تكثر الشكوى من ضعف اللغة العربية في الأوساط الدرزية، بين الكبار والصغار، في المدارس والبيوت والشوارع والتجمعات والمناسبات، من المثقفين ومن الخطباء والواعظين والزعماء والعامة.
وقد كثرت التعليلات وأعطيت التفسيرات لهذا الوضع: من غلبة اللغة العبرية بسبب الخدمة العسكرية والوظيفة والتعامل مع اليهود وتفضيل لغة الدولة والأكثرية ، وبسبب سيطرة اللغة العامية، وقلة الاعتناء بالفصحى وعدم الاعتزاز باللغة العربية، وتقصير المدارس والأهالي، وأسباب أخرى كثيرة.
وأود ان أضيف سببا آخر لجملة هذه الأسباب، واطرح حلا لجانب الحلول الكثيرة التي طرحت، قد يكون بهما بعض التفسير والفائدة المرجوة لإعلاء شان اللغة العربية وتبوأها مكانها الطبيعي في التعامل والتخاطب وجعل الحديث بها سليما وصحيحا وفصيحا.
يبدي البعض أسفهم لان شيوخ الطائفة لا يجارون أئمة المساجد والكهنة من حيث فصاحة اللغة وصحتها وغزارة المادة والأقاويل والأحاديث. ويتساءلون لماذا لا نجد خطيبا في مواقف التعزية مثل إمامي مسجدي الناصرة وعكا أو مثل المطارنة. حتى ان الشيخ محمد رمال يقترح إنشاء معهد لتعليم الخطابة في الوسط الدرزي لحفظ هيبتنا.
ان إجادة أئمة المساجد وخطبائها ورجال الكهنوت، للغة العربية والخطابة بها ينبع من عدة أسباب:
1- التدرب على الخطابة والوعظ والإرشاد في معاهد رسمية أكاديمية
2- دراسة اللغة العربية دراسة جامعية
3- الإصرار والتشدد على التكلم باللغة الفصيحة الصحيحة.
4- حفظ آيات القران وفصول الكتاب المقدس والأحاديث النبوية حفظا صحيحا كاملا حسب الاصول.
من هنا يستنتج العاقل أين مربط الفرس؟ وما يجب عمله حتى نتلافى الخلل ونصلح الحال؟.
فان ضعف لغة رجال الدين عندنا إذا ما قورن برجال الدين عندهم، نابع من عدم التمكن من اللغة العربية تمكنا كافيا. فان الخطباء منا والمعزين والواعظين والشارحين ومنشدي الشعر يخطئون في حديثهم وقراءتهم لفظا وإعرابا. فقد تسمع من البعض أحاديث وأقوال وقراءات ومواعظ وإشعار بعيدة عن الصواب والدقة، فيها كثير من الكَسْوَرة التي قد تؤذي الإذن وتبدل وتغير المعنى. وتعاد وتكرر.
ان قولي هذا لا ينفي وجود فئة كريمة من إخوان الدين يتقنون اللغة العربية اتقانا عاليا ولكنهم قلة.
وهناك سبب آخر مهم لهذا الضعف وهو:
ان الكتب الروحية: كتب الوعظ والشرح وقصص الأنبياء والأولياء والصالحين والدواوين الشعرية وقصائد المدائح النبوية التي بين يدي رجال الدين فيها أخطاء كثيرة في التعبير وفي النحو والصرف.
ان الكتب التي يتداولها الشيوخ هي مخطوطات خطها ناسخون بعضهم لا يتقنون اللغة على أصولها. فان وجدوا خطا اتبعوه وأحيانا يخطئون في النسخ والنقل سهوا أو لقلة العلم والمعرفة. ومع الزمن يزداد الخطأ من ناسخ إلى ناسخ. ويحفظ الناس نصوص هذه الخطوطات على علاتها بما فيها من أخطاء ويقرؤونها بأخطائها، فتاتي على الغالب غير ملتزمة بما أراد مؤلفها. وقد يضيع المعنى المقصود أو لا يستقيم.
قال الشاعر:
فكم أفسد الراوي كلاما بعقله وكم حرّف المنقول قوم وصحفوا
وكم ناسخ أضحى لمعنى مغيرا وجاء بشيء لم يرده المصنف
وقد صرح الشيخ زيدان عطشة استعداده بتبني مشروع هدفه تصحيح هذه النصوص المتداولة وإعداد نسخ تفي بالغرض من ناحية سلامة اللغة وخالية من الأخطاء، لتصبح نسخا معتمدة يرجع إليها الناسخون والحافظون والقارئون.
هذا المشروع أوسع واجل من ان يقوم به فرد أو قرية أو تجمع درزي واحد، بل ربما كان مشروعا درزيا عالميا. ولكن هذه المبادرة هي من صميم عمل المجلس الديني، وعليه ان يتبناها ويعد نسخا صحيحة سليمة بدل هذه النسخ المتداولة في السوق، لتصبح دستورا يسير عليه الناسخون ويلزمهم ذلك، حرصا على كرامة هذه النصوص وكرامة مؤلفيها وكرامة المتحدثين والقارئين فيها ومنعا للأخطاء الشائعة والمتكررة.
وقد أوصى شيخنا الأشرفاني في خاتمة كتابه عمدة العارفين "بأن لا يكتبه إلا قارئ لكتاب الله أو ما تيسر منه، حسن العبارة في وضع الحروف وإعرابها، أو نقلها كأصلها. وحرام حرام على من يقراه ويكتبه بغير هذه الشروط المرضية."
من المتبع عند المسلمين واليهود والنصارى انه إذا وقع أي خطا مهما كان بسيطا في أحد الكتب الروحية منعت نسخه من التداول خوفا من انتشار الخطأ وشيوعه.
مرت فترة كانت فيها صلاة الجنازة على الميت كثيرة الأخطاء، فلما أخذت المحاكم الدينية الدرزية على عاتقها تصليح الوضع، صرت تسمع صلاة معظم الأئمة باللفظ والشكل الصحيح.
وقد فتحت الرئاسة الروحية دورات لتعليم الخط العربي وأهلت مجموعة جيدة من الخطاطين الذين يقومون بنسخ الكتب، رفعوا من قيمة هذه الرسالة الروحية.
واليوم تقوم الرئاسة الروحية بتأهيل المأذونين وتقيم لهم دورات في الجغرافيا والتاريخ والسياحة والشرع والقانون والمدنيات على حسابها أو على حساب مين؟. كما أعدت دورات باللغة العربية ولكن يجب تخصيص اهتماما اكبر بموضوع سلامة اللغة وإتقانها.
ويجدر ان تقوم الرئاسة الروحية بتأهيل أولئك الذين يتولون القراءة في الاجتماعات الدينية، وان تنشئ دورات لغوية للناسخين وتشدد على ان يكونوا متقنين ليس فقط للخط بل لقواعد اللغة.
ولا يعتد بالقول: ما الفرق ما دام الامر مفهوما.؟ المهم النية. أو هكذا تعودنا، بل يجب الإصلاح. فالجيل الصاعد وجله من المثقفين يستطيع بل يجب ان يراعي هذا الامر، ولا يعطي يدا لإبقاء الوضع على ما هو عليه. فان كان عذر لكبار السن من غير المتعلمين، فلا عذر للجيل الجديد من المثقفين والدارسين والثانويين والجامعيين.
صحيح أن بعض إخوان الدين الضالعين في اللغة يشكون همسا من هذا الغلط، ولكنهم لا يفعلون شيئا. وقد سمعت من احد سواس الخلوات ان بعض الإخوان في خلوته يتباحثون في صحة قراءة بعض الكلمات ويفتشون عن الصحيح ويطالبون بتصحيح الأخطاء.
وعودا إلى البداية وهو ضعف اللغة العربية في أوساط الطائفة والى إصلاح الوضع.
فان كتبنا صح، وقرأنا صح، وحفظنا صح، وتكلمنا صح في المناسبات والاجتماعات والمواقف الدينية والاجتماعية، من قبل رجال الدين ورجال الدنيا، قد يقتدي الناس بهم وتنتقل العدوى منهم إلى غيرهم، فتعود للغة العربية قيمتها ورونقها وصفاها وصحتها وسلامتهاـ ونصبح في الطليعة لا تابعين، وقدوة لا مقتدين.
وقد اعترض معترض، بالقول: لماذا تدور كتاباتك حول الأمور الدينية للطائفة الدرزية.؟
فأود القول: اكتب لاني غيور على طائفتي وعلى إخواني في الدين، وعلى اللغة العربية، وعلى النصوص المكتوبة وعلى كاتبيها. ولاني اعتبر ان الدين هو العنصر الأساسي في كيان الطائفة الدرزية، ومستقبلها متعلق بتمسكها بدينها الصحيح القويم العقلاني.
مع تحيات
العبد الفقير
أبو شعيب