من بلدة بعقلين في جبال الشوف العامرة ، وبين بيته المبارك وخلوته الزاهرة في منطقة رأس الذيب بجانب البلدة ، بعيداً عن الناس ، وفي قلوب الشيوخ الأطهار وعقولهم وضمائرهم ، عاش سيدنا الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين عمره الذي أمضاه في الطهارة والعفة والتفاني بالعبودية لله عزّ وجل ، وحمل المسؤولية وهموم الطائفة المسلمة التوحيدية الروحية والزمنية . حيث كانت تتجه أفكار الموحدين إلى هناك لعلها تسمع كلمة ً واحدة ً أو خبرا ً مؤكدا ً عن خاطر ٍ شريف ، أو عبارة ً واحدة ً تلفظ بها هذا الرئبال الشامخ في عرينه لتقطع المسافات بسرعة مذهلة وتجتاز الحدود رغم الحواجز المصطنعة المأساوية فتدخل إلى صميم القلوب لتُحرك مشاعر المؤمنين المعروفيين العرب من جبل السماق في بلاد حلب إلى جبل العرب وجبل الشيخ وجبال الجليل والكر مل . هذا الإجماع الروحي جاء نتيجة المواقف المشرفة والخواطر الطاهرة والعقل الرزين والشجاعة الفائقة التي تميز بها شيخنا الجواد الطاهر الجليل ،الذي شبهه الكثيرون بالأسد لشدة وقاره وشجاعته .
وقد حدّث أحد الرجال الأشداء بأنه لم يخف في حياته إلا عندما التقى الشيخ أبا محمد جواد ، ولكنه عند حديثه ألطف من الزهرة الرقيقة وقلبه أرق من النسيم العليل في الرأفة على إخوانه ، ودمعته غزيرة عند سماع الوعظ ، وتلاوته للآيات الكريمة في كتاب الله العزيز . فهذه صفات الأتقياء الأنقياء الأجلاء الأولياء الأوفياء البررة الأطهار الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز " ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " (صدق الله العظيم )
سيدنا الشيخ أبو محمد جواد من مواليد سنة 1916 ومنذ بداية شبابه عُرف عنه الورع والتقوى والطهارة والشجاعة وسدادة الرأي والحكمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان يتخذ المواقف الشجاعة الحاسمة والمشرفة في الأوقات الحرجة من غير تردد ولا مداراة لأحد من الخلق لأنه لا يخشى في الله لومه لائم .
في سنة 1982 عندما احتلت إسرائيل لبنان برز دوره المميز في التصدي للمحتل وعملائه ، حتى أنه لم يتردد في حمل السلاح في الأوقات الحرجة دفاعا ً عن الدين والأرض والعرض والكرامة وكان يخاطب الشباب ويقول لهم (من تعدى ليس منا ، ومن لم يرد التعدي ليس منا ) وكان لإرشاداته الحكيمة ولراياته الحميدة ولمواقفه الثابتة الرزينة أثر كبير في النصر والتوفيق .
في سنة 1983 تبارك الجولان العربي السوري المحتل بزيارة سيدنا الشيخ أبو محمد جواد وكان يوما ً مشهودا ً حيث استُقبل في ساحة مجدل شمس في عرس وطني كبير وقام أحرار الجولان في كافة القرى باستقباله استقبال الأبطال ، وكان دائما ً يثني على أهل الجولان وعلى مواقفهم الوطنية المشرفة .
وفي الخامس من أذار سنة 1988 تتوج سيدنا الشيخ بالعمامة المكورة (المكلوسه ) وهي أعلى رتبة روحية توحيدية ، وكان ذلك على يد سيدنا المرحوم الشيخ أبو حسن عارف حلاوة .
في سنة 2006 قام سيدنا الشيخ أبو محمد جواد بتتويج الشيخين الجليلين بالعمامة المكورة وهما شيخنا الشيخ أبو سعيد أمين أبو غنام من عرمون وشيخنا الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ من شارون فابتهج الموحدون واعتبروها خطوة مباركة وموفقة .
سيدنا الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين يُعتبر المرجع التوحيدي الروحي الأول في هذا الشرق وذلك بإجماع شيوخنا الأطهار الأفاضل من سوريا وفلسطين ولبنان، وبرحيلة تكون قد فقدت الطائفة المعروفية ركنها التوحيدي الروحي الأول الذي يعتبر سيد الجزيرة والدرة التوحيدية الفريدة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. إنا لله وإنا اليه راجعون .
لبنان يا موطن الأبطال ومعقل الشرفاء والأمراء...
لبنان يا نبع الصفا ويا مرجع الأسياد والأمجاد ...
لبنان يا أرض الوفا ويا جبال العز ، والأرز إذا انحنى لا ينكسر ويعود شامخا ً نحو السماء ...
لبنان يا بلد الأمير (قُدس سره ) ويا موطن الشيخ الفاضل (ر) المتعبد في الخفاء ...
لبنان يا بياضه التوحيد ، كم نهلوا العلم منكِ أسيادٌ غدوا نبراسا ً لنا في الدين والعلم والوفاء ...
لبنان يا حاضن شيوخ العصر من الرعيل الأول وعلى رأسهم فقيدنا الكبير الراحل سيدنا الشيخ أبو محمد جواد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
وقد قال فيه الشيخ نسيب فرحات هذه الأبيات الشعرية :
لنحو الشوف أعيننا تميل ورأس الذيب شيخهم جليل
جواد الدين للإخوان ذخرٌ وللإرشاد ماءٌ سلسبيل
شيخ العشيرة في بعقلين نورٌ وفي الظلمات يهدينا السبيل
تزين الجولان فيه إذ حللتم تبدل ليلها يوماً فضيل
فإن شعري عاجز عن مكرمات فلا تُحصى وإن حصف الدليل
أناجي الربع والأشواق تكوي وأبقى حائراً دمعي يسيل
عسى أحظى بعطف منه نحوي فإن فقير الحال عنكم لا يميل