الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين الذي توفي بالامس ولد في بلدة بعقلين التي كانت حين الاحتلال التركي قرية درزية مهمة وسط جبال الشوف ، بها نشأ الكثير من القادة العظام من الطائفة الدرزية وتشرفت بمعرفة قحطان بيك حمادة رحمه الله والذي في عام 1956 انتخب للبرلمان باصوات أكثر من كمال جنبلاط, وقام بزيارتي في وقت لاحق بدالية الكرمل, وعرفت ايظا مروان حمادة حيث يعتبر اليوم واحدة من أنجح الشخصيات السياسية بين الدروز شغل منصب وزير بوزارات مختلفة في الحكومة اللبنانية, وشخصيات هامة أخرى.
التقيت الشيخ الراحل خلال حرب لبنان الأولى عندما كنت الضابط الدرزي الوحيد الذين خدم في هذه المنطقة, ومنذ اليوم الأول للحرب طُلب مني أن اتواصل مع القيادة الدرزية ووجهوني إلى الفقيد الراحل وأنا لم انسى أن اسأل كم عدد عائلة ولاء الدين (مثل إسرائيل)،فقيل لي بعض المنازل القليله بالمقارنة مع الأسر الأخرى المكونة من عشرات الآلاف من الأقارب, فتمنيت سرا ان يحدث هنا في إسرائيل ان تكون القيادة بحسب الكفائة وليس بكبر العائلة. وصلت الى منزله, وحتى ذلك الوقت لم يكن أحد يعرف عنه في اسرائيل ولا أحد يعرف شيء عن منطقة الشوف وانا ايظا لم اعرف. وصلني من قبل الكتائب معلومات خاطئة انه يتجولوا ويعيشوا هنا فقط الإرهابيين, لكن اتضح لي شخصيا انها منطقة الدروز ولم يكن هناك حاجة بطلقة واحدة ولم يكن من الضروري اطلاق النار عند دخولنا . وقفت في مركز بعقلين وجميع السكان كانوا في منازلهم, كانوا خائفين الخروج من منازلهم, نظرت إلى أعلى ورأيت رؤوس الناس الفضوليين الذين تحدثت معهم عن بعد، وهدأتهم. بعد أن وثقو بي انني درزي وجهوني الى بيت الفقيد الشيخ أبو محمد جواد . وصلت إلى المنزل وجدت غرفتين متواضعتين فطرقت الباب وخرجت امرأة مغطاة بلباس ديني, لا يضهر سوى العينين من خلال الحجاب, أدركت في وقت لاحق ان الفقيد تزوجها روحيا. سألتها عن الشيخ، وقالت: أنه في الكرم سألت كيف اصل اليه وشرحت لي. أخذت المرافقين معي بالجيب وسافرنا ثلاثة كيلومتر الى الكرم وكل الطريقه تسائلت كيف يمكن في وضع الحرب في بيوتهم وهو في الكرم بدون خوف. وصلت إلى الكرم حيث كان الشيخ فى الكوخ يصلي. وقفت عن بعد واوقفت المرافقين بالجيب وانتظرت أن يكمل الصلاة . بعد بضع دقائق انهى الفقيد الصلاة واقترب منا فتحدثت معه باللغة العربية. في البداية لم يصدق أنه بالجيش الإسرائيلي دروز ولكن بعد حلفت اليمين الدرزي وعندما رأى التحويطة الدرزية على رقبتي من والدتي لم يبقى أي شكوك للفقيد الراحل. من تلك اللحظة أصبحت أحد المقربين له خصوصا في ضوء الوضع الأمني الصعب الذي عاشوه الدروز في لبنان.لن أنسى أبدا أول لقاء كبير بينه وبين مسؤلي جيش الدفاع بقرية دير القمر المسيحية المارونية بمشاركة النائب المسيحي الماروني ديب جورج, وما مدى الشرف والثناء والاحترام الذي قابلوه به المسيحيين. لا انسى كل الإعانات الاستغاثية التي تدفقت من الدروز بكل مكان حين الازمة والحرب مع الكتائب. في وقت متأخر وضعني في الأسرار الأكثر أهمية للطائفة الدرزية في لبنان وكان لي شرف عظيم لتوصيل معونات واحتياجات للطائفة حيث افضل عدم الاباحة بتفاصيلها والتي اوصلتني لاستقبالي في الخلوات من المشايخ الاجلال بصدور رحبة كالشيخ أبو حسن صالح العنداري من قرية العبيدية والمرحوم الشيخ ابو حسن عارف حلاوة وغيرهم . لقد ساعدت إخواني في نضالهم ضد الكتائب لأن إسرائيل ارتكبت خطأ بالاعتماد أو دعم الكتائب وخاصة ضد الدروز التي أعتقدت أنه عاجلا أو آجلا الكتائب سيخونوا الجيش الاسرائيلي وحدث ذلك. لن أنسى أبدا الراحل بشير الجميل الرئيس المنتخب في لبنان خلال الحرب يقول بوجود كل القيادة الدرزية ببيت الأمير امير مجيد ارسلان رحمه الله وبحضور السيدة خولة جنبلاط عندما نظر الي قائلا اخ١ت كل شئ بالحسبان بطريقي للاستيلاء على لبنان ما عدا الدروز الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي .استمريت بمساعدة للدروز في جبال الشوف وتواصلت يوميا مع الشيخ وتقريبا في كل جولة أو رحلة كنت هناك لم اسمح له الذهاب إلى أي مكان دون حماية, مرتين أصبت بجروح بالغة حتى أمرت أن لا اتجول في جبال الشوف لأن الكتائب اشتكوا علي رفاق آخرين من الدروز الاسرائيلين اللذين كانوا في تلك المنطقة. في الوقت نفسه تحدثت مع الشيخ الراحل وقال لي انه يريد زيارة إسرائيل على الرغم من الضغوط لعدم القيام بهذه الزيارة من سوريا, وقال اذا زرت اسرائيل فسازورك شخصيا لأنك تستحق أكثر من ذلك. بعد الاصابة وسقوط شقيقي في لبنان فضلت عدم الاستمرار واستقلت من الجيش بسبب المعاملة والخلاف بين الدروز وشارون.
وكان قد تمت ترتيبات زيارة الشيخ إلى مقام النبي شعيب عليه السلام والجولان ولكن في النهاية عندما التقى بي بمقام النبي شعيب عليه السلام, قلت له انه وعد وواجب وفي الوعود فقال لمرافقيه قائلا يجب وفي الوعد وقرر على مسار جديد به سيزور الشيخ أمين طريف رحمه الله في جولس ثم دالية الكرمل على الرغم من أن رجال الدين من دالية الكرمل كانوا قد غادروا مقام النبي شعيب عليه السلام دون أن يعرفوا عن تغيير المسار. رافقت الشيخ بسيارة المرسيدس الزرقاء التي قادها الشيخ أبو أحمد طاهر أبو صالح الذي أصبح فيما بعد الزعيم الروحي لدروز الجولان وجلس من الخلف الشيخ الراحل ابو احمد جواد والشيخ علم الدين أبو صالح رحمه الله, ووراءنا سافروا بالسيارة الشيوخ سليمان مصطفى وشقيقه ومشايخ الذين علموا بتغيير مسار الزيارة. لن أنسى الزيارة بيركا عندما طلبت منه زيارة الشيخ جبر معدي ببيته لانه كان مريض ولم يستطيع التواجد مع باقي سكان القرية في الخلوة, ومن هناك سافرنا إلى دالية الكرمل وكل سكان البلدة انتظروا ببيت الشعب ولكن الشيوخ طلبوا الاجتماع بمقام سيدنا أبو إبراهيم موقع مقدس، وأنا كنت في مازق لأني لم اتواجد في البلد فترة طويلة ولم أكن أعرف كيف العادات باستقبال المشايخ الجليلة, فجأة وكأنه هدية من السماء ضهر الشيخ أبو مسعود هاني نصرالدين بمدخل دالية الكرمل اوقفت السيارة وخرجت منها وطلبت من الشيخ أن يدخل وان الشيخ ابو محمد جواد بالسيارة. فصفعني صفعة محبة وقال انه عاد الآن من مقام النبي شعيب وان الشيخ سافر إلى الجولان, قلت له ان الشيخ كان قد وعدني وقرر زيارة دالية الكرمل, نظر في السيارة صعد معنا وذهبنا إلى مقام سيدنا ابو إبراهيم, بدانا بالترتيبات والناس سمعت عن وجود الشيخ بالمقتم وبدات التوافد الى المكان , وجميع الناس الذين كانوا في بيت الشعب باتظاره بعد ان اعتقدوا انه سياتي لبيت الشعب, امر الذي خلق الجدل والذي تم تصفيته في وقت لاحق. بعد مغادرة الشيخ للمقام مر الى بيتي شرب الماء فقط كي لا يتعرض لانتقادات الرأي العام ضده دعا لي مع رجال الدين الذين رافقوه، واستمر في طريقه, وقد حثني من أجل العودة إلى جبال الشوف ومساعدة الدروز وعند تعيين موشيه ارينز وزيرا للدفاع بعد الاطاحة بشارون وبتلائم مع توصيات لجنة كاهان غيرت اسرائيل سياستها تجاه الدروز, يرجع ذلك ايظا للقاءات سرية عقدها الشيخ في هذا الصدد منذ ذلك الحين كان الشيخ على اتصال دائم معي من خلال جهات مختلفة ودعى لي عن بعد.