حلف الحياة المُشتركة
منذ تسلمي لعضوية الكنيست مجدّدًا منذ حوالي شهرين، وضعت نصب عينيّ هدف متابعة ومعالجة كل القضايا التي تهمّ مجتمعنا على جميع المستويات، وعلى رأسها قضية الأرض وقسائم البناء للأزواج الشابة والخرائط الهيكلية في بلداتنا وكذلك قضية العمل والتشغيل وسواها من القضايا المهمة. لقد كانت هذه القضايا الملحة على رأس سلّم أولوياتي على الدوام، ليس فقط كعضو كنيست، بل وكناشط وقيادي ومواطن عادي في المجتمع أيضًا.
أشكر الأخ العزيز الكاتب هادي زاهر على رسالته إليّ، التي كتبها على شكل مقال نشره في بعض المواقع الإلكترونية والصحف. وإن كنتُ لا أوافقه الرأي بخصوص بعض الأمور، إلّا أنني أومن بأهم مبدأ في النظام الديمقراطي، ألا وهو المبدأ القائل: "مع أنني لا أوافقك الرأي، لكنني من أشدّ المدافعين عن حقّك في التعبير عنه".
واسمح لي أيها الأخ زاهر أن أبدأ من حيث انتهيتَ أنتَ في مقالك المذكور. فقد كتبتَ عن رسالتي الاحتجاجية إلى وزير الدفاع ايهود براك على التصرف العنصري بحقّ الجنود الدروز والبدو في قاعدة "محانيه 80" عشية عيد الفصح اليهودي ما يلي: "صورت بعض وسائل الإعلام رسالتك وكأنها عمل بطولي قل مثيله.. وهي في حقيقة الأمر فعالية لا بأس بها، نأمل أن تهز لهم الرسن، ولكن ماذا عن قضايانا الجوهرية؟ الأرض..الأرض.. إن كل نضال لا يشمل الدفاع المستميت عن الأرض هو نضال ناقص".
إنّنا نجيبك أوّلاً أننا لم نغفل أبدًا قضية الأرض، وعملنا ونعمل لما فيه صالح الناس في هذا المجال الحيوي، ونحن نضع نصب أعيننا المصالح العامة وفي نفس الوقت لا نغفل عن حلّ القضايا الخاصة العالقة للناس، فإنّ كل مجتمع في نهاية المطاف هو مجموعة من الأفراد، وأي حلّ يتوفّر حتى لفرد واحد في المجتمع فإنّه سينسحب على الآخرين، وهكذا يستفيد الجميع. وسنكون دومًا في طليعة المناضلين من أجل الحفاظ على أرضنا في كل وقت وبكل الطرق المتاحة، بالتعاون مع الشعب وفي خدمة الشعب. إذ لا توجد حلول سحرية، بدون تخطيط وبدون تعاون من الجميع ووفقًا للقوانين والنظم المعمول بها. ويعرف القاصي والداني أننا جاهزون على الدوام للمساعدة بكل ما نملك من إمكانيات.
ثانيًا، وبخصوص الرسالة المذكورة إلى وزير الدفاع براك، فلتعلم أنه في أعقابها تمت تنحية الضابطة المسؤولة عن هذا الحادث العنصري المُخجِل في "محانيه 80". وفي هذا فائدة لأبنائنا الجنود – الذين قد يكون بعضهم أقاربك أو جيرانك ومعارفك – وللمجتمع ككُلّ في نبذ كل تصرّف عنصري ووأده وهو في المهد. ومن واجبنا أن نكون يقظين إزاء مثل هذه الأمور. إن الدول الديمقراطية ليست محصّنة بطبيعتها أمام مظاهر العنصرية والفاشيّة، ولكن حرية التعبير والاحتجاج المكفولة للجميع هي التي تقف حاجزًا أمام نموّ واستفحال المظاهر العنصرية. ونحمد الله تعالى أننا نعيش في دولة ديمقراطية.
ثالثًا، لا أوافقك في مغزى مقالك بشكل عام. إنّ هذا التصرف العنصري هو شاذ فعلاً في جيش الدفاع على حد علمي، وأنا على استعداد للاهتمام بكل حادثة أخرى مماثلة فور علمي بها. ثم إننا نعتبر أنفسنا جزءًا لا يتجزّأ من دولة اسرائيل، ولا نتعامل معها بطريقة التفكير التي تعتمدها حضرتك وهذا من حقّك الذي تكفله حرية التعبير والتفكير. في هذه الدولة علينا واجبات ولنا حقوق، وكما في كل الدول الديمقراطية فعلينا أن نتقن المطالبة ببعض هذه الحقوق التي تُؤخَذ ولا تُعطى إذا لم نطالبْ بها بشكل سليم.
لا أحد يستطيع إنكار هامش الديمقراطية الرحب الذي يتمتع به المواطنون في اسرائيل. لا أحد يستطيع إنكار وجود قيَم ونُظُم وقوانين تحمي حقوق الإنسان في دولة اسرائيل. لا أحد يستطيع إنكار أننا جميعًا على متن سفينة واحدة، الشعب اليهودي إلى جانب الشعب العربي بجميع طوائفه. وكما تعلم فإن غالبية أبناء الطائفة المعروفية الدرزية يفخرون بانتمائهم للدولة، كما يفعل عدد كبير من أبناء الطوائف الأخرى. وحتى أولئك الذين تجدهم ينتقدون السياسات الحكومية ليل نهار – وهذا من حقّهم الديمقراطي – تجدهم لا يستطيعون مجرّد تخيّل العيش في دولة أخرى غير ديمقراطية. إن هذا الحلف بين مواطني الدولة الواحدة هو الطريق الصحيح والذي ينبغي علينا التمسك به والحفاظ عليه. إنه ذات الحلف الذي يجمع طائفتنا بالدولة، يسمّيه البعض "حلف الدم"، فليكُن.. ولكنّه حلف الحياة المشتركة أيضًا.
ولا أجد أنسب من هذا الكلام أيضًا مع اقتراب حلول يوم استقلال إسرائيل الـ 64. إننا نفخر بانتمائنا لدولتنا. نرفع رأسنا بديمقراطيتها وقيمها الإنسانية والحضارية رغم كل الأخطاء التي قد تحدث. وليكن يوم استقلال سعيدًا للجميع.
ويتزامن يوم الاستقلال هذا العام مع زيارة سيدنا النبي شعيب عليه السلام، وبهذه المناسبة أتمنى للجميع عيدًا سعيدًا وزيارة مقبولة، أعادها الله علينا وقد حصَّلنا كل حقوقنا وعمّ السلام والاستقرار ربوع منطقتنا، وأنعم الله على الجميع بالسعادة والصحة والعافية.
جاء في هذا السّياق :