إحترتُ من أين أبدأ مع هذا الكاتب غزير الإنتاج ، د. نجيب صعب ، فمؤلفاته العديدة ربما تحتاج الى دراسة مستفيضة ، ومقالاته الأسبوعية في الجرائد والمواقع الإلكترونية تغريك بالمتابعة ، تطرح موضوعات اجتماعية شتى ، وتتعرض لمظاهر وظواهر ملحة في الغالب ، إنه يضع أصبعه على الوجع ، ليس ليدلنا عليه ، بل للفت أنظارنا الى الأخطار المحدقة حاضرا ومستقبلا . وإذا سلّمنا بأن المقالة الأدبية الرائجة في تاريخ المقال الحديث ، مُذ ميشيل دي مونتين ، حتى اليوم ، هي غالبا المطعمة بالخيال . فإن الخيال يكاد ينعدم في مقالات نجيب صعب ! لعله تعمد هذا التقتير كي يبقينا على خارطة الواقع المعاش .
نستطيع القول أنه مصلح اجتماعي في حدود طاقته . يكتب للقيم والأخلاق ، ويحض على الإستقامة والتمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة ، يعالج قضايا تعكر جو المجتمع : الكذب النفاق الخداع الجشع الطمع العنف وهلمجرا من هذه الأمور الآخذة بالإنتشار ! ينظر بأسف بالغ الى ما آلت اليه الأوضاع في هذا الزمن الصعب : التفكك الأسري والعائلي ، قل الوفاء ، تبخرت الألفة والمودة ، وانزوت النوايا الطيبة في ركن قصي ! إنه يتألم لذلك ، لكنه لا يقنط ولا يخبو أمله ، وليس في قاموسه ما يُعرف بالمحال ، فكل اعوجاج أو غلط يمكن إصلاحه ، بالصبر والحكمة والتفكير السليم ، وهذا يتطلب المشاركة الجماعية لما لها من قوة وتأثير .
هذه إحدى ملامح فلسفته في الحياة . وهو يدعو الناس أن يتقاربوا ويتشاوروا في المصائب والملمات ، وكأني به يحتذي بقول المعري : " إذا ما عراكم حادث فتحدثوا ـــ فإن حديث القوم ينسي المصائبا " من خلال كتاباته ندرك بأنه يعيش الحياة طولا وعرضا ، مما أكسبه خبرات وتجارب هي جزء من أداته الكتابية . والملفت أنه مرن وصريح ، فتارة نحس بقلمه ريشة ناعمة ، وطورا حادا ولاذعا ، حسب ما يقتضيه الحال . فيما أعلم ، أن من شروط المقالة الإختزال والإيجاز ، لذلك آخذ عليه ـــ في بعض مقالاته ـــ الإطالة في التمهيد للموضوع ، والدوران حوله ، دون أن يشق على نفسه في خلق قالب فني محدد !
وهو لا يكتب في القضايا الإجتماعية فحسب ، ففي مناخ نشاطه نجد نصوصا أدبية ممتعة ، وشخصيات ذات طباع مختلفة ، يرمز اليها ترميزا ، وهي قائمة بالفعل في البيت والشارع والنادي والمؤسسات .
وكاتبنا قلّما يترك مناسبة هامة إلّا ويدلو بدلوه ؛ أعجبني مقال له بمناسبة عيد الأم ، يثمن عاليا دور المرأة ، ويسمو بها تقديرا وثناء ، وبأسلوب راق وجميل . وهو في كتاباته متطور متأمل وشديد الملاحظة ، الأمر الذي يناسب ذوق العصر ولغة العصر ، بيد أننا نلمس التناقض في المستوى ، ففي بعض مقالاته يكثر من الأمثال والأقوال السائرة ، وينزل الى البساطة الشديدة عبر إحساس فطري تلقائي ، حتى تبدو المقالة فجّة منهكة ! مما لا يدع مجالا للشك بأن الظروف النفسية والفكرية وقت الكتابة لها تأثير مباشر سلبا أو ايجابا . لذلك وجب على النقد أن يراعي هذه المسألة في حُكمه على النصوص . والتناقض الآخر ، الحرية في التعبير ، والإنطلاق في الحديث ، يقابلها ما يشبه التردد والتحفظ .. وثمة تناقض في طريقة خطابه للجمهور ، واعظا ومرشدا حينا ، أو لائما ومؤنبا ، يفرك الأذن ولا ينتف الريش !
بديهي أن هذا التناقض ـــ بغض النظر عن مساره مدا وجزرا ـــ يضفي على السياق جوا من الحيوية والحركة ، خاصة وان بعضه يتسم بالفطنة والذكاء . لذلك أستغرب أن الكاتب ـــ في قضايا أشبعها الجمهور غسلا وعصرا ـــ فجاء يناقشها ويفصل لها الفاظا لا جديد فيها ، ولا ما يدعو للإصغاء !! لكنها ليست بالضرورة سيئة ما دام الهدف نبيل .
خلاصة القول ، إن الإنسان هو محور اهتمامات نجيب صعب ، وهذا ما يميز هذه الصفحات الجديرة بالإحترام والتقدير .