تهويد العقول واللغة والنُّفوس البشريَّة

بقلم : أمين خير الدين - حرفيش,
تاريخ النشر 21/04/2012 - 10:49:53 pm



كثيرًا ما نسمع اصطلاحات تهويد الأرض، أو تهويد الجليل، أو النقب، أو تهويد الأرض المحتلة سنة 1967، ولا أحد ينتبه، أو يذكر تهويد اللغة العربية، أو اللسان العربي، أو العقل العربي أو النفس البشرية العربية عند العرب الفلسطينيين الذين يعيشون على أرضهم وفي بيوتهم، وداخل ما يسمى بالخط الأخضر.
قد تكون عملية تهويد اللسان، أو العقل أو النفس البشرية مدروسةً، وقد تكون صادرة عفوا عن النفوس التي تدافع عن جلاّدها بحماس وسعادة، كالدجاجة التي ترقص على ذبحها.
لستُ ضدّ اليهودية كدين، ولا ضد الشعب اليهودي كشعب، إنما أنا ضد السياسة التي تسعى لتمحو مميزاتي وخصوصياتي كشعب وكوجود وكإرادة، ضد الذين يسعدهم موتي، أو يرقيَّهم درجةً أو وساما أو جائزة قتلي، أو ضد من يصمني بالقاتل وأنا الضحية والقتيل معا، ضد من يصمني بالإرهابي وهو يذلّني في الحقوق وفي العمل، وعند الحواجز، وضد الذين لا تكفي مياه البحار والمحيطات ومعها جليد القطبين، مذابا، من تنظيف يديه من دمي المسفوح صباح مساء، وليل نهار، ومن دم أبناء شعبي، أطفالا ذاهبين إلى مدارسهم، أو شبابا إلى أعمالهم أو عجزة أو نساء أو رجالا أبرياء. ضد من يسعى لتهويد لغتي ولساني وعقلي ونفسي البشرية، حتى تتنكر إلى أصلها وإلى انتمائها وإلى أمّتها وشعبها ودينها.
إننا نشهد كل يوم ابتعادنا عن لغتنا، حتى صار كبارنا، ونساؤنا، وأطفالنا إذا ما تكلّموا مع بعضهم، يستعملون كلمات عبرية، كي يشرحوا أفكارهم، ورغباتهم، ويسيِّرون أعمالهم، لا أنكر أننا نتحمل بعض المسؤولية، ولا أنكر أن مرونة اللغة العبرية، تُيَسّر مثل هذا الابتعاد عن لغتنا العربية، لكن اللغة العربية تظلّ لغة الأمّ التي تحفظ لنا ميّزات وانتماء لا نستغني عنهما، وتظل اللغة الأمّ رمزا ومثلا أعلى، إذا ما تخلّى المرء عنهماـ تخلّى عن قيمة وطنية وأخلاقية لا تُعوّض.
ومما يُؤسف له أن الجيل الجديد، من شباب وفتيات، يتباهَون بكلماتهم العبرية في سياق حديثهم بالعربية، كالتباهي بالسيجارة، ضانين أن ذلك يكمل لهم شخصية ناقصة، أو يدعم لهم موقفا، أو يؤكّد صحة ما يقولون، أوحين تتكلم أمٌّ مع رضيعها أو ابنها الذي في الحضانة بكلمات عبرية، حين تريد منه أن يفهمها، والأكثر أسفا حين تمرّ في قرية عربية ترتفع فيها مئذنة أو أكثر، أو لا ترتفع، وترى معظم اللافتات والآرمات تفتقر لكلمة عربية.
ومما يؤسف له أيضا أنه عندما تدخل مجلس سلطة محلية في قرية من قرانا العربية ، المفروض أن تكون خط الدفاع عن وجودنا، وعن انتمائنا، تستقبلك اللافتات على جوانب أبواب غرف العاملين بكل مستوياتهم باللغة العبرية فقط، كأنّ هذه السلطة خطّ دفاع عن ضياعنا، لا عن وجودنا، وكأن انتماءنا لا يعنيها بشيء، وكأنها تتكلم لغة غير لغتنا.
من بديهي القيم الأخلاقية أن تخاطب الآخرين باللغة التي يتقنونها، لأن ذلك نوع من احترام الآخر، وأنا لا أقول أننا لا نتقن اللغة العبرية، وحتى إن كنّا نتقنها، فإن ذلك لا يبرر تجاهلنا للغتنا العربية، ويجب أن نعترف انه لا يزال بيننا من لا يتقن قراءة سطور اللغة العبرية وما بين حروفها أو وراءها. ولا أظن أن السلطة العامة قد تُصاب بنوبات هلع إذا استعملنا لغتنا العربية بجانب اللغة العبرية باعتبارها لغة الدولة، مع إدراكي التام إلى لهفتها وتشوقها إلى ابتعادنا عن كل ما يثبت انتماءنا، من ارض، أو لغة، أو تواصل.
لا أقول أن لغتنا في خطر، وأوافق صديقنا البروفسور سليمان جبران، برؤيته الأكاديمية العميقة ، أن لغتنا في أزمة، لكن هذه المرة أزمتها أخطر مما كانت عليه في الخمسينات من القرن الماضي، لأننا حينه لم تكن اللغة العبرية تسابق لغتنا أو تزاحمها على ألسنتنا، ولم تكن ألسنتنا طيّعة للغة العبرية كما هي اليوم عليه، وكان الجرح والحسّ الوطني قويا آنذاك عند القيادات الوطنية محركا للحفاظ على هذه اللغة، وأوافقه أيضا على أننا نحمل نصيبا من المسؤولية، لأن السلطة التي تحلم بأن ننسى لغتنا، لا نتوقع منها أكثر من رغبتها في اختفاء هذه اللغة، لكن الذي في أزمة لا ندرك أبعادها أو مخاطرها هو نحن، لأن مثل هذه الظواهر إن دلّت على شيء، فتدلّ على تحول في التفكير وفي النفوس وفي العقول، ولأنه وعلى سبيل المثال، وأنا لستُ متدينا، لكن هذا لا يمنعني أن أتساءل، كيف سنقرأ كتب ديننا إذا لم نتقن اللغة التي كُتِب بها هذا الدين أو ذاك؟؟ كيف يمكن أن نقرأ اللغة الصحيحة في القرآن، ونحن لا نجيد قواعد وأصول اللغة العربية، هل نحفظ القرآن بلغة غير صحيحة؟؟ هل نقرا الكتب الدينية الأخرى بلغة غير صحيحة؟ أندرك ما نتيجة قراءة هذه الكتب خطأ؟؟
الكلمة معنى قبل كونها حروفا فقط، والقراءة الخطأ تفقد الكلمات معانيها.
السلطة العامة مسؤولة عن ضياع اللغة، لأنها تساهم في ضياعها حين تقلّص مواضيع اللغة من أدب وقواعد وتاريخ.
المسؤولون في السلطات المحلية، وخاصة عن أقسام الثقافة، مُحاسبين عن تجاهل اللغة العربية وجهل ألوانها شعرا ونثرا و تاريخا وتراثا ودينا. لماذا لا تصدر السلطة المحلية نظاما داخليا لها، تحتّم على أصحاب المحلات، بكلّ أنواعها، وفي كل المرافق، استعمال اللغة العربية إلى جانب اللغة العبرية.
المدراء في المدارس مسئولون، عليهم أولا امتلاك اللغة والتمكن منها وإتقانها، ليكونوا قدوة ومثلا لطلابهم، ليستطيعوا إعطاءهم إيّاها سليمة صحيحة، وإلا انطبق عليهم القول "فاقد الشيء لا يعطيه" وأن لا يكونوا كما نرى بعضهم يذبحون اللغة على منصّات الخطابة، في المآتم خاصة، قد يخطئ اكبر الخطباء بكلمة هنا أو هناك، حين يباغته لسانُه أو سَهْوُهُ، لكن أن يرفع مدير مدرسة، وثانوية، اسما بحرف جر، يجرّ جملا، أو ينصبه، وأن يقلب الفاعل مفعولا، والمفعول فاعلا، ناهيك عما يصيب الحال من حالة يُرثى لها، أو النعت أو المستثنى أو المنادى، كمن ينصب مشنقة ليعلق عليها لغة لا يتقنها، ويريد لو يتخلّص منها.
المعلمون مسؤولون، عليهم في كل مواضيع تدريسهم التي لم تخضع للتغييرات الالكترونية الحديثة والعصرية، عدا العبرية، أن يتكلموا مع طلابهم بلغة الأم وهي العربية، وألاّ يخلطوا كلامهم بكلمات عبرية وعربية.
عندها نضمن لأنفسنا، بقدر المستطاع، نقاء لغتنا وعقولنا وأفكارنا ونفوسنا ونضمن أيضا عدم تهويد هذه العقول والأفكار والنفوس، ونضمن البقاء والنقاء والانتماء واحترام العدو قبل والصديق.

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.مثقفحضرة الكاتب أمين خير الدين المحترم . اني أوافقك الرأي بأن لغتنا العربية تتعرض لأكبر هجمة تهدد كيانها وتعرض الناطقين بها الى فقدان هويتهم وأصولهم العرقية وهذه الهجمة أخطر من كل ما يتعرض له أبناء الشعب العربي في هذه الدولة من انتهاكات لحقوقهم وتمييز مجحف . سلمت على كل ما جال به قلمك من توضيح لهذا الخطر الذي يهددنا جميعا .22/04/2012 - 04:02:48 am
2.ישראליכישראלי בן העדה הדרוזית, מתוך דאגה כינה לחיים נכונים במדינה שלי אני סולד מכתביך המהולים בסרחון פוליטי וגזעני כאחד , אני ורבים כמוני מבני העדה מדברים גם ערבית וגם עברית ואין אנו פוגעים בזהותינו או בהיותינו דרוזים . חוץ מזה כנראה שאתה לא קראת אף פעם אודות יחסי מעוט רוב ביתר מדינות העולם . אני לא ממליץ לאף דרוזי לקבל את דבריך והטפת המוסר שלך אין היא אלא זריעת חול בעיני המתבונן22/04/2012 - 11:41:13 am
3.ראאתה גדול ןתמשיך להיות כך.23/04/2012 - 07:48:27 am
4.عليميا اخ امين اوافقك على اغلب ما جاء في في مقالك القيم,ولكن لماذا تتهم اليهود والسياسه الاسرائيلية بذلك اي بتهويد اللغة؟عندما تشير بأصبع الاتهام على غيرك لا تنسى ان هناك ثلاثة اصابع تشير اليك.لماذا لا تكتب عن المسلسلات التركية المدبلجة والتى تهدف الى تتركة العرب من جديد؟ ومن يترجم هذه المسلسلات اليهود ام العرب "الاقحاح" في سوريا ولبنان؟ ولماذا لا تكتب عن المسلسلات الهندية المدبلجة باللعة العربية؟ هل يهدف الهندوس والبوذيون "بوذنة العرب او هندستهم"؟لا تكن يا أخ أمين كباقي العرب الذين يتهمون اليهود واسرائيل والموساد والشباك بكل شيء. تكلم ما تشاء واكتب ما تشاء وان العالم اليوم ما هو ْالا قرية صغيرة تتعلم الناس من بعضها وتتاْثر الشعوب من الحضارات واللغات المختلفة,وان هناك مصطلحات اجنبية لا بد من استعمالها كيف هي.وان تفحص نفسك تلقى انك ايضا"تستعمل تلك الاصطلاحات الغربية والعبرية وانني اعلم وانت تعلم ان اكثر الناس تكلما" لللغة العبرية في الوسط غير اليهودي في البلاد هم في عقار بيتك وقريتك.בסדר!26/09/2012 - 01:09:20 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2387
//echo 111; ?>