كتاب شعر جديد للشاعر البروفيسور نعيم عرايدي

تاريخ النشر 21/6/2009 23:22

بقلم : معين شلبية

المغار الصادر عن دار اليازوري للنشر والتوزيع - عمان

هو البحر...

  • في مطلع هذا الشهر، صدرت مجموعة شعرية جديدة بعنوان "هو البحر" للشاعر نعيم عرايدي،  وقد صدر له من قبل عدد من المجموعات الشعرية وعدة كتب نقدية منها: كيف يمكن أن تحب (1972م). أثداء وقبور (الناصرة ، 1974م). الشفقة والخوف (1975م). كاحمرار الأرض عند المغربين (1976م).كاحتكاك الماء في وجه الصخور (الأسوار ، عكا ، 1978م). كاحتراق الشمس في كل الفصول (الأسوار ، عكا ، 1978م). نافذة على الأدب العبري الحديث (شفا عمرو ، 1984م). قصائد كرملية في العشق البحري (دار المشرق، شفا عمرو، 1984م)، ودراسات نقدية وبحوث في الأدب العربي والعالمي ودراسات في شعر محمود درويش وغيرها في مجال أدب الأطفال على سبيل المثال لا الحصر:

1. سلسلة حكايات شيقة (15 قصة)، وهي مبنية على حكايات شعبية قام بإعدادها.

2 .سلسلة الحيوان الذي هرب من الإنسان. (5 أجزاء) مبنية في الأساس على قصة صغيرة ذكرت في ألف ليلة

   وليلة.      

3. أنا أحلم شعر للأطفال

4. أنا أفهم شعر للأطفال

5. أنا حذر قصة تعليمية للأطفال

6.أحب ركوب الدراجة. قصة تعليمية للأطفال 

 
أما المجموعة الشعرية الجديدة التي جاءت في 120 صفحة تضمنت خمساً وثلاثين قصيدة من بينها قصائد نثرية.

من قصيدة " هو البحر " :

هو البحر

خياله الشرقي سماء

هو الأزرق

وهو الزرقاء

يموج حين يهدأ

ويعصف

إذا لاحت فوق فضائه العنقاء.. 

ومن قصيدة " وحده " :

يأتون خلف السور، ينتظرون آيات معلقة على لوح الحياة

لنقرأ الآيات واحدة فواحدة على مرّ العصور

هنا اعتنقنا مرة حبّ الحياة

وهنا اتفقنا أن نصلي مرة للحرب أو للسلم

أو نهب الزكاة من الزكاة

وهنا سألنا كل أسئلة اليقين

فلا جواب على السؤال. 

ومن قصيدة " رُدوا إلي حبيبتي " :

تركت حبيبتي فارقتها عمرا

من المحن

وواصلت الفراق وخنتها مع ألف امرأة

وما أحسست أني آثم

إلا مع الزمن...

وضاجعت الحضارات الكبيرة

والصغيرة

البعيدة والقريبة

منذ أن أقسمت أني

عائد يوما إلى وطني. 

و قصيدة " لا يزال الجليل يلاحقني" المهداة إلى الشاعر موسى حوامدة: 

لا يزال الجليل يلاحقني أينما كنت

وماضي الجليل وحاضر السنديان

ومستقبل الزيتون وحتى النخيل

فلماذا يا صديقي تحيلني ما ليس بوسعي

وما فوق طاقتي

والى متى ستظل ظلي يا جليل؟

ألم تغب الشمس يومياً لكي ترجع ثم تغيب

فيلبس عريها ثوب الأصيل!

فكيف نكفر وكنا أمواتاً فحيينا

ثم نموت ثم نحيا

ريثما يرحل عن محيانا الرحيل...

نتقمص في الشعر فكرة

وفي النثر بطولة

ونكذب..

ثم نكذب ريثما نصدّق مرة في العمر

أليس أحسن الشعر أكذبه

وأكذب منه أصوات الصهيل؟

إلى متى ستظل تعشعش فوق كاهلي

خطايا المجدلية؟

وخطيئة رُجمت بحجارة المنفى

فهل تصدقني البحيرة إن مشيت على النهر المعمداني

بكل ما احمل من هموم الجلنار في قانا الجليل...

وهل ستقبلني الصخرة الكبرى

إذا أسريت ليلاً إلى يافا

حاملا لوعة البرتقال المبندق

وهل يعانقني عنب الخليل؟

أخي موسى

أنا هارون لو شئت

ولي لغة مع الفقهاء

دعني أكلّم الفرعون عن همِّ الذين

تعذبني مخاوفهم

ففي الكلام شفاء الروح

كما في الشعر كما في النثر..

دعني أواصل كذبتي البيضاء في عزّ الأصيل

كي لا يكون لصورتي ظل يلاحقني

ولا يلاحقني الجليل من البعيد

ولا يعاتبني الجليل. 
 

إن الحالة الجمالية/الإبداعية في هذه المجموعة تؤكد على أن الشعر صياغة لانفعال الذات المبدعة عندما اصطدامها بالحياة أو معاناتها لهذه الحياة، وأن القلق والحيرة والتساؤل والحزن في النهاية تؤدي إلى قوة الانفعال والتي بدورها تولّد الرؤية والرؤيا الشعرية. ومن اللافت للانتباه  المضامين المهمة في المجموعة والتي جاءت متشعبة في نواحي الحياة وخاصة الصوفية منها، كما نرى أن نعيم عرايدي أبدع في فن استعمال الكتابة التجريبية  التي تحتوي على الأدوات الشعرية الهامة كالأساطير والترميز والاستعارات والمجاز والمفردات والمعاني التراثية المستمدة من مرجعيات الحضارة الإنسانية الشاملة.

 

  • ومن الجدير بالذكر وفي مطلع هذا العام صدر عن مركز دراسات وأبحاث "ابن لقمان" في مصر كتاب شعر  للشاعر نعيم عرايدي يضم قصائد قديمة وحديثة، افتتحه الكاتب والشاعر المصري نبيل خالد، رئيس تحرير مؤسسة ابن لقمان بمقدمة للكتاب واصفا مفرداته بالكنوز الشعرية التي تنطق بما في نفس القارئ ولا يستطيع التعبير عنها.

تتحدث المقدمة عن الصوفية الشعرية لعرايدي من خلال مخاطبته للقصيدة ولذاته ، مازجا ذاته بجذوره , وذكرياته بالقصيدة ، ناقلا الانفعال من ذاته إلى داخل القارئ.

تروي قصائد الديوان كذلك رحلة الشاعر بين بحور الشك واليقين ، والوطن حين يسقط الدين والتاريخ على القصيدة متهما الحكام العرب بمأساة شعوبهم.

ويختتم رئيس تحرير مؤسسة كتاب ابن لقمان مقدمته " لم يكن ما كتبت هو عالم عرايدي الشعري لكنني فقط أسلمك مفتاح عالمه الشعري لتفتح وتكتشف بنفسك كنوزه وتتفحص كل صورة شعرية وكيف إنها بمفردها بحر عميق كلما غصت فيه أكثر اكتشفت مفردات كنوز أثمن من كنوز البحر لان كنوز البحر جامدة لكن كنوز عالم عرايدي الشعرية حيّة  تنطق بما في نفسك ولا تستطيع التعبير عنها".

يذكر انه تقوم بتوزيع كتاب البروفيسور نعيم عرايدي مكاتب ومكتبات جريدة الأهرام المصرية. 

لقد جاء في دراسة نقدية لشعر نعيم عرايدي بقلم نور عمرو ما يلي:

في الواقع إن الجمالية في شعر عرايدي ليست مدعاة للدهشة والإعجاب فحسب , بل هي مغرية إلى حد التساؤل : كيف تكوّنت ؟ وما هي المواد المستخدمة في تشكيلها ؟ . وهذا يستدعي بعض التحليل , لكن بعد قراءة النص التالي :

رأيت فوقي نجمتين من الزبرجد  

وغيمة لها شكل خرافي .

عناصر متنوعة تضافرت فتمخضت عن هذه الصورة المبهجة .   أولا :  سلامة اللغة التي هي من شروط جمالية  القصيدة , في رأي النقاد القدامى , وبعض النقد الحديث . ثانيا : التجربة الإنسانية التي هي جزء من المنجز الجمالي في كل الفنون .  ثالثا :  الصفاء الذهني والذي يرتبط في حالات معينة مع البعد الرابع للإنسان ( البعد الروحاني ) , فيبدعان معا جمالا مميزا ؛ وهذا يعيدنا قليلا إلى فلسفة هيغل الذي اعتبر الروح القوة المحركة الوحيدة في التاريخ .  رابعا : اختيار المفردات النادرة الذكية , والتي تتواءم مع طبيعة الفكرة وطبيعة السياق . مفردتان في هذا التعبير المبتكر هما في رأيي الركيزة المعتمدة لهذه الجمالية .

الأولى الزبرجد الذي اتخذ  ثلاثة أبعاد : اللون ـــ  المسافة ـــ القيمة .

فهذا الحجر الكريم النفيس بلونه الأخضر الزيتوني , كان منذ العصور الماضية يغدق البهجة والفرح , ويجلب السعادة والحظ , في معتقدات بعض الشعوب القديمة كالمصريين والصينيين والكلدانيين .

والمفردة الثانية خرافي كمادة خصبة للجدل بين الشك واليقين , مثال الإلياذة والأوديسا وتغريبة بني هلال .

هذه المفردة تثير فينا التصور ,  وربما التخيّل : شكل الغيمة عبر ملامح وهياكل مختلفة : شجرة عجيبة , حيوان خرافي , كتلة من الريش , طيور أسطورية , زعانف لأسماك هائلة , سفينة شراعية وهلم جرا. فنصل بالضرورة  إلى ظاهرة  التداعي  أي الترابط, ترابط الأفكار, استدعاء الفكرة فكرة أخرى في  الوعي.   

وما يميز هذه الظاهرة إنها غالبا عملية مشتركة يقوم بها الشاعر ثم المتلقي : النظر المتأود صعدا استدعى النجم , والنجم بلمعانه وقيمته المادية ليلا .. استدعى الزبرجد , الغيمة بشكلها الفوضوي استدعت الخرافة . كتلة الريش استدعت الطيور , والزعانف استدعت السفينة . وقد يبرز السندباد في قصته مع الحوت الذي نام ألف سنة !

وهذه الظاهرة كما خبرناها في الكتب , كانت معروفة منذ أرسطو , وقام توماس هوبز بربطها بالعملية الخيالية , ثم طورها لوك بحيث تركت أثرا عظيما في الميدان الأدبي  .

ومن أسباب الجمالية عند عرايدي  , إن العبارة في الكثير من نماذجه تجتاز مساحة التقنية (التكتيك ) إلى فضاء العفوية , لتتحد مع البيئة الجغرافية التي لها تأثير مباشر في أداته الكتابية ؛ الجليل الساحر بمكوناته وتاريخه .

وليس شرطا أن يتناول الشاعر الأشياء الضخمة حسية أو مادية كي يحقق الجمالية, فالشاعر الموهوب يحقق ذلك بأشياءَ  صغيرة وعادية جدا, كهذه النبتة في حديقة منزلية:

في حديقتي نبتت سريسة

هكذا ببطء

وهكذا بصمت في قمة الجمال

أراقبها كل يوم, وأفكر في قدرتها

على الاحتمال .

هذا التوافق بين الشعور والخيال والنظر ,  منح هذه الشجيرة  حيوية وجاذبية . وهاهنا استعيد رأي شارل لالو

بحديثه الشائق في علم الجمال: ــــ  إن جمال الشيء لا يتوقف على طبيعته, بل على حرية الإدراك والتخيّل .

وان كانت المرأة في معظم الشعر العربي, خاصة القديم منه, ترفل بحلة من  الأوصاف والنعوت المكرسة لاحتواء جسدها؛ ابتداء من التاج الحرير, إلى أخمص القدم !  فان شاعرنا يضرب صفحا عن هذا التقليدي المبتذل, فيرقى إلى ما هو أسمى  , ذوقا وجمالا:

تعالي نسكن تحت العرائش

في العراء

نأكل  التين والرمان والعنقود

في صبر الوعاء

تجدر الإشارة إن الجمالية عند نعيم عرايدي ليست محصورة في النماذج التي سقناها للدلالة فقط , بل تنداح هذه الجمالية على قسم كبير من أعماله القيّمة , والتي تستحق التقدير , نظرا لأصالتها وانضوائها تحت عريشة أجمل ما قيل في الشعر المعاصر , نهجا فكرا وإبداعا .      
 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.رمال بدويإذا أسريت ليلا إلى يافا. ..حاملا لوعة البرتقال المبندق. . وهل يعانقني عنب الخليل ؟15/10/2014 - 09:40:23 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2441
//echo 111; ?>