لم يَأتِ غائبُنا كما وَعَدّتْ تَباشيرُ الصَّباحِ
وظَلَّ أهلي يرقُبونَ الدَّرْبَ
يَرْنو بَعْضُهُمْ صَوبَ الجَنوبِ
وبَعْضُهُمْ صَوبَ الشَّمالِ
يَشُدُّهُمْ خيطٌ مِنَ الأَمَلِ الشَّفيفِ
لِعَودَةٍ
هيَ أجْمَلُ الأَحلامِ يُورِثُها الشُّيوخُ
لِصِبْيَةٍ يَتَقافَزونَ
ويَمْرَحونَ
ويَكْتُبونَ على دَفاتِرِهِمْ
وعِنْدَ مَخارِجِ الطُّرُقاتِ
منْ خِيَمِ الرَّغيفِ المُرِّ:
"إنَّا عائدونْ".
ويَمُرُّ أعداءُ الطُّفولَةِ،
يَقْرَأُونَ ويَضحَكونَ
ويَقرَأُونَ ويَعْبِسونْ.
فَلْيَعْبِسوا
إنّا على وَعْدِ الصَّباحِ بِأنَّ غائبَنا يَعودُ،
لِيَمْسَحَ الوَجَعَ المُقيمَ
ويَكْنِسَ السّاحاتِ
والطُّرُقاتِ،
مِمّا قد تَكَدَّسَ من رَطانَةِ عابِرينَ...
وعابِرينَ وفاتِحينْ.
إنّا تَعِبْنا من لُغاتِ الفاتِحينَ
فَكُلُّ مُحْتَلٍّ لهُ لُغَةٌ
فَكَمْ لُغَةً سَنُتْقِنُ كي نُتَرْجِمَ
كُلَّ جُرْحٍ من جِراحِكَ
أيُّها الوَطَنُ المُعَلَّقُ
قَبْلَ آلامِ المَسيحِ،على الصَّليبِ،
سَاَلْتُ:كَمْ طُنَّاً مِنَ الصّابونِ،
من صابونِنا البَلَديِّ،نَصْنَعُ
كي نُزيلَ قَذارَةَ المُحْتَلِّ.....
لا أدْري!
وأدْري أنَّ لي أهْلاً يُحِبّونَ الحَياةَ
ولَمْ يزالُوا يَنْقُشونَ على سَواعِدِهم
وُشومَاً عن فِلَسطينَ القَديمَةِ
والحَديثَةِ،
يَزْرَعونَ الأرضَ زَيتونَاً وتينَاً
يَمْلَأُونَ بيوتَهم عَدَساً وقَمْحاً
يَحفَظونَ العَهدَ
فالجُدْرانُ تَحْمِلُ صورَةَ الأجدادِ
والأحْفادِ
ميراثَاً يُوَرِّثُهُ الكَبيرُ الى الصًّغيرِ...
ويَفتَحونَ بُيوتَهُمْ
يَسْتَقْبِلونَ الضَّيفَ بالوَجْهِ البَشوشِ
ويَفْرُشونَ لهُ الوَسائدَ كي يكونَ مُكَرَّماً
فَإذا أُعِدَّ لهُ الفُطُورُ
يكونُ أشْهى ما تُخَزِّنُهُ المُضيفَةُ
لِلأَوانِ الصَّعْبِ،
من جُبْنٍ ومن عَسَلٍ وباذِنْجانَ مكْبوسٍ
وحُلْوِ سَفَرْجَلٍ..
أمّا العَشاءُ فَفَرْخَةٌ مَحْشُوّةٌ بالجَوزِ
واللّوزِ المُحَمَّصِ والأرُزِّ...
كَذا نُكَرِّمُ ضَيفَنا
ونُكَرِّمُ الوَطَنَ الجَميلَ بِما تَوارَثَهُ الجُدودُ
عنِ الجُدودِ الى الحَفيدِ الى الحَفيدِ
الى الحَفيدِ....
يَكْفي الثَّكالى ما ذَرَفْنَ مِنَ الدُّموعِ
فَقَدْ سَئِمْنا زَفَّةَ الشُّهَداءِ بِالوَرْدِ المُدَمّى
والنَّشيدِ
فَتَعالَ يا صُبْحَاً تَجَمَّلَ بِالوُعودِ
واقْرَأْ على الدُّنيا ملاحِمَ صَبْرِنا
واقْرَأْ نَشيدي...
هذا النَّشيدُ كَتَبْتُهُ بِوريدي وجَعَلْتُ حُزْني مَوْقِداً لِقَصيدي
أنا لَسْتُ راوِيَةً أقُصُّ حِكايَةً لكِنَّني بَرْقٌ أُعِدُّ رُعودي
لا يُخْدَعَنَّ مُغامِرٌ بِهَزائِمي وأنا الأمينُ لِثورَتي وَرَصيدي
إنّي أرى أحلامَ قومي أنْجُماً تَمْشي على قَدَمٍ تَخُطُّ حُدودي
وأرى بَيارِقَ تَسْتَعيدُ سَماءَها وأرى الوُجودَ مُتَوَّجاً بِوُجودي
طالَ انتِظاري واحتَرَقْتُ ظَماءَةً والآنَ آنَ تَجَمُّعي وَوُرودي
البقيعة/الجليل
e-mail: [email protected]