خرجت علينا بعض الأصوات النشاز لتطال تورية تارة وجهارا حينا الانتماءات الوِلاديّة لبعض رموز اللجنة الشعبيّة للتضامن مع سوريّة وقيادتها الوطنيّة، لم يكن هذا غريبا علينا فدائما كان مثل هؤلاء بين ظهراني أمتنا ومن أبوابهم دخل الأعداء حياض الأمة دائما وعلى مرّ التاريخ الطويل.
مع بداية احتلال الانجليز لفلسطين رأت الطليعة الوطنيّة الفلسطينية أن الرد على التحالف الصهيو – إنجليزي هو في توثيق عرى تحالفهم مع الحركة القوميّة العربيّة عامة، فتبنّت العلم العربيّ والنشيد القوميّ العربيّ ، نشيد الثورة العربيّة. وخرج المؤتمر الفلسطيني الأول الذي عقد في شباط 1919 في القدس بقرارات منها: "القرار الأول: إننا نعتبر فلسطين جزء من سوريّة العربيّة إذ لم يحدث قط أن انفصلت عنها في أي وقت من الأوقات. ونحن مرتبطون بها بروابط قوميّة ودينيّة ولغويّة وطبيعيّة واقتصاديّة وجغرافيّة. القرار الثالث: بناء على ما تقدّم، إننا نعرب عن رغبتنا بان لا تنفصل سوريّة الجنوبيّة أو فلسطين عن حكومة سوريّة العربيّة المستقلّة وأن تكون متحررة من جميع أنواع النفوذ والحماية الأجنبيّتين."
في تموز من نفس العام 1919 عُقد المؤتمر السوريّ الأول بمشاركة فلسطينيّة فاعلة، وجاء في قراراته: "إننا نرفض مطالب الصهيونيين بجعل القسم الجنوبي من البلاد السوريّة أي فلسطين وطنا قوميّا للإسرائيليين ونرفض هجرتهم إلى أي قسم من بلادنا..."
لكن بريطانيا أخرجت إلى العلن في أيلول 1919 مؤامرتها مع فرنسا والتي كانتا اتفقتا عليها سرّا عام 1916 والمعروفة بمشروع "سايكس – بيكو". فكتب عزّت دروزة في صحيفة الأردن الدمشقية: "ليس من حقّ ممثلي الشؤون الانجليزيّة والفرنسيّة والصهيونيّة أن يفعلوا ما يشاءون ببلد تحرر بفضل دماء أبنائه الذين هم على استعداد لسفك المزيد من الدماء، إن دعت الضرورة لتحقيق أهدافهم."
هذه كانت مواقف أسلافنا من الوطنيين العروبيين القوميين السوريين والفلسطينيين في هذا السياق، دفعوا الكثير من الدماء في سبيل تثبيتها وتحقيقها على مدى ثلاثة عقود من الزمن، هي زمن الوصاية، وما زالوا بعد أن حققت هذه الوصاية أهدافها.
في كتاب "فلسطين والحاج أمين الحسيني" قائد الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة نجد هذه الحادثة:
"في الخامس عشر من تشرين الأول 1924 في الساعة الثالثة صباحا طرق طارق باب سماحته، لقد جاء هذا المجهول من سوريّة بعد أن قطع على قدميه الطرق الجبليّة الوعرة القائمة بين السويداء والقدس ولقد عرفه سماحته رغم تخفيه. كان الرجل رشيد بيك طليع (له باع طويلة في الحركة العروبية بدء بثورة 1916)... عندما رأى الاستغراب الذي أحدثته زيارته المفاجئة على وجه المفتي الأكبر قال له شارحا مهمته: ستقوم الثورة في سوريّة خلال أيام وقد كلفتني القيادة بالاتصال بك كي أحيطك علما بذلك فتقوم نحوها بالواجب. إن سلطان الأطرش والدكتور شهبندر يرجوان أن تساهم بدفعة أولى 1000 ليرة ذهبيّة. ستأخذها في الصباح !. ولكني لا أستطيع الانتظار حتى ذلك الوقت فالزمن يلح ويجب أن أعود في الحال ولا تنسى أني ملاحق من قبل الإنجليز. عندئذ أيقظ المفتي الأكبر حارسه وأرسله في الحال إلى مدير البنك العثماني ومعه كتاب يطلب فيه أن يسلّم حامله المبلغ دون تأخير، وسلمها إلى رشيد طليع وأرسل برفقته حرسا، ثلاثة من خيرة أعوانه فرافقوه حتى السويداء... وللواقعة تتمّة".
هذه هي العلاقة بين هذين التوأمين شمال وجنوب سوريّة الأم والتي رسخها الكبار جسدا وروحا ضد نفس أعداء اليوم، ولم يتوانَ التوأم السوري في نجدة أخيه لا في العام 1936 ولا العام 1948 ولا في كل الأعوام التي تلت. كان بين ظهراني الأمة حينها من حمل خناجر الأعداء غارسها في الظهر، فكان في سوريّة سليم الأطرش وأمثاله وكان في فلسطين فخري النشاشيبي وأمثاله. وليس الحال بمختلف اليوم ففي سوريّة كما فلسطين هناك أحفاد للشهبندر والأطرش والحسيني وهنالك أحفاد لسليم وفخري، تغيّر الأشخاص ولكل أحفاد من نوعه والأعداء بقوا نفس الأعداء.
حتّى لا ندخل في نقاش عقيم مع من يعتقد أن في سوريّة ثورة وإن كانت بعض مركّبات المعارضة تعتقد ذلك، يكفينا أن نقول: لو أن بشار الأسد رفع سماعة التلفون في 16 آذار 2011 لأوباما أو التقى مخابراته لاحقا في لندن ل"سوّى" كل الأمور ولكانت "الديموقراطيّة الوهابيّة" لا تعرف أين تخفي وجهها حياء من ديموقراطيّة وتنوّر بشار ونظامه ببعثيته و"علويّته" ولصار يُضرب فيهما المثل في التنوّر وضمان الحريّات وعلى رأسها الزواج المثليّ انطلاقا من الليبراليّة الغربيّة ضمانا لحريّة الأفراد (!).
كنّا كفلسطينيّين وبالذات في ال-48 نسيء إلى التاريخ ونسيء إلى تراث هؤلاء الأسلاف إساءة لا تُغتفر لو لم نقم لجنة شعبيّة للتضامن مع سوريّة وقيادتها الوطنيّة، في وقفتها ضدّ هذا التحالف الغريب العجيب بين الجاهليّ التكفيريّ والصهيونيّ الكولونياليّ والعثمانيّ الطورانيّ والأكاديميّ اليورو- دولاريّ وتحت عباءات "أحباء الأمة"، الغرب، المنسوجة خيطانها من عرق ودماء شعوب الأرض بدء من الهنود الحمر مرورا بالهنود السمر وانتهاء بالعرب بكل مكوناتهم. وفعلا قامت اللجنة كحتميّة تاريخيّة من فاعليّات لا يشوب تاريخها ولا حاضرها أي انتماء غير الوطنيّ القوميّ العروبيّ والتقدميّ والدينيّ السمِح، وعلى الأقل ليسوا كما البعض من "المصنّفين" الناس بدء بالقيادة السوريّة وانتهاء برموز اللجنة، أبناء ولا أحفاد لا بيولوجيّا ولا سياسيّا من هادنوا، وبكلام مخفّف، أعداء شعبهم أو أمتهم يوما لا قبل ال-48 ولا خلالها ولا بعدها و"اللبيب بالإشارة يفهم".
الأمر الطبيعيّ أن لا يروق الأمر للمؤسسة الإسرائيليّة فتخرج بكل مكوناتها وبالذات الإعلاميّة تحريضا على اللجنة ورموزها، وخصوصا بعد المهرجان الذي أقامته اللجنة في ما اعتبرته المؤسسة عقر الدار- حيفا. والأمر الطبيعيّ أن لا يروق الأمر للبعض أشخاصا وفاعليّات لا نقاش لنا على وطنيّتها كبعض من الحركات الإسلاميّة وبعض من الأكاديميّين الليبرالييّن. ولكن غير الطبيعيّ أن يُشير هؤلاء أو غيرهم خفية في الحلقات "المذاكراتيّة" وعلنا على الصفحات "الفيسبوكيّة" تورية إلى الانتماءات المذهبيّة الولاديّة لبعض رموز اللجنة، فهذا إن دلّ على شيء فيدل على ما يدور في السرائر "الذي في بال الشيخ يهدس فيه"، وحقّنا حينها أن نقول أن هذا ما يقف وراء موقفهم من سوريّة ولو على الطريقة التشيرتشليّة الانتهازية "التحالف مع الشيطان"، وهم من حريّة الشعب السوريّ براء، ولن تستر هذا الموقف مليون عباءة ولا بليون غربال ولا ترليون فتوى، وحقّنا حينها أن نقول أن القول عن علويّة بشار وشيعيّة نصرالله ليس قول جهلة من بسطاء الناس وإنما هنالك من يلقنهم ذلك.
كانت خلايا الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة منذ أن غدر الطورانيون الأتراك العرب في بداية القرن الماضي وخلال الثورة العربيّة الكبرى وبعد احتلال الانجليز والفرنسيين "حلفاء اليوم" لبلادنا، كانت هذه الخلايا: "اللجان الوطنيّة الإسلاميّة المسيحيّة"، فشكلّ الإنجليز والصهيونيّة خفاء "اللجان الوطنيّة الإسلاميّة" وبرئاسة حسن شكري رئيس بلدية حيفا حينها والذي ما زالت إسرائيل تكرّمه بشارع على اسمه في حيفا، أيصحّ أن نقول ما أشبه اليوم بالأمس؟!
وإن لم يكن كل هذا بكافٍ، فمديريّة التوجيه في الحركة الصهيونيّة في العام 1920 وبناء على طلب حاييم وايزمن رئيس الحركة الصهيونيّة حينها والرئيس الأول لدولة إسرائيل لاحقا، أصدرت خارطة طريق للتعامل مع الفلسطينيين إحدى إحداثياتها كانت: "يجب رصد الخلافات بين المسلمين والمسيحيين وتأجيجها حيث وُجدت وإيجادها حيث لا توجد"، فهل من مرعوٍ؟!