نظــــــــرة في الاحتـــــــــرام !!!

بقلم : منير فرّو ,
تاريخ النشر 09/06/2012 - 12:04:10 pm

إن عكس كلمة احترام هي كلمة ازدراء،  لان كلمة ازدراء تعني النظر إلى الآخرين باحتقار واستخفاف، والازدراء أقسى أنواع التأنيب،  والازدراء يأتي من باب الكبرياء والعجب والحسد، وهذه الثلاث هي مهلكات الروح،  كما أن مهلكات الجسد ثلاث؛ الأكل والشرب والجماع،  قال تعالى في سورة هود : " ولا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول إني ملك، ولا أقول للذين تزدري أعينكم، لن يؤتيهم الله خيرا، الله أعلم بما في أنفسهم، إني إذا لمن الظالمين"،
 فقوله تعالى: "ولا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب"، أخبر بتذلله وتواضعه لله عز وجل، وأنه لا يدعي ما ليس له من خزائن الله؛ وهي إنعامه على من يشاء من عباده؛ وأنه لا يعلم الغيب؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل. "ولا أقول إني ملك"، أي لا أقول إن منزلتي عند الناس منزلة الملائكة، وقد قالت العلماء: الفائدة في الكلام؛ الدلالة على أن الملائكة أفضل من الأنبياء، لدوامهم على الطاعة، واتصال عباداتهم إلى يوم القيامة، صلوات الله عليهم أجمعين.
"ولا أقول للذي تزدري أعينكم"، أي تستثقل وتحتقر أعينكم، من هنا جاءت كلمة احترام من مصدر حرم واحترم إي انحرم  وحرمان، وهو حرمان العبد لنفسه، وتحريمه عليها الازدراء، احتقار الآخرين، والاستخفاف بهم، لان الاحترام أو الانحرام يأتي من باب التواضع، والتواضع من كلمة وضع الشيء إي جعله ووضعه أسفل، وأيضا وضيع أي حقير، فعندما يتواضع العبد للآخرين فهو يضع نفسه دون الآخرين أي يحقرها وينزع منها رؤية الحال والكبرياء، وهكذا العبد عندما يحترم الآخرين فهو يحرم نفسه من الآنا وحب الذات، ويجعل الأولوية لغيره في كل شيء، في الطاعة والخدمة والجلوس والإنصات الخ والتي هي سبب الصراعات والخلافات بين الأفراد والجماعات والقبائل وحتى الدول.
فالآنا من الضمير أنا ومن الأنانية، والأنا هو ايجو (ego) ضمير المتكلم، ويشير به كل واحد إلى نفسه، وقد درس الفلاسفة وعلماء النفس هذا المصطلح، وذهبوا به أبعد شاء لفهم الأنا، لأنه مركب من معرفة النفس بكل أبعادها وماهيتها،  ولذلك أهم شعارات سقراط كان " اعرف نفسك بنفسك" أو "اعرف ذاتك"، لان من عرف ذاته أو نفسه عرف كل شيء، ومن جهلها جهل كل شيء، وظاهر الإنسان في غالب الأحيان يعكس ما في باطنه، فإذا كان متكبرا في باطنه، يرى بنفسه علوا على الآخرين، ويظهر ذلك في علانيته، وإذا كان متواضعا في نفسه، يرى نفسه دون الآخرين  ولا يجعل لنفسه منزلة ولا قيمة، ويظهر تواضعه للناس ويحسنون صحبته.
والآنا في علم النّفس التّحليلي  هو منطقة من الجهاز النّفسي، وتدلّ على الذات، وهي بالمعنى المباشر تدلّ على الشّخص بجميع لواحقه وأعرضه. أمّا بالمعنى الفلسفي فتدلّ على جوهر الذات، أي ما يبقى عندما نستثني اللّواحق والأعراض، وبالتّالي يتحدّد الأنا تبعا لتصوّر ماهيّة الذّات الإنسانيّة. فنجد أنّ فلسفة الوعي تحدّد الأنا بالوعي مثلما يقول ديكارت:" النّفس التي أنا بها ما أنا"، أي أنّ إنّيّته تكمن في النّفس أو في الأنا المفكّر.
إن الأنا تحيل أيضا إلى حامل التّمثلات، ومؤسّس وحدها باعتبار أنّ هذه التّمثّلات والإدركات والأفكار تنتمي إلى "الأنا المفكّر"، مثلما ذهب إلى ذلك كانط، هذا الأنا الذي يمثّل شرط الوحدة والتّأليف بين الحدوس والإددراكات في الوعي. يقول كانط : "إنّ الأنا المفكّر يرافق بالضّرورة كلّ تمثّلاتي."
لذلك الاحترام هو أحد القيم الحميدة التي يتميز بها الإنسان، ويعبر عنه تجاه كل شيء حوله أو يتعامل معه بكل تقدير وعناية والتزام. كالتعامل مع الأهل والأصدقاء والأجانب، وحتى التعامل مع العدو أو الخصم أو المنافس يجب أن يكون باحترام دون المس بكرامته وهو قمة في الأدب، فالسياسة يجب أن تكون مبنية على احترام، لأنها من ساس يسوس، فلا طاعة واحترام لمن لا يعرف أن يسوس المجتمع أو الرعية،
 وأيضا اللغة الصحفية يجب أن تكون فيها لغة احترام، وان لا يتكلم بكل ما يعرفه تجاه الآخر وخاصة خصوصياته الشخصية، فالأسلوب يجب أن يكون بعيدا عن الإساءة بالغير، وان يتعاطى الصحفي لغة الاحترام باستعمال الألقاب المحترمة والمتبعة لكل إنسان، حسب مكانته الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية الخ .
 والاحترام هو أيضا  فهو تقدير لقيمة ما أو لشيء ما أو لشخص ما، أو تبادل حب بين صديقين أو زوجين الذي هو أساس السعادة في الزواج وبناء الأسرة، لان الحب بين المرأة والرجل يحتم على كليهما الاحترام بالتنازل كل واحد للأخر من اجل حياة زوجية أفضل، لان الصورة الحية للاحترام  تظهر جليا في الحياة الزوجية، فكلما بالغ الزوجان باحترام بعضهما لبعض، حتى يفقد كل واحد منهما خواصه من اجل الآخر، ليصبحا مادة واحدة متجانسة، تمتلك خاصية ذات نوعية فريدة،  ويتفاعلا معا كما يتفاعل الكلور مع الصوديوم ذات المادية السامة، ليُكوّنا مادة الملح الصالحة للطعام، وتظفي على الطعام النكهة المذاقية البعيدة عن الزنخة، وامتعاض المعدة وتقيئها وتقلب النفس،  وأيضا الاحترام إحساس بقيمة الشيء وتميزه، أو لنوعية الشخصية، أو القدرة، أو لمظهر من مظاهر نوعية الشخصية والقدرة. يتجلى الاحترام كنوع من الأخلاق أو القيم، كما هو الحال في المفهوم الشائع "احترام الآخرين" أو مبدأ التعامل بالمثل.
احترام الحق أو الامتياز أو موقف متميز، أو شخص أو شيء ما له حقوق أو امتيازات؛ القبول المناسب أو المجاملة؛ احترام لحق المشتبه فيه في الاستعانة بمحام؛ إظهار الاحترام للعلم، واحترام المسنين.
يختلف الاحترام حسب الشعوب ومفاهيمها، وحسب الدول وقوانينها، فهناك احترام من باب الاجتماع والمجتمع والدين، ومن باب علم النفس، ومن باب الجمال الظاهر والاستحسان لما يثمره من حسن العشرة والمحمدة بين الناس والتجامل معهم، وأيضا الاحترام يأتي من باب الأنظمة والمؤسسات والمنظمات والدول وأيضا العسكر الخ .
وللأديان في تعاليمها تأثير كبير في تعاليم الناس الاحترام من خلال الطاعة لله والرسل والأنبياء والعلماء والكهنة والشيوخ،  فالأديان جميعها دعت إلى احترام الكبير والعالم والمرشد والمعلم والنبي والرسول، وذلك من باب التواضع للارتقاء والسمو في عالم المُثل العليا، لان لا طاعة لله إلا بطاعة الرسول، ولا طاعة للرسول إلا بطاعة أولي الأمر، لقوله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".
 إن الأديان سميت سماوية من السمو والارتفاع، لان الله تعالى في مكان السمو والعلو، لذلك يقال عن الأديان سماوية منزلة أي التي انزلها الله من مكان علوه وسموه إلى خلقه، فدعوة الأديان إلى احترام سنن الرب والذي هو بجوهره تهذيب الأخلاق بمجاهدة النفس  وتطهيرها من الشر والاخباث، وأعظم اخباث النفس الكبرياء والحسد والعجب كما ذكرت سابقا، وهو طلب الاستعلاء وعدم الإتباع، فبالكبرياء والحسد والعجب أبى إبليس أمر الله بالسجود لآدم، وقتل قابيل أخاه هابيل، وأراد العيص قتل أخيه يعقوب واغتصاب منزلته، وباع أبناء يعقوب أخاهم يوسف، والقصص كثيرة، لان الشرور والفواحش السبعة والتي لها ظاهر وباطن، لقوله تعالى في القرآن : " ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن"، والتي عبر عنها السيد المسيح عليه السلام بأنها تخرج من داخل الإنسان وليست تأتيه من خارجه،  بقوله في إنجيله الطاهر : " ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان ثم فسر ذلك بقوله : بعد أن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج، وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك ينجس الإنسان ، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف ، هذه هي التي تنجس الإنسان وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان ".
فالأديان طالبت الإنسان باحترام كلام الله المنزل على أنبياءه، والاحترام هذا يثمر الطاعة لله جل وعلا، ويقود العبد إلى السعادة في الدنيا وفي الآخرة، لان الله تعالى قال عن النفس : " لأمارة بالسوء"، فإذا التزم العبد احترام سنن الله، وجاهد نفسه الأمارة بالسوء، وحرمها معصية  الله، ومخالفة أوامره، وقومها في مرضاته، بلغ التمام وسعد على الدوام.
لقد تميز الشرقيون عامة والعرب خاصة  بمظاهر الاحترام  أكثر من غيرهم من الشعوب، ومظاهر الاحترام هذه تختلف تبعا للعادات والتقاليد. في مقدمتها احترام الصغير للكبير، واحترام الرعية للراعي، والجمهور للرئيس المنتخب، والجندي لقائده، والقائد العسكري للقيادة العسكرية، والرئيس لرئاسته ولشعبه، والوزير لوزارته، والقضاة للمحكمة والمحاكمين، وأصحاب المهن لمهنهم، كالطبيب لمريضه، والمحامي لموكله، وللمهندس لصاحب البناء، والصنائعي لصنعته، الخ، والشعب للقيادة الدينية والزمنية، والمواطن للسلطة، واحترام المجالس، مجالس الذكر والصلاة، ومجالس الحديث؛ الإنصات للآخر والجلوس بأدب وعدم الجلوس متكئين أو متمددين أو منحنيين أو واضعي رجل على رجل أو مستقفيين الجلساء أو متثائبين أو اليد في الأنف أو ممخطين حشاكم، والجلوس حسب السن والمكانة الدينية او الدنيوية، للمسنين في الصفوف الأولى والأصغر بالأصغر بحيث الصغير لا يجلس أمام الكبير أو يدخل قبله، وأيضا عدم الانشغال بالبلفونات وكتابة الرسائل والمحادثات،  ومجالس الأتراح التي يجب أن تكون صامتة فيها خشوع لعظمة الله والموت، وتغطية أهل الفقيد الرأس ، ولبس اللباس المحتشم دون القصير للرجال والنساء، وإطفاء التلفونات الخيلوية، وأيضا احترام المعلم لانه يفتح لنا درب الحياة،  واحترام العجز والمعاقين وتسهيل أمرهم في الأماكن العامة كالبنوك وصناديق المرضى والساحات الخ  واحترام الضيف إلى درجة التكريم، واحترام المرأة.وحتى هذه لها تفاصيل في التعامل، منها ما بقي حتى يومنا هذا، ومنها ما تبدل، ومنها ما أستحدث تبعا للحالات الاجتماعية.
 وعند العرب  تأثر مضمون الاحترام بصورة كبيرة بالدين الإسلامي،لان الاسلام اخر الشرائع وقد جمع فيه قصص الأولين والآخرين والوعظ والاتعاظ والأحاديث النبوية التي تحكي سائر معاملات الدين والدنيا،   إذ جعل ثقافة الاحترام جزء أساسيا من منهج الحياة اليومية بل وجزء كبيرا من العبادات نفسها. وعلى سبيل المثال قرن الله عبادته باحترام الوالدين، إذ ورد في القرآن الكريم : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما  واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا".
 أما في مفهوم الدولة فالاحترام يأتي من باب احترام المواطنة والولاء للوطن لا يتممها المواطن دون احترام الوطن بمكوناته جميعا، كالعلم والأرض ورأس الدولة والشعب، وما ينظم العلاقة بينها كالدستور ومجموعة القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، والتعاون مع السلطة التنفيذية،  لضمان تنفيذها والحفاظ على استقلالية السلطة القضائية. كل هذا يترجم قولا وفعلا إلى احترام الدولة من خلال تأدية الواجب، وبالتالي الحصول على الحقوق، ولا ننسى احترام الممتلكات العامة التي على الجميع الحفاظ عليها لتعود بالفائدة على الجميع .
وفي المفهوم الدولي،  يتميز الاحترام  بإطلاق المدافع تحية واحتراما لحدث ما، أو لوصول شخصية ما، كلمة احترام في العلاقات الدولية أساس مهم في التعامل، وما دونها قد يخلق أزمات سياسية تصل إلى حد الحرب. ومن أمثلة الاحترام بين الدول احترام الحدود الدولية، واحترام رعاياها واحترام قوانينها. ومن مظاهر الاحترام بين الدول إعلان الحداد العام وتنكيس الأعلام عند وفاة حاكم البلد الآخر.
وأهم مظاهر الاحترام بين الدول عقد الاتفاقات الثقافية والاقتصادية، والتبادل المنفعي في كل مظاهر الحياة.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وإنشاء منظمات عالمية، كمنظمة الأمم المتحدة، تشدد كثيرا على احترام مختلف القيم، وعلى رأسها حقوق الإنسان، واحترام المرأة، واحترام احتياجات الطفل، من تغذية وتعليم وصحة، وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى.
وأيضا ظهور التحالفات والاتحادات التي  تقوم على أسس متينة من الاحترام المشترك للأسس والغايات، والأهداف المشتركة، مثل الاتحاد الأوروبي، ودول حلف شمال الأطلسي، والمجموعات الدولية المتعددة.
وأيضا في المجال  العسكري الاحترام يلعب دورا هاما، ويحتاج إلى  البناء العسكري الهرمي ليقتضي نجاحه، من بين عناصر كثيرة أخرى، كاحترام الرتب الأصغر للرتب الأكبر، وتلبية الأوامر والطاعة تعبيرا عن هذا الاحترام. كما يترجم احترام الرتب الأكبر للرتب الأصغر، عدم استهتار القادة بأرواح مجموعات الجيش تحت إمرتهم. ومن مظاهر هذا الاحترام أداء التحية العسكرية، واحترام الأقدمية، وإطلاق المدافع، وإطلاق البنادق، واستعراض حرس الشرف، وعزف السلام الوطني، ومظاهر كثيرة أخرى،  مثل استعراض حرس الشرف، الاستعراضات العسكرية، تقليد الأوسمة والنوط، التخرج من الدورات العسكرية.
فالاحترام هو أساس لنجاح أي فكر كان، ديني، اجتماعي، سياسي، اقتصادي،عسكري، تربوي، ثقافي، رياضي، وحتى عصابات الجريمة المنظمة، سواء كانت حقيقية أو وهمية، تقوم على أسس خاصة من الاحترام. حيث يظهر المرؤوسين "الاحترام" لأرباب العمل. وأي ازدراء تجاه الرؤساء قد يؤدي إلى القتل أو إلى أعمال عنف أخرى، فبدون احترام ووضع الأنا جانبا لن يصل الإنسان إلى إسعاد غيره، وبالتالي إسعاد نفسه، فليحترم احدنا الآخر، وليتنازل كل واحد منا عن القليل مما له  ليحصل على كل شيء،  فالتنازل ليس معناه كما يفكر السواد الأعظم من الناس  أن يفقد الإنسان حقوقه، وإنما العكس هو الصحيح، فالإنسان عندما يتنازل عن بعض ما له فهو ينال كل شيء،  لقوله تعالى : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا  مما تحبون".

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>