنا لم أقبل الحل "الكبالي" من كبالا العبرية ، مثلا ، رغم محاولة منحه الصفة العلمية الحيادية من قبل بعض أعضاء الاحركة ، وعرضه بالتالي كحل شامل يصلح للبشرية جمعاء ،باعتبار ممثليه وعلماؤه ،كهنة الشعوب والأمم  وسياسهم وأأمتهم .. كما لا أقبل أي حل مقترح - للمدى القصير والبعيد - في إطار الحركة من منطلقات مشابهه، كالحل الإسلامي  أو المسيحي وسواه .. فكل من تلك القواعد التاريخية المقدسة، وكل من فروعها المذهبية ومن فروع  فروعها ، يحمل جميع "الحلول" الصالحة للدنيا والآخرة .. هكذا لا نقدم تفاهمات فضلا عن بدء سعي بحلول ،بل نقدم تجديد وتصدير لما مضى من مشاكل وأزمات ،إلى جانب تضييع الوقت والطاقة .. انه الأنا ذاته مرة أخرى  يخرج في صورة، في طريق جديد ، في مذهب ، في حركة ، في مفهوم ، في أفضلية . إلخ يقدم حلولا للعالم ، بينما مشاكل العالم في كون هذا الأنا قائمًا فيه دون حل .. العملية الوحيدة التي تسقط كل أشكال الأنا المتماهية مع ماض ٍ معين، مع رمز مع جهة مع شعار مع صفة محددة ، هي العرفانية التجاوزية ، فهي تجربة تحررية تماما، هدفها حقيقة الوجود ، دون تلبيسها صفات مذهبية جهوية شخصية ، تحت أية مزاعم وتأويلات .. هذا رغم ان المستنيرين تجدهم لدى الجميع لكنهم  قلائل جدا .. يجب تبني مسلكيتهم دون إدخالها في تنظيمات ودوائر وحزبيات ، لئلا تفرز مصالح واحتكارات ومحسوبيات وصراعات ومقدسات وتحجرات ولعنات ، كما جرى ويجري لدى الجميع ، بل تقدم نشاط عرفاني تثقيفي مجاني لا أكثر ، فالأزمة دائما في صلب كل أزمة تقريبا ،هي أزمة وعي ،يعاني عدم النظافة من رغبات المصلحة والأثرة ، فوق الجهل بنفسه ..

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>