يطفو على السطح في الفترة الاخيرة موضوع ما يسمى بالخدمة الوطنية، وتحاول السلطات ربط هذه الخدمة بتحرير المستحقات المحتجزة للأقلية العربية في البلاد، وهناك من بيننا من يسوِّق هذه المشروع منسجمًا مع طرح السلطة الزاعم بان هذه الخدمة لا تأتي تهيئة لخدمة الشباب العرب في الجيش الإسرائيلي، وقد يعتقد من يسوِّق هذه المشروع بأنه فعلًا يخدم شعبه إذ أن ما يطرح اليوم هو الخدمة في احدى المؤسسات الشعبية داخل قرانا، ولكن من يظن نفسه اشد ذكاءً ودهاءً من السلطة فهو على خطأ، لأن التجارب اثبتت بان هذه السلطات تملك انفاسًا طويلة، وهي تنفذ ما تبتغيه بعد إجراء عملية تهيئة ذهنية..
السلطات تهيئ الاجواء لاستيعاب ما تريده.. وما تريده في هذه الحالة هو شيء واضح.. إفراغ الشباب العرب من الشعور بالانتماء لتسهيل فرض التجنيد عليهم، وطبعا ذلك يأتي موازيًا لإغلاق الكثير من مصادر الرزق ما لم يقم الشباب العرب بالخدمة الوطنية، ونحن هنا ندرك من خلال تجاربنا الطويلة مع السلطة كيف يتم الاحتيال وكيف سيقاد الشباب العرب إلى التجنيد الاجباري إذا قبلوا ما يسمى بالخدمة الوطنية، وندرك أيضا بان هذه السلطات بشعة وجشعة لا تشبع ولا تقنع، ولوعدنا إلى الوراء وراجعنا التاريخ نجد أن المتزمِّتين من الشعب اليهودي يُسمعون ضحيتهم اجمل الكلام ويتمسكنون حتى يتمكنوا، وتعالوا لنعرض نموذجًا عينيًا مما أقصده وهو ما يضرب صميم قيمنا الدينية والقومية وهو نموذج "حائط البراق" لقد تمسكن هؤلاء وبكوا كثيرًا للسلطات العثمانية للسماح لهم بالصلاة قبالة الحائط فأشفق عليهم "سليمان القانوني" وسمح لهم بالصلاة شريطة أن لا يُقيموا العُرش ولا يجلبوا الحُصر أو المقاعد، وقد حاول "ادموند روتشيلد " شراء الحائط سنة 1887 لجعله ملكًا يهوديًا وفي سنة 1914 كانت محاولة أخرى لشراء الحائط من قبل "دافيد بالينئلى" إلى أن احتلت إسرائيل القدس سنة 1967 وكانت أول عملية قامت بها هي هدم 350 بيتًا لإقامة باحة كبيرة قبالة الحائط زاعمة ان هذا الحائط هو السور الغربي لما يسمى بهيكل سليمان؟!
أكثرية الحكام العرب لا يعنيهم سوى استمرار حكمهم وهذا مما شجع المهوّسين من اليهود على محاولة حرق المسجد أكثر من مرة واستمروا في جرائمهم حتى انهم قوضوا اساساته زاعمين انه بُني على انقاض الهيكل، لقد نبشوا تحته إلى مختلف الجهات لم يجدوا أي آثار تشير إلى وجود الهيكل المزعوم وقد صرح عالم الآثار اليهودي البروفيسور يسرائيل فينكلشتاين رئيس قسم الآثار في جامعة تل أبيب قائلًا:
"لا يوجد أي دليل علمي يثبت بان حائط البراق هو الحائط المتبقي من الهيكل، هذا إذا كان هناك اساس حقيقي لوجود هيكل" .
هكذا وبعد النبش والبحش فانه يشكك في مجرد وجود الهيكل والدليل عدم وجود أي دليل لوجود الهيكل.
وقال في محاضرة :
"حيث ننبش لا نجد أي آثار لنا، يبدو اننا لم نكن هنا وإنما في مكان آخر".
حكام إسرائيل يدركون هذه الحقيقة ولكنهم يريدون ان يتكتل المواطنون حول موضوع يجمعهم وبما انه لا يوجد أي شيء ملموس فلا بأس ان يتكتلوا حول وهم أو كذبة آمنوا بها منذ زمن طويل؟!
وماذا اريد أن اقول من خلال ادراجي لنموذج "سليمان القانوني"؟ اقول كما يقول المثل الشعبي إنك "إذا منحت السلطات اصبعك ارادت يدك كلها" أقول ذلك من خلال تجربتنا نحن أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل حيث خدمت شريحة منا في الجيش فماذا كانت النتيجة؟ هذا السؤال طرح ويجب أن يطرح بحدة لأن في الإجابة عليه تكمن الحقيقة، والإجابة واضحة تماما فهل هناك من يركب رأسه؟ لقد اضطهدت الدولة الدروز أكثر مما اضطهدت أي شريحة عربية اخرى. صودر لها من ارض أكثر مما صودر من الطوائف العربية الأخرى.. وهذه القرى حصلت على مستحقاتها من الوزارات الاسرائيلية اكثر من القرى العربية الدرزية ويكفي أن نلقي نظرة على قرانا لنرى هذه الحقيقة، وهنا لا يستطيع أي إنسان أن يناقشنا لذلك نعود إلى الخدمة الوطنية التي تحاول السلطات أن تفرضها على الشباب العرب بمختلف الحيل ونذكرهم بمراحل سيطرة السلطات على حائط البراق ونقول بان السلطات سوف تقدم للشباب العرب السم في الدسم..
سوف تكون الخدمة في البداية داخل احدى المؤسسات المحلية، قد تكون في المدرسة وهي خدمة لأولادنا، ثم تنتقل إلى المدينة.. إلى مستشفى وهي خدمة إنسانية.. بعدها إلى عيادة المعسكر وما دامت تُعنى في الجرحى فلا مانع، وهكذا سيكون التقدم مرحليا، إلى الوصول ما دام ليس هناك جرحى "بنعبي فشك.. ما هو مش إحنا اللي بدنا نحارب".. ورويدًا رويدًا سيجد نفسه من يؤدي هذه الخدمة جنديًا بصفته الرسمية أو غير الرسمية.. وهنا سيتقهقر الاقتصاد وستتراجع الثقافة ونموذج الطائفة الدرزية ماثل أمامكم يصرخ إلى السماء.. وزد على ذلك الإشكالية البشعة التي سيقع فيها المجند وهي مواجهة أهله وجهًا لوجه، تمامًا كما اصابنا في أثناء تصدينا لمصادرة اراضينا في منطقة "الجلمة والمنصورة" في مرج ابن عامر الذي سموه"عيمق يزراعيل" سوف يرسل لمواجهة أعمال (الشغب) ومن هو المشاغب؟!! أنه والده الذي يتصدى لمصادرة ما تبقى له من ارض.. هذه الأرض التي ينوي توريثها له.. انها قمة المأساة. إخوتي الشباب العرب ارفضوا المشاركة في المهزلة.. ارفضوا المشاركة في الجريمة.