انتقل إلى رحمته تعالى قبل أيام، الشيخ الجليل الفاضل المرحوم أبو محمد جواد ولي الدين. ففقدت الطائفة بوفاته علمها وجهها ووجيها وزعيمها في الملمات، ولسان حالها، وسيفها الصارم في وجه الأعداء، وفارسها في الإقدام والتضحيات، ومرشدها في التسامح بين الطوائف، وميزانها في إحقاق الحق، وعقلها المفكر، ورأيها المدير، وصدرها الحليم، وفكرها السليم، الذي رأى الدين علما وعملا ومواقف مشرفة ورأيا جريئا، فجعل من تقواه خدمة للمجتمع وطريقا إلى وحدة أطياف الطائفة. فقام مع الشباب وقعد مع الشيوخ. لم يجعل عبادته انقطاعا عن الناس، بل خدمة للمجتمع، فجعل من نفسه وبيته ملتقى لإخوان الدين والدنيا. وليس صدفة ان أحبه الجميع وحزنوا عليه وقدروه وأكرموه في حياته ومماته.
وقد أطلق عليه لقب شيخ الجزيرة، بفضل مواقفه الدينية والاجتماعية والإنسانية وشجاعته وتقواه ووقوفه في الخندق وفي الطليعة عندما واجهت الطائفة في لبنان اخطر أزماتها في الدفاع عن مصيرها وحياتها ووجودها وكيانها. فكان هداية وقبسا ومنارة ودليلا ومرجعا في الحرب والسلم. وفي هذه المواقف تعرف الرجال ويبان معدنها.
وقد أُطلق هذا اللقب الكريم أيضا على المرحوم فضيلة الشيخ أبو يوسف أمين طريف الرئيس الروحي السابق للطائفة الدرزية في إسرائيل، لخصاله الكريمة ومواقفه الدينية والاجتماعية والأخلاقية التي أكسبته تقدير ومحبة الناس، ولخدماته الجليلة في حفظ سمعة الطائفة وكرامتها وحقوقها.
وعُني بهذا اللقب أنهما دروز بلاد الشام: إسرائيل ولبنان وسوريا والأردن، لاجتماع أبناء الطائفة في هذه الأماكن على تقديرهما والاعتراف بمكانتهما الدينية والروحية.
والآن دعونا نبحث في اصل هذه التسمية ومعناها.
فجزيرة الشام كما ذكر الأشرفاني في كتابه عمدة العارفين تضم البلاد المذكورة أعلاه إضافة إلى الجزيرة العربية والإمارات واليمن وسيناء. وسميت جزيرة، أو بالأصح شبه جزيرة، لأنها محاطة بالماء من جهات ثلاث: إذ يحدها من الغرب البحر المتوسط، ومن الشرق نهرا دجلة والفرات والخليج الفارسي، ومن الجنوب المحيط الهندي والبحر الأحمر. وتقسم إلى: الشام الفوقا، وهي المناطق الواقعة شمال المملكة الأردنية. والشام التحتا، وهي البلاد الوقعة جنوبيها.
أما لقب شيخ الجزيرة فقد جاء في عمدة العارفين انه أطلق في عصر دعوة التوحيد الدرزية على شخصين: الأول استجاب ثم انحرف وارتد ولعن وقتل، والثاني استجاب ووحد واستقام وخدم الدعوة وحمد.
أما االمذموم فهو سكين. وأما المحمود فهو الشيخ أبو القاسم نصر بن فتوح – رضي الله عنه. كما ذكر الأشرفاني في كتابه ان الجزيرة التي وليا عليها هي جزيرة الشام الفوقا.
ولا نعرف ان هذه اللقب –لقب شيخ الجزيرة- أطلق على غير هذين الشخصين. ما عدا على المرحومين الشيخ أمين طريف والشيخ أبو محمد جواد. وقد أطلق عليهما تيمنا وتشبها بالشيخ أبو القاسم.
ووظيفة شيخ الجزيرة كما ذكرها الأشرفاني هي نشر الدعوة التوحيدية ورعاية شؤون المستجيبين وأخذ المواثيق وهداية الناس وتولية الدعاة والمأذونين من قبله، ومراجعة مركز الدعوة في القاهرة المعزية.
وما دمنا تحدثنا عن شيخ الجزيرة، فالشيء بالشيء يذكر.
فان الإسماعيلية تقول ان لكل إمام 12 نقيبا منتشرين في 12 جزيرة، مسئولين عن ونشر الدعوة الإسماعيلية الباطنية وإدارة شؤونها.
وقد وجدت في كتاب شرح الدعائم للقاضي النعمان ان هذه الجزائر هي: جزيرة العرب وجزيرة الروم وجزيرة الصقالبة وجزيرة النوب وجزيرة الخزر وجزيرة الهند وجزيرة الهند وجزيرة الحبش وجزيرة الصين وجزيرة الديلم وجزيرة البربر.
ويظهر أن هذه ليست جزرا بالمعنى الجغرافي المتعارف عليه يابسة يجدها الماء من جميع جهاتها، أو جهاتها الثلاث، بل منطقة ذات طابع جغرافي خاص وذات طابع إنساني ديني خاص، حددها الإمام أو الدعاة تسهيلا لنشر الدعوة وتابعة شؤونها.
ومع ذلك، يظل السؤال، لماذا ذكروا 12 جزيرة فقط، ولماذا هذا التقسيم الاثناعشري، ما دام في العالم مناطق أخرى غيرها.
فإذا لاحظنا ان:
لسيدنا يعقوب – ع- 12 ولدا.
وأسباط بين إسرائيل 12 سبطا
وعدد تلاميذ السيد المسيح – ع- 12
وكان للنبي محمد – ص- 12 نقيبا
وعدد أئمة الشيعة 12
وهناك في الديانة والأساطير السامية استعمالات للعدد 12 نختصر عن ذكرها.
وان الدزينة = 12
والكيل 12 صاعا
وللذهب 24 قيراطا
والنهار 12 ساعة
والليل 12 ساعة
والأبراج 12
والسنة 12 شهرا. ومثل هذا كثير.
علمنا ان للعدد 12 مرام قدسية ومعان روحانية وأبعاد باطنية خاصة لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم.
والحديث ذو شجون. فبالمناسبة أيضا نتطرق إلى ذكر الأقاليم. فقد كان للإمام عند الإسماعيلية أيضا سبعة دعاة في سبعة أقاليم طبيعية.
وقد جاء على لسان القدماء مثل الفيلسوف والجغرافي بطليموس اليوناني ان العالم القديم - المعروف آنذاك- مقسوم إلى سبعة أقاليم، وأن كل إقليم منها كأنه بساط ممدود، طوله من المغرب إلى المشرق، وعرضه من الجنوب إلى الشمال.
الإقليم الأول يقع شمال خط الاستواء ويمتد من شرق الصين إلى البحر المحيط الأطلسي.
ويعتبر الشرق الوسط ضمن الإقليم الثالث.
والمناطق الواقعة شمال أوروبا تعد الإقليم السابع.
وهناك مصطلح الأقاليم العرفية. وهو يختلف عن الأقاليم الطبيعية. والإقليم العرفي هو ما اتفق عليه الناس من تسميات لمناطق معينة مثل: إقليم العراق وإقليم البلان أو إقليم التفاح، وما أشبه.
وما أشد حاجتنا اليوم لنلاحظ استمرارية قدسية العدد اثني عشر بين الديانات التوحيدية الثلاث:أسباط بني إسرائيل الاثناعشر,وتلاميذ المسيح الاثناعشر,ونقباء الرسول الاثناعشر,وأئمة الشيعة الاثناعشر .ولعله من منطلق هذه القدسية عينها جرى تقسيم أشهر السنة اصطلاحا وتواضعا إلى اثني عشر
إلى شيخ جزيرة جديد يهدي ويرشد ويعقلن الأمور ويوحد الطائفة ويجمع كلمتها على الخير والتسامح وحفظ الإخوان عملا لا قولا فقط، ويسير بالطائفة إلى مستقبل روحي وحضاري.
مع تحيات
العبد الفقير
أبو شعيب