بسم الله الرحمن الرحيم
"بلادكم جنة" كثيراً ما نسمع هذه العبارة من الأصدقاء الذين يزورون جولاننا الغالي، خصوصاً في موسم قطف الكرز والتفاح، فينذهلون من المناظر الخلابة الساحرة الجميلة، والثمرات المميزة الشهية الوفيرة، والمساحات الخضراء المزروعة الكثيرة. والتي ربما لا نشعر بها، ونحِنُّ إليها إلا عندما نغيب عن الجولان لبضعة أيام فنشتاق لهوائه المنعش ولأرضه الخضراء ولمياهه الباردة العذبة. هذا الأمر يشبه ما سمعناه عن الفريق أول علي علي عامر من مصر قائد القيادة العربية المشتركة عندما زار جبهة الجولان قبل حرب حزيران سنة 1967 وأعجب من اهتمام سكان القرى الأربع بزراعة الأشجار المثمرة، والكروم المميزة المتقنة. فقال لرفاقه ما معناه: إذا سقط الجولان، فسكانه قد يتركون بيوتهم وينزحون ما خلا سكان القرى العربية الأربع الذين زرعوا بلادهم. فمن زرع شجرة يموت تحتها ولا يمكن أن يتركها، وفعلا ما توقعه حصل. هذه الجنة الغناء، والبقعة الجميلة المدهشة الخضراء، والبلاد السخية الكريمة المعطاء، التي خصنا الله تعالى بها، واجتهد أباؤنا وأجدادنا في زراعتها والتمسك بها والمحافظة عليها حتى أصبحت جزءاً منا تعلقت به عقولنا ونفوسنا، ورمزاً متوارثاً لبقائنا وصمودنا والتي فيها بركة نادرة وسر كبير ربما يعود إلى ألاف السنين حيث كان سيدنا الخضر(عليه السلام) يدوس بأقدامه المباركة عليها ويتجول فيها. كيف لا وهوالعبد الصالح الذي تجول في مناطق عدة، فكانت تخضّر الأرض من حوله فلُقب بالخضر، وتتفجر الينابيع ببركاته وكراماته، وتصبح المياه عذبة ً لعذوبة أنفاسه، والذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الكهف وشهد له بالعِلم أللدني من عند الله تعالى(أي علم الغيب). فقال في الأية65: " فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (صدق الله العظيم). فإذا كانت علومه غيبية فيضية من عند رب العالمين فلا شك أن بلادنا تباركت بتجواله فيها ومكوثه بها. ومن بعده النبي إيليا (ع) ومن ثم سيدنا أبوذر الغفاري (ع). هؤلاء الكبار الذين تباركت بلادنا بوجودهم، واستطابت خيرات ثمارنا ببركاتهم وأنفاسهم الطاهرة. وأما الخضر فقد قيل عنه بأنه شابٌ مليح، حسن الزي حلو الشمائل وطيب الريح، ولد باليمن واسمه بليا، ولُقب بالخضر لاخضرار الأرض حوله إذا جلس يُصلي. اشتهر متعبداً في جزيرة الأندلس وكان وزيراً للإسكندر التبعي الذي ظهر في أخر شريعة إبراهيم (ع)وكان يدعو الناس إلى شهادة "لا إله إلا الله إبراهيم خليل الله"، وكان للمعجزات التي أظهرها السيد الخضر(ع) أثر كبير في انتصارات الملك الإسكندر.
وقيل، إنه شرب من ماء الحياة حتى طال عمره فلحق موسى ناطقا، وعندما أنزلت التوراة على النبي موسى(ع) سأل الباري سبحانه وتعالى: "هل أتيت أحداً من العلم مثل ما أعطيتني؟"، فأجابه: "إن لي عبداً من عبادي أعطيته من العلوم ما لم أعطك" وهو السيد الخضر(ع)،فقال: "يا ربي هل تأذن لي في طلبه ومرافقته؟"، فأذن له وأعطاه إشارة بأنه عندما يضيع الحوت أي السمكة فيرجع ليبحث عنها فسيجده. فقال لفتاه يوشع: "تعال معي لكي نبحث عن السيد الخضر"(ع). وجاء اسمه في القرآن الكريم بالعبد الصالح، وعند اليهود اسمه الياهو النبي، وعند المسيحيين مار الياس، وله قصة مشهورة وصورة متداولة وهو يقتل ألتنين. وله حوالي سبعون مقاما في منطقة الشرق الأوسط لكثرة تجواله وتنقله. بنيت في الأماكن التي كان يتعبد فيها حسب كتاب "طبقات الأنبياء والأولياء الصالحين في الأرض المقدسة" للدكتور شكري عراف.
بدأت قصته في القرآن الكريم من سورة الكهف في ألآية60"وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (٦٠) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (٦١) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (٦٢) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (٦٣) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (٦٤) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادنا أتيناه رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (٧٠) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (٧١) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢) قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (٧٣) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ َلاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)"(صدق الله العظيم). فقال له العبد الصالح: "يا موسى لو صبرت لرأيت ألف عجيبة مثل هذه العجائب"، لأنه كان يعمل بأمر من الله تعالى، فقال له أوصني: قال: "يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها"، ثم قال له: "يسر الله عليك طاعته". فودعه وعاد إلى بني إسرائيلَ وبقي السيد الخضر يتجول في البلاد ويعبد الله تعالى.
وفي الثلاثين من هذا الشهر ستكون زيارة مقامه المبارك في بلدة بقعاثا العامرة والموفقة لمقام الخضر الشرقي. زيارة مقبولة للجميع