ما معنى هذا المصطلح؟
انه قرارات أو أحكام أو تعاليم أو توصيات دينية مسلكية أخلاقية اجتماعية، تصدرها هيئة دينية، مجموعة من المشايخ الثقات التقاة، لتصبح مراسيم غير مكتوبة، تلزم أبناء الطائفة الدرزية.
وهي تشبه إلى حد ما الاجتهاد أو الفتاوى عند المسلمين أو قوانين كنسية أو פסקי הלכה أحكاما دينية عند اليهود.
أما الفروق بينها وبين خواطرنا، فهي:
ان الفتاوى يصدرها المفتي وهو خريج جامعة إسلامية أو معهد شريعة، وموظف رسمي من قبل الدولة.
والقانون الكنسي يصدر عن مجمو عة من المطارنة او القساوسة او البطاركة او عن الفاتيكان نفسه، وهم أيضا خريجو جامعات لاهوتية، وأصحاب مناصب معترف بها.
ويصدر الأحكام الدينية عند اليهود الرابي أو الحاخامية الرئيسية הרבנות הראשית. وهم خريجو معاهد دينية، وموظفون أيضا.
فمن الذي يصدر خواطر المشايخ عند الموحدين الدروز؟ ما هي مؤهلاتهم الدينية أو العلمية أو الثقافية أو الاجتماعية؟ من يعينهم؟ من يكلفهم؟ ما هي صلاحيتهم؟
هل يصدر الخواطر الرئيس الروحي؟ أو المجلس الديني الدرزي؟ أو مشايخ ثقات تقاة مستقلون؟ أو سواس الخلوات؟ أو المأذونون؟ أو علماء المذهب الدرزي؟
وهناك فرق آخر بين الخواطر من جهة وبين الفتاوى أو مقررات الكنيسة أو قرارات الحاخامين من جهة أخرى.
ان هذه الفتاوى أو المقررات قبل ان تصدر يعلن عن موضوعها، وانه قيد الدرس والبحث والتداول، ويتقدم مختصون من العلماء ورجال الدين باقتراحات ومداخلات، وتعقد جلسات تعرض فيها آراء، ويجري نقاش، ثم يؤخذ قرار.
وفي القرار تعرض المشكلة أو السؤال وسبب طرح المشكلة والغاية من بحثها، ثم تعرض البينات والدلائل وآراء الفقهاء والعلماء التي طرحت، استنادا إلى آيات وأحاديث وأقوال حكماء وأقوال مفسرين ومحدثين وإعمال السلف الصالح.
ويتضمن القرار أو الحكم أيضا الحلول والنتائج والبينات والدلائل العقلية والنقلية والفقهية والعلمية التي اعتمد الحكم عليها.
والفرق الثالث ان هذه الإحكام، غير الخواطر، تصدر وتنشر وتوقع وتؤرخ وتحفظ. وبعد صدورها، قد يدور حولها جدل ونقاش وحوار ونقد واخذ ورد، قد يؤدي إلى إعادة النظر فيها وصياغتها من جديد.
تقديرا مني لدور هذه الخواطر نويت ان اجمعها وأسجلها في الأرشيف الدرزي في جامعة حيفا، لتكون في متناول الباحثين والدارسين، لما لها من اثر فعال في حاضرنا ومستقبلنا. فلم أجد إلا القليل، ولم اعلم أين تسجل وتحفظ.
ان دراسة هذه الخواطر تعطينا فكرة عن تأثيرها ودورها على حياة الفرد الدرزي الروحاني والعلماني في كثير من المجالات. وكيفية هذا التأثير ومداه، وكيف يمكن توظيفه في المستقبل لضمان حياة أفضل للأجيال الدرزية الحاضرة والقادمة، في إسرائيل والعالم.
ومما وصل إلى حد علمي، فان من هذه الخواطر ما يدل على ان تمتع شيوخنا بوعي كاف لفهم متطلبات الحياة الشريفة السليمة، وبعد نظر، ورؤيا مستقبلية، وإحساس عميق بحاجات الناس، وقيادة حكيمة، وقدرة على الإقناع وجمع الكلمة.
بعض هذه الخواطر كانت جريئة وطلائعية ورائدة وثورية على مستوى العالم، نفتخر بها ونعتز، لأنها سبقت زمنها وسبقت العالم بحكمتها وتوقعاتها ونفاذها إلى عمق النفس البشرية، وحرصها على مصلحة الإنسان وكرامته. انطلاقا من فهم للواقع واستنادا إلى قاعدة دينية.
من أهمها:
منع إقامة الولائم وتناول الطعام في الجنازات. خطوة وفرت على الناس كثيرا من المال والتعب والعناء. وجعلت حضور الجنازة أجرا وثوابا، لا أكلا وشربا وتظاهرا. واليوم كثير من أفراد الطوائف الأخرى يرون فيها خيرا ويعملون على تقليدها.
والاهم، خاطر ارتقى إلى مصاف أرقى القوانين في أرقى البرلمانات في العالم، وهو تحريم التدخين. فقد سبقوا العالم في فهم مضاره الصحية والمالية والأخلاقية. واليوم تقوم الدول والمؤسسات العالمية بمحاربة التدخين، وتصرف الملايين لمنع المدخنين ومعالجة الإمراض النابعة عنه.
أتمنى ان تكون خواطر اليوم على هذا المستوى من التفكير وبعد النظر والمنفعة والعمق والتطلع إلى المستقبل. وان تكون عقلانية ومنفتحة ومواكبة للواقع وملائمة للعصر وواعية للتغيرات العالمية ومتفهمة لوضع الشباب.
أقول هذا لأنه ليست جميع الخواطر على هذا المستوى من الحكمة والفائدة. فهناك خواطر ربما كانت صالحة في حينها وأوانها، ولكن بسبب تغير الظروف عما كانت عليه، يفضل إعادة النظر فيها وفي مدى صلاحيتها وملاءمتها لأحوال اليوم.
ولا يخطر على بال احد، أنني ضد نظام أو مؤسسة الخواطر. بل أراه نظاما مفيدا ولازما، ولا بد منه للمحافظة على سنن الطائفة وكيانها ووحدتها. واعتبرها أداة ضرورية لوضع المعايير واستجابة لأوضاع متجددة وشؤون تشغل الناس ومشاكل تبحث عن حل وجواب.
ولكي يتسنى ان تكون خواطر اليوم على المستوى المرغوب، آمل ان تؤلف هيئة "خواطر مشايخ" معترف بها معروفة أعضاؤها، يمكن الرجوع إليها ومناقشتها وإبداء الرأي لديها. وان تضم هذه الهيئة إضافة لشيوخ ثقات تقاة، علمانيين علماء ومثقفين وشباب، لان هذه الخواطر تتعلق بالجميع، وتؤثر على الجميع. إذ لا يمكن ان نطالب إنسان بما لم نسأله ونستشيره. وأود ان يسمع أيضا رأي نساء متدينات ومثقفات، فليس الدين والعلم مقصورين على الرجال. ولا يمكن ان يكون نصف المجتمع بلا رأي ومشورة.
واتمنى أيضا على هذه الهيئة ان تخفف من الانشغال بأمور المرأة وان توجه نظرها إلى أمور مصيرية أخرى تنتظر إبداء الرأي فيها ومعالجتها.
العبد الفقير لله
أبو شعيب