في مسألتين اساسيتين نشجع على الفصل الطائفي في المدينة، في الجهاز التعليمي، وفي التمثيل البلدي، واذا لم نسارع كلنا، الى وقف هذا التدهور فلن نفاجئ اذا ما احيت شفاعمرو، العيد المئوي لتأسيس مجلسها البلدي، على خرائبها
لا يمكن المرور مر الكرام على أعمال العنف والاشتباكات والاعتداءات على الارواح والأملاك، التي شهدتها مدينة شفاعمرو، ليليتي السبت/ الاحد، والثلاثاء/ الاربعاء، من هذا الاسبوع. فلقد اخطأنا الظن حين اعتقدنا ان النبرة الطائفية والعنصرية تدب في أرجاء المدينة، في فترة الانتخابات البلدية فحسب، ثم لا تلبث المياه ان تعود الى مجاريها، وتعود اواصر التعايش والمحبة، التي عهدناها. ويبدو أننا كنا غائبين عما في داخل نفوس البعض حين بهرنا المظهر الخارجي الخادع لمفهوم المحبة الذي نتغنى به في ما يسمى "زيارات التهاني في الاعياد"، واذ بنا نفاجئ بأن الكراهية في نفوس نفر منا لا تعرف الحدود، وانه يمكن لأي مخبول ان يحرق هذه المدينة بعود ثقاب واحد.
عود الثقاب هذا تمثل في احداث شفاعمرو في عملين أخرقين اقدم عليهما اناس لا يمكن وصفهم الا بالمجرمين، معدومي الاخلاق والتربية والضمير، لكنهما كشفا عمق المأساة التي تتهدد مستقبل شفاعمرو، خاصة وأن أيادي خفية تظهر في الظلام فقط، وتغذيها عناصر تخريبية من خارج شفاعمرو، وجدت في هذه الاعمال سلما تتسلق عليه لتمزيق النسيج الاجتماعي الذي نحاول الحفاظ عليه، ولو ظاهريا.
ليس خفيا ان المحرك لاعمال العنف والاعتداءات التي شهدتها شفاعمرو، ليلة الاربعاء، يمكن ان يكون من خارج شفاعمرو، لان شبكة الانترنت ليست محصورة على الشفاعمريين، ويمكن لكل حقير وعديم اخلاق نشر ما يشاء على الشبكة ونسبه الى الشفاعمريين، والتسبب، في ظل اجواء مشحونة، كتلك التي شهدتها شفاعمرو منذ مساء السبت الماضي، باحراق المدينة بأكملها.
وليس خفيا ان اعمال العنف التي اندلعت مساء السبت، جاءت بعد مشهد الوحدة الشعبية العارمة الذي شهدته المدينة صباح اليوم ذاته في التظاهرة الكبيرة للشفاعمريين تنديدا بتقديم لوائح اتهام ضد 12 شابا من ابناء الطوائف الثلاث في قضية مقتل السفاح عيدن نتان زادة منفذ مجزرة آب 2005 في شفاعمرو.
لكننا لن نذهب بعيدا في التحليلات والتخمينات، انما يجب ان نقول كلمة واضحة ومباشرة، ليس لابناء الطائفتين المسيحية والدرزية فحسب، بل لكل شفاعمري، وهي انه في المكان الذي نربي فيه على الطائفية، حتى وان لم يكن الامر مقصودا، يمكن لأي مخبول احراق بلد بأكملها بعود ثقاب واحد، ولن تتمكن كل بحار العالم وكل كلمات الحكماء واصحاب النوايا الحسنة من اخماد لهيبها.
ولماذا اقول نربي على الطائفية، لاننا في مسألتين اساسيتين نشجع على الفصل الطائفي في المدينة، في الجهاز التعليمي، وفي التمثيل البلدي.
في الماضي، كنا لا نفرق بين الطالب المسيحي او الدرزي او المسلم، لاننا كنا نتعلم في مدارس مشتركة، نتجاور على مقاعد الدراسة، نتقاسم رغيف الخبز، نتبادل الزيارات ولا نسمح لأي عنصر خارجي بالتدخل في اي شأن شفاعمري. اما اليوم، وبفضل قرارات غير حكيمة اتخذتها ادارات سابقة للبلدية والمعارف، فقد تم ترسيخ الفصل الطائفي باقامة مدارس منفصلة لكل طائفة وطائفة، باستثناء يكاد لا يحتسب يتمثل في التحاق عدد قليل من طلاب الطوائف الاخرى الى هذه المدرسة او تلك. هذه المسألة تعتبر بالغة الاهمية في التربية على التعايش والمحبة والتآخي الطائفي، واذا تواصل الوضع كما هو عليه، فسيتعمق الفصل الطائفي والتباعد بين ابناء المدينة، وبعد عدة اعوام، قد نضطر الى البحث بقنديل عن علاقات صداقة تجمع بين ابناء الطوائف الثلاث، كذاك الذي يبحث عن ابرة في كومة قش.
المسألة الثانية تنعكس في التمثيل الطائفي في المجلس البلدي، وبالاحرى في القوائم التي تخوض الانتخابات على اسس طائفية، تتصارع بينها وتدخل في صراعات طائفية كما لو كانت المعركة تدور حول كنز. لقد حذرنا مرارا من الشكل الطائفي للمعركة الانتخابية، وتمسك اهلنا في شفاعمرو بالتمثيل في المجلس البلدي على أساس طائفي. ولكن لا حياة لمن تنادي. وما حدث في شفاعمرو، الآن بالذات، بعد الانتخابات الاخيرة يؤكد خطورة استمرار النهج الطائفي في العمل البلدي. يجب ان يفهم الجميع ان شفاعمرو للجميع، ليست لهذه الطائفة او تلك، ولا فضل لمسلم على مسيحي او درزي، وبالعكس، كل الشفاعمريين سواسية، وكلهم مطالبون اليوم، بالخروج يدا واحدة، وصوتا موحدا ضد كل اعمال العنف والتخريب التي شهدتها المدينة، وان يقفوا صفا منيعا امام كل محاولة للتدخل الخارجي بهدف تخريب وتمزيق النسيج الاجتماعي الخاص.
مسألة اخرى لا بد من الاشارة اليها بألم، لقد افاد شهود عيان ان مجموعات مسلحة من اخوتنا الدروز وصلت من قرى اخرى، تحت "ستار" مساندة اهلهم في شفاعمرو، وهي بلا شك خطوة مريبة، اثارت تحفظ الكثير من اخوتنا الدروز ابناء شفاعمرو، ويسار الى الشك بأن بعض هذه المجموعات وقفت وراء التصعيد العنيف الذي شهدته شفاعمرو ليلة الاربعاء، والذي كان أشده، محاولة الاعتداء على الكنيسة الكاثوليكية، والاعتداء على بيت الاستاذ الياس جبور، نجل الرئيس الثاني لبلدية شفاعمرو، وهو الشخصية الاجتماعية، ورجل الاصلاح المعروف لكل الجماهير العربية من اقصى الجنوب وحتى اعالي الجليل.
ان المطلوب هو ليس تبادل العناق امام عدسات الكاميرات، والتظاهر بالوحدة والتآخي في اعراسنا واعيادنا، بل المطلوب تنظيف قلوبنا، تثقيف اولادنا على تاريخ اجدادنا، على الاعراف والتقاليد التي جمعت المسلم والمسيحي والدرزي حول طبق واحد ورغيف خبز واحد، واذا لم نسارع كلنا، الى وقف هذا التدهور الطائفي وغير الاخلاقي، فلن نفاجئ اذا ما احيت شفاعمرو، في العام المقبل، العيد المئوي لتأسيس مجلسها البلدي، على خرائبها.