إذا كان من يعتقد في حكومة إسرائيل، أن احتجاج رؤساء السلطات المحلية الدرزية المضربين منذ شهر في خيمة الاعتصام، أمام قرية الحكومة، في القدس سينتهي بدون نتيجة ، كما حدث في السابق، فهو مخطئٍ جداً.
فقادة الاحتجاج لا يمكنهم العودة إلى بيوتهم في شمال البلاد بدون أجوبة حقيقية على مطالبهم، لانهم ضجروا من هذا الواقع، مثلما ضجر كثيرون من ابناء الطائفة خاصة الشباب منهم. ضجروا من سياسة حكومة إسرائيل الحالية، ومن الوعود المتكررة التي لا رصيد لها، ضجروا من ديماغوغية ما يسمى بـِ"حلف الدم" بين الدروز واليهود، في حين لا يوجد لهذا الحلف أي معنى حقيقي، سوا تراكم الشعور بخيبة الأمل والإحباط ، مما يهدد المستقبل المشترك بين الطرفين.
وللحقيقة لم يكن في الفراغ ما وصفه رئيس المخابرات في مؤتمر هرتسليا الأخير، حين قال" الدولة تخسر الدروز"، فأولائك الجالسون في خيمة الاعتصام، هم الذين رفعوا لواء الحلف المتبادل والعيش المشترك وطبقوه. إذ يجلس بينهم رئيس مجلس دالية الكرمل، كرمل نصر الدين، ابن رئيس الحركة الصهيونية الدرزية، وكذلك وجيه كيوف من رؤساء حزب العمل في الوسط الدرزي، وعضو الكنيست أكرم حسون من رجالات حزب كديما.
ولهذه الحقيقة لا يوجد أي تفسير، مع العلم انه قد مر 58 عاماً على وعد رئيس حكومة إسرائيل الأول دافيد بن غوريون بإقامة قرية درزية جديدة للجنود الدروز المسرحين، على الرغم من قيام عشرات القرى والمستوطنات اليهودية في مختلف أنحاء إسرائيل وفي المناطق، في حين بقيت تلك القرية الدرزية يتيمة التنفيذ.
كيف يمكن شرح حقيقة مرور 46 عاما منذ ان وعد رئيس الحكومة ليفي إشكول، أثناء زيارته للرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ أمين طريف، بتطبيق المساواة الكاملة بقوله "مثلنا مثلكم" ولكن منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، المكان الوحيد الذي يشعر فيه الشباب الدروز "مثلكم" هو خلال الخدمة العسكرية وبحروب إسرائيل.
وما المبرر بأن 42 عاما قد مرو ولم تنفذ اية توصية من توصيات لجنة بن دور، التي أقامها إسحاق رابين لحل ضائقة الوسط الدرزي وفي مقدمتها قضية البناء. وبالرغم من توصياتها، شيئًا لم يتغير، بل زاد الوضع تأزمًا حيث تبقى الخرائط الهيكلية معلقة سنوات وسنوات، بدون اية خطط بناء واقعية. مع العلم أن الخرائط المعتمدة في بعض القرى الدرزية أقرّت في لجان التنظيم والبناء عام 1976.
مقابل هذا تُنفذ كل يوم قرارات حكومية تزيد وضع الطائفة سوءا. هكذا مثلا تستمر حكومة إسرائيل في مصادرة الأراضي، حيث صودرت منذ إقامة الدولة حوالي 70% من أراضي الدروز، وبني عليها 24 مستوطنة لليهود. ومن ناحية أخرى لم تُبنَ ولا منطقة صناعية في القرى الدرزية تستوعب الجنود المسرحين، الامر الذي ادى الى ازدياد نسبة البطالة في القرى الدرزية لتعلن الحقيقة المرة.
إن الجيل الصاعد من ابناء الطائفة الدرزية، قد توقف منذ زمن طويل في التحدث عن المساواة والحقوق مع الأغلبية اليهودية، وكأني به يطلب قبل كل شيء مساواة مع حظائر البقر في المستوطنات والكيبوتسات المجاورة، المربوطة بشبكة الكهرباء.
أن تخوفات رئيس المخابرات امام هذه المعطيات لها أسس وجذور، فهو يعرف جيدا أنه عندما يفقد الشباب الأمل، ويصغر حلمهم إلى ابسط الحقوق بالارتباط بشركة الكهرباء، فمن الطبيعي أن يحدث تنافر وتصدع غير قابل للمعالجة. من المؤسف جداً أن الحكومة الحالية لا تفعل شيئا، لتثبت أن الدولة حتى الآن لم تتنازل عن الطائفة الدرزية.