منذ يوم الأحد الموافق 2012 / 7 / 15 وحتى يوم الأربعاء الموافق 2012 / 7 / 25 اقيم في قرية حرفيش الجليلية " المهرجان الدولي للنحت على الصخر " .
المهرجان هو المهرجان الدولي الأول الذي يقام في قرية حرفيش، اقيم المهرجان برعاية المجلس المحلي حرفيش وبدعم من قبل وزارة الثقافة والرياضة، رئيس المجلس المحلي السيد صالح فارس والمسؤول عن قسم الثقافة والفنون للوسطين الدرزي والشركسي في وزارة الثقافة والرياضة المحامي مصلح قبلان عملا جاهدين من أجل تحقيق اقامة المهرجان الدولي ، وينسب لهما الفضل باقامة مهرجان النحت القطري في حرفيش في شهر أيلول الماضي من عام 2011 .
نظم المهرجان مدير جمعية " عنات " للثقافة والفنون الفنان التشكيلي جمال حسن وبمشاركة نخبة من زملائه الفنانين التشكيليين وهم : من ألمانية الفنانة ستيفاني كروم – من مستوطنة جينوسار الفنان يوفال لوفان – من طيرة المثلث الفنانة نادية غضبان قادري – من الجش الفنانة مرفت عيسى – من عكا الفنان مارون الياس – من يانوح الفنان هاني خطيب – من المغار الفنان حكمت خريس .
أشرف على المهرجان من قبل المجلس المحلي مدير قسم الشبيبة في حرفيش وصاحب فكرة اقامة مهرجان للنحت على الصخر الشيخ جمال فارس، ومن الجدير التنويه اليه أن الشيخ جمال يعمل مقابل المجلس المحلي في القرية والمؤسسات الداعمة للمهرجان على أقامة المهرجان الدولي للنحت على الصخر في حرفيش بشكل دائم وسنوي .
لازم الفنانين أيضًا من قبل المجلس المحلي عاملا الصيانة في المركز الجماهيري في القرية الشيخ مصطفى بدر والسيدة ظريفة سابق الذان عملا جاهدين على تلبية احتياجات الفنانين اليومية، والمتطلبات التقنية للمهرجان.
خلال أيام المهرجان كان اقبال الجمهور من القرية ومن خارجها لا بأس به، حيث شهد المهرجان هذا العام تزايدًا ملحوظاً باقبال الجمهور نسبة الى مهرجان النحت القطري في العام الماضي 2011. واكب المهرجان يوميًا الفنان والشاعر والناقد الفني ابن قرية كفر ياسيف كمال ملحم. كذلك حظي المهرجان بزيارة عدة فنانين تشكيليين وشعراء وأدباء منهم الفنان عوني حلبي، والفنان فارس حمدان، والفنان زياد حمود، الكاتب والشاعر ابراهيم مالك، الكاتب والشاعر أسامة ملحم، وكذلك اساتذة وطلاب مدارس وشخصيات اجتماعية وتربوية من سكان القرية ومن القرى المجاورة .
مع انتهاء المهرجان الدولي... من صخر حرفيش الجليلي الصلب المعروف بميزاته الجمالية والفنية و التاريخية، أنجز الفنانون ثمان منحوتات فنية غاية في الجمال والابداع الفني، نصبت جميعها في الجهة الشمالية للشارع الرئيسي في المدخل الغربي للقرية .
يوم أمس الأربعاء برعاية المجلس المحلي/ حرفيش أقيم حفل خاص في مطعم " لؤلؤة الجبل " في حرفيش، كُرم به الفنانين المبدعين تقديرًا على عطائاتهم الفنية ، حيث قام الشيخ جمال فارس نيابة عن المجلس المحلي بتقديم شهادات تقدير لجميع الفنانين وشكرهم على جهودهم المبذولة ومساهمتهم في ترسيخ الحضارة الجليلية من خلال منحوتاتهم وأعمالهم الفنية.
نظرة تحليلية لاعمال مهرجان النحت الدولي على الصخر في حرفيش – تموز 2012 كتبها الفنان والشاعر والناقد الفني كمال ملحم من كفر ياسيف خلال مواكبته للمهرجان :
"لم ولن يفاجئني حجر الصخر الصلد الجليلي الراسخ منذ القدم وقد انتقاه الفنانون من اراضي قرية حرفيش الجليلية . وكان صباح وكان مساء وبدأ مهرجان النحت الدولي يؤتي ثماره ، المهرجان الذي تنظمه جمعية " عنات " للثقافة والفنون ، وقام ابن قرية جولس الفنان جمال حسن بتنظيم المهرجان وبمشاركة نخبة من الفنانين التشكيليين : الفنانة ستفاني كروم من المانيا والفنان يوفال لوفان من مستوطنة جينوسار والفنان هاني خطيب من قرية يانوح والفنانة مرفت عيسى من قرية الجش والفنان مارون الياس من عكا والفنانة نادية غضبان قادري من طيرة المثلث والفنان حكمت خريس من قرية المغار .
استمر المهرجان 7 / 15 وحتى 7 / 25 وقد تنوعت المنحوتات الفنية بمواضيعها المختلفة من جسد المرأة رمز له دلالته ذات الابعاد الفلسفية الوجودية لدى الفنانة ستيفاني كروم وهو رمز يتكرر في كثير من أعمال الفنانة الموزعة في عدة دول ومبتكرة من عدة مواد مختلفة منها الصخر والحديد والخشب والشمع. وفي كل مرة تتشكل المنحوتة بمفهوم جديد، كذلك عملها في المهرجان في حرفيش يأخذ فكرة المرأة التي ربما كانت عنات آلهة الخصب والتجدد في الحضارة الكنعانية ، أو هي عشتار أو ازيس أو فينوس الخارجة من الأساطير ، والعمل بحد ذاته يبدو وبتناغم وانسجام تامين ويثبت قدرة الفنانة الى جانب اتقان اللعبة الفنية من حيث المدلول المرئي وملامس السطوح والاشكال الهندسية من دائرية الى حادة الزاويا .
وتأتي الفنانة مرفت عيسى لتجسد من صخر الكريستال الجليلي بالوانه الجميلة السكري والأحمر والبني والأبيض كما الزجاج البلوري، وقد انطلقت الفنانة في عملها النحتي لتجسد لنا امرأة تتحفز للانطلاق وهي تحمل فوق كاهلها الكثير، والعمل منجز ليس باسلوب واقعي وانما بشكل ترميزي يحتاج من المشاهد وقفة تأمل كي يستوعب جمالية العمل الفني سواء كان ذلك بتناغم ملامس السطوح ما بين الناعم والخشن والطبيعي الى جانب بعض الأساليب اليدوية المبتكرة .
وقد لاحظنا القفزة النوعية لدى الفنان مارون الياس وهذا عمله النحتي الثالث من نوعه والذي يجسد لنا امرأتين تتعانقان وباسلوب غير واقعي. وقد اتقن الفنان مارون عمله ما بين الكتلة والفراغ وملامس السطوح والانسيابية الجميلة .
وكفلاح ابن بيئته مع انفتاح على المخزون الثقافي والفني لمختلف الحضارات، ابدع الفنان جمال حسن في عمله النحتي وهذا ما عودنا عليه دائما، وقد أخذ ورقة الزيتون بمدلولها وايحاءاتها ، وبدأ يطوع الصخر الصلد لتبدو ورقة الزيتون وهي تمازج بين الواقعية والا واقعية وقد اتقن جمال اللعبة الابداعية مع انسايبية مميزة وملامس سطوح بين الناعم والخشن والمسمسم والطبيعي، أما الثقوب في ورقة الزيتون تقودنا الى فهمها بمدلول وجودي يتخطى الزمان والمكان ، أما القاعدة والتي نحت فيها الفنان جمال حسن وبشكل غائر وبارز شكل بوصلة او ربما هي الرمز الاسطوري.
ولم يفاجئنا الفنان حكمت خريس بمنحوتته الرائعة وقد عرفناه الى جانب عمله التشكيلي موسيقيًا يعزف على آلة الأورغ ، فجاء عمله الحالي ليجسد لنا آلة الاورغ ما بين الواقعية والخيال مع انسيابة الخطوط كانها اللحن الموسيقي الرائع أو كما الشلال الهادر مع تناغم الوان المنحوتة بين الابيض والاسود، وهكذا يكون الفنان قد اتقن اصول اللعبة الفنية بالاضافة الى فهمه لتجاور ملامس السطوح بحيث يكمل بعضها بعضًا .
والفنانة نادية غضبان قادري تطل علينا بمنحوتة جميلة تجسد لنا اوراق التين وثمارها بين الواقعية والترميز وبين الحبال التي تلتف حول حملة الحطب التي كانت تحملها النساء في الماضي، وبمدلول الرموز والموتيفات تأخذنا الفنانة الى عوالم تراثية اشتقنا اليها، اما ملامس السطوح ما بين الناعم والخشن والخطوط الانسيابية وطبيعة الصخر البكر فكلها ساعدت على جمالية العمل النحتي.
وقد تعودنا على مفاجئات الفنان هاني خطيب في اختيار مواضيعه النحتية محاولاً تطويع الصخر الصلب ليجسد لنا شرشفًا حريريًا تلامسه الايدي لتحوله الى عمل نحتي يتخطى صلابة الصخر، وهذا ما ظهر في أعمال الفنان هاني خطيب في أعماله النحتية الأخيرة، اما موضوعه الحالي في منحوتته فكان تمطط الاشياء حتى الصخر منها وقد جعل الصخر يتمطط كالارغفة التي ترمز للحياة وقدرة الانسان ان يحيل الصلد الى شيء يتحدث الينا ويخاطبنا بفنية العمل النحتي وجمال الكتلة ما بين الفراغ والناعم والطبيعي.
أما الفنان يوفال لوفان الذي اكتشف واخيه قاربًا قديمًا يعود الى ما يقارب ألفي عام في بحيرة طبريا أثناء اصطيادهما الاسماك ، وكانسان يشغله حبه للكائنات الحية البحرية ، قد أنجز منحوتة تجسد شكل سمكة قد تبدو للوهلة الأولى حقيقية، ولكن اذا تعمقنا وامعنا النظر في المنحوتة نرى فيها الملامح الاسطورية المجنحة للسمكة ، وربما تكون معجزة الارغفة والسمكة للسيد المسيح قرب البحيرة لها رابط وثيق مع مخيلة الفنان، او ربما هو خيال مبدع تعود على النحت في صخر البازلت الاسود الى جانب الصخر الجليلي. وقد نحت لنا الفنان يوفي السمكة من الجانب الامامي مع خطوط واشكال انسيابية ودائرية وملامس سطوح ما بين الناعم والمسمسم والخشن ، وترك مفعول الطبيعة على الجانب الخلفي للصخرة.
تمتعت كثيرًا وانا استنشق غبار الصخر في هذا المهرجان الدولي الحرفيشي الجليلي، واواكب تنفيذ الاعمال الفنية النحتية المنجزة باتقان ومهارة وتفكير عميق .