نظــــــــــــــرة في الـحــــــــــــــــرّيـــــــــــــة !!!
(جزء 2/1)
ليس الحرية ان نسخر من الاديان ومن جاء بها، او نمس بمعتقد امة كاملة، ونقول اننا نعيش في زمن حرية الرأي والكلمة والتعبير، كما فعل مؤخرا مخرج الفيلم المسيء للإسلام والمسلمين، ولشخص الرسول الامين صلوات الله عليه، والذي هزّ العالم الاسلامي بأكمله والغير اسلامي، وبات كوكبنا الارضي اشبه ببركان يغلي، ويقذف حممه البركانية غضبا ودفاعا عن رسول الله الكريم عليه افضل التحية والتسليم، كيف لا ؟ وهي نبي الرحمة المصطفى المختار، الذي اصطفاه واختاره تعالى من بين الرسل ليختم به حلقة الانبياء والرسالات السماوية، ويتم به نوره على الخلق اجمعين، وهدى وصراطا مستقيما، ومبشرا ومرشدا ونذيرا، الى يوم الدين، كما قال تعالى : " نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه، وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس، وأنزل الفرقان "، وأيضا معترفا بمن سبقه من الانبياء والمرسلين، بقوله تعالى : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا "،
فمس معتقد امة من الامم على الملأ، وبدون حساب ضمير وتفكير في العواقب، هو تحري وتحدي وإعلان ودق طبول حرب طويلة، لا يمكن اخمادها مهما طوت عليها الايام والسنون، لان البشر جميعهم مَعقودون بحبائل عقائدهم، ومجبولون بهان ويعملون طقوسهم وتقاليدهم عليها، وأي مس لمعتقد ما، هو هدم لأساس البناء المبني عليه هذا المجتمع.
وما هذا الفيلم إلا تعبير عن ضمير يخفي في طياته حقدا وكراهية لنبي الاسلام والمسلمين، دون الوقوف على الرسالة التي اتى صلى الله عليه وسلم، والتحقق من رسوليته، التي انبأت عنها كل من التوراة والإنجيل، وبشرت بظهور هذا النبي العربي، كما قال تعالى في القران : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي، الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل"،
وكما جاء في سفر التثنية في التوراة: " وهذه هي البركة التي بارك بها موسى، رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال : "جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة لهم"، فشريعة موسى –ع- من طور سيناء، وتبشير يسوع من سعير وهي أرض الخليل ، وظهور محمد (ص) من جبل فاران في مكة، وكما جاء في الإنجيل ( يوحنا 16: 12-14): " إن لي أموراً كثيرة أيضاً لا أقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن ، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما سمع يتكلم به ، ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني"،
وإنما الحرية كما يقول المثل الأميركي(أمريكا أم الحرية) : " تنتهي حريتك عندما تمس يدك الممدودة أنف رجل آخر" ، أو كما يقول مونتسكيو : " تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين "، ويقول فيكتور هيجو: " الحرية هي الحياة، ولكن لا حرية بلا فضيلة"،
والحرية كلمة يساء فهمها بسهولة، فهي لا تعني أن نقول أو نفعل كل ما نفكر به، بل أن نفكر بكل ما نقول ونعيه، فاحترام الاديان وكل الاديان هي فوق كل الحريات، ولا يجوز لأي حرية ان تتجاوز تلك القدسية للأديان، والمس بمشاعر المؤمنين بها، فجميع الاديان هي وحدة تكاملية لعالمنا، واحترامها يضمن لنا العيش باحترام وسلام، لقوله تعالى : " جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" .
ان الحرية لها حدود وضوابط ومسارات، كمسارات الكواكب والأفلاك والنجوم، وكل خروج عن هذه الحدود والضوابط والمسارات تحدث خرابا ودمارا وتصادما واحتكاكات ، لأن كل شيء له مساره وبه مستقره، كالشمس التي تعطي عالمنا الضوء، فهي تسير بنظام كقوله تعالى : " والشمس تجري بمستقر لها "،
ففائدة الشمس انضباطها في مسارها، فلو خالفت هذا المسار لتلاشى الكون، فتجاوز الإنسان لمسارات الحرية يعود عليه بالوبال، لذلك يقول مونتسكيو: "الحرية هي الحق في أن نعمل ما يبيحه القانون"، ويقول غيره : " الحرية من غير قانون ليست سوى سيل مدمر "، ،وقال أدريه موروا: " الحرية والمسؤولية توأمان، لو انفصل أحدهما عن الآخر ماتا جميعا"، فلا شيء أسمى ولا أثمن للإنسان من الحرية، تلك الحرية التي يرتكب الإنسان من أجلها الجرائم والحروب، فأقسى ما في الحياة أن يُسلـَب المرء حقه في اختيار الحياة التي يريد، لأن الحرية ضرورية للإنسان كما للحيوان، كضرورة الهواء للجسم، والروح للجسد، والماء للسمكة، والضوء للعين، والابتسامة للحزين، والدواء للعليل، وقطر السماء للأرض، والمعلم للتلميذ، والحرف للكلمة، والصوت للحنجرة، والنغم للموسيقى، والنكهة والملح للطعام إلخ...
لذلك يقول ميخائيل نعيمة: " الحرية أثمن ما في الوجود، لذلك كان ثمنها باهضا"، وقال أحمد لطفي السيد: " إني لأعجب من الذي يظنّ الحياة شيئا والحرية شيئا آخر، ولا يريد أن يقتنع بأن الحرية هي المقوّم الأول للحياة وأن لا حياة إلا بالحرية"، ويقول أحد علماء النفس: " أنه من خلال الاختيار وحده فقط تبلغ النفس ذاتها الحقيقية"،
فالحرية هي السعادة بأكملها التي تنعش الإنسان فتجعله يقضي عمره في طلبها، لذلك قال فرناندو فانديريم : " ليس هناك أحرار تماما، لأن هناك عبيدا لحريتهم"، فالبشرية في عصرنا هذا أساءت فهم الحرية، فجعلتها مطلقة لا حدود لها ولا ضوابط، فطلبتها بكل ثمن متجاوزة كل الحدود والقوانين، حتى أصبحت الحرية كسيارة تعطلت كوابحها وفراملها في منحدر والعاقبة في غامض علم الله،
فعالمنا اليوم بات عبدا للحرية، مما جعل الشعوب تقوم على زعاماتها وتجعلهم أسرى لحريتهم، وهذا جعل الرعية تقود السلطان مما أفقده السيطرة عليهم وساد الرعية الفلتان، وهذا أفسد النظام الذي تقوم عليه الدولة، فأصبح الفارس عبدا لفرسه، وكما قيل عن الفارس أنه يستطيع أن يمنع فرسه من دخول الباب في أول الأمر ولكن إذا حاول إخراجها عند دخولها ترفسه رفسة قاتلة لتمكنها من الدخول، وهكذا الحرية عندما تتمكن من عقول البشر تنهزم أمامها الملوك والسلاطين،
فالحرية الحقيقية هي التخلص من أثقال الجسد قيوده وتكاليفه وشهواته، ولا يتم هذا إلا بالتجرد من أهواء وغايات النفس النابعة من حب الذات التي هي الأنانية والتي تجمع داخلها أفكار السوء والحقد والكراهية والبغض والحسد والعنصرية الخبيثة التي تشعر الإنسان أنه أفضل أو أحسن من غيره بمجرد كونه ينتمي إلى فئة معينة جعلت لنفسها ميزة خاصة، فصارت مختصة في نظر ذاتها، ومكروهه في نظر غيرها، وهذه العنصرية أي الأنانية وحب الذات هي أساس تدهور الإنسانية، وتقييد الحريات، وكما قال أحد الصوفيين : " أن على الإنسان أن يتجرّد من نفسه الشريرة كما تتجرد الأفعى من جلدها أي قشرها ويعني ظلمتها الكامنة فيها"،
لكن لا توجد حرية مطلقة ، فالإنسان في الحقيقة هو عبد مهما حاول التحرّر ، فهو عبد أولا واخزا لخالقه ، وعبد لجسده وعبد لتفكيره وعبد للبيئة والطبيعة وعبد لأهوائه شهواته وغرائزه وحتى أنه عبد لحريته التي يطلبها، لأن طلب الحرية تجعل الإنسان عبدا لها، وكقول أحد الحكماء : " الناس كلهم في الذل من خوف الذل، وفي الفقر من خوف الفقر "،
فالحرية التي يطلبها الإنسان هي أن يتجرّد من كل قيد وهذا شيء مستحيل ، لأن الإنسان إذا جاع فإنه يصبح عبدا لرغيف الخبز ولبطنه ، فمبالغة الإنسان في طلب الحرية تجعله يضيع في فلكها فيفتقد الصواب والهدف وتصبح حياته بلا معنى، لأنه لا يجد الراحة والاستقرار والهدوء والطمأنينة، يتبع في العدد القادم .
نظــــــــــــــرة في الـحــــــــــــــــرّيـــــــــــــة !!!
(جزء 2/2)
ان الحرية بمفهومها الصحيح هي أن يدير الإنسان نفسه بنفسه، ويكون مخيّرا في أعماله يفعل ما يشاء، ولكن دون أن يقوم بأعمال منافية للأخلاق والفضيلة، ومؤذية للآخرين، فلا يسرق ولا يقتل ولا يزني ولا يكذب ولا يشرب الخمر ولا يتعاطى السموم والمخدرات التي تفتك بصحته وسلوكه ، وأيضا لا يحسد ولا يغتاب ولا يتعاطى النميمة والفساد بل يقوم باحترام الآخرين، ويتواضع لهم ، ينصت لكلامهم ، يحترم ما يقولونه ، ولا يتقوّل عليهم أقاويل وأباطيل واتهامات، ولا يثير شكوك في الناس ومن أوكل عليهم، فيحط من قدرهم بمجرد أهواء شخصية هدّامة وأفكار سوء نابعة من قلب خبيث، فاللسان أبو الكبائر وهو ترجمان القلب، والقلم أحد اللسانين ايضا، والمثل يقول: " لسانك أسدك إن صنته حرسك وان خنته افترسك "، فسوء ظن العبد بغيره من الناس تأتي من سوء العمل لأنه كما قال الشاعر أبو الطيب احمد المتنبي :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم ،
لقد اراد الله عز وجل من الانسان ان يكون حرا، حرا من رق نفسه، حرا من رق واستعباد البشر، حرا من رق الدنيا ومقتناياتها وملذاتها، فطالبه بالزهد في حطام الدنيا الفاني، واتباع الباقي الذي هو عمل الاخرة، ليصبح حرا طليقا من حب الشهوات ومتاع الدنيا، وجعل له الدين يسرا وليس عسرا، ورقا فيه سعادة لا توصف، لأنه متصل بالحق تعالى الذي هو عدل لا يجور، ولا يحمل نفسا إلا وسعها، لتصح عبادته تعالى على الوجه الصحيح، وبذلك عبده يسعد في الدنيا والآخرة،
فالله عز وجل خلق الخلق وخيّرها في اعمالها، ولكن جعل لها يوما لحصاد تلك الاعمال من خيرها وشرها، وهو يوم القيامة ويوم الحساب ويوم الدين، بقوله : " من عمل صالحا فلنفسه، ومن اساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد"، فهو تعالى جعل السبيل إلى إدراك وجوده بالعقل ، الفاعل الغير مفعول، ليميز به الخوارق والمعجزات ونحوها، ويتفكر في خلق السموات والأرض، والليل والنهار وتناوبهما، وبكل ما صنع القادر الحكيم الخبير العليم، لان الكون ملآن من عظمة الله، وهذه العظمة تحتاج الى تفكر واعتبار، ولا يتم هذا إلا بواسطة العقل، الذي يعقل الانسان به الاشياء، قال تعالى :" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي "، فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه فيما سواه، وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه، لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مجبر، مختاراً غير مكره، فهو مخيّر وليس مسيّرا، يفعل ما يشاء، ولكنه محكوم بالإرادة كقول احد الحكماء : " فانتم كعصفور مسجو في قفص الارادة"، فبالرغم من الله تعالى اعطى الانسان حرية العبادة والحياة، فهذا لا يخرجه من قبضة ارادة الله العادل في القضاء، فأعمال العبد مردودة اليه، والعبد عليه ان يرضى بكل ما يكتبه الخالق عليه م مح الزمان وصعوبته وسعادته على حد سواء، والذي في الحقيقة هو الذي كتبها على نفسه أي العبد بما قام به من اعمال .
واليوم ما يعاني منه البشر في ظل الحريات، حرية الكلمة، وحرية التعبير، وحرية الرأي، ما يسمى بحرية الصحافة، والتي يطلق عليها السلطة الرابعة، تلك السلطة التي باتت تدب الخوف والذعر في قلوب رجال الساسة قبل المواطن البسيط، خوف الفضيحة والتشهير، ولكن الصحافة في الحقيقة هدفها إبلاغ المواطن البسيط كل ما يدور في فلك حياته، واطلاعه على مجريات الأمور مع الحيطة والحذر من المس بحرية الآخرين، وانتهاك حرمتهم، والتعدي على حقوقهم، والتدخل في حرية الفرد التي هي ملك خاص له، وهذا أخطر ما تواجهه الصحافة اليوم، مما يخلق زعزعة وبلبلة في المجتمعات خاصة تلك المجتمعات المحافظة والتي تربطها أواصر القرابة ورابطة الدم ورابط العقيدة، وهنا الصحافة تلعب دورا في إثارة النعرات الطائفية وزرع بذور الشقاق وإشعال نار الحروب، وهذا ما نراه يحدث في البلدان الأسيوية والأفريقية والبلدان النائية أكثر منها في البلدان الغربية والمتحضرة،
فالحرية الصحيحة متى كانت ملتزمة بالعقل السليم، مقيّدة بنظام الفضيلة والدين، مطابقة لأقوال الفلاسفة الأنبياء والحكماء، تهدف إلى بناء مجتمع فاضل مبني على الخصال الحميدة، ومبني على المسامحة، المحبة، الوفاء، العطاء، وتدعو إلى الارتقاء الفكري الديني والعلمي، تخلق مجتمعا مثقفا متعلما ومتعاونا في جميع نواحي الحياة ،
لأن المجتمع هو وحدة تكاملية لا يمكن تجزئته، وفي حال انه تجزأ فانه بفقد تكامله ويصبح ناقصا ومبعثرا ومفرقا، يفقد الجاذبية والاستقطاب ويهرب من نفسه، وهذا ما نراه من مفهوم الحرية التي تغزو عالمنا من جهة الغرب، فالغرب يدعو الى الحرية المنفلتة العلمانية الهدامة للدين والاختلاق، التي جاءت في زمن الثورة الصناعية الثورة على الكنيسة، والتي تدعو إلى عزل الدين عن الدولة، ومستبدلة الأوامر الدينية بقوانين مادية تلعب دورا في سلوك البشر، وبالتالي إلى الفوضى وعدم الانضباط، فيها يتمرد الفرد على الأسرة، وبالتالي على المجتمع والذي هو مأوى الفرد .
فهذه الحرية المدمرة هي أساس الفشل والمحن والحروب والأوبئة والمجاعات في العالم والعذاب والتشريد والتقتيل والإجرام، لأنها شعارات طنانة تخدم مصالح شخصية، فيها تستغل الشعوب وتسلب حقوقها وثرواتها الطبيعية باسم الحرية، تلك الحرية المعسولة والتي هي السم القاتل للعنصر البشري، لما تدعوه إليه من الفلتان وعدم التقيّد بشيء، بل تدعو إلى الثورة ضد الدين ورجاله، العادات والتقاليد السليمة، فلا هيبة للكبير ولا مودة للصغير ولا احترام متبادل ولا موافقة في الآراء ولا تجاذب، بل كلها نفور وصراع وعدم رضوخ الواحد للآخر، مما فكّك المجتمع وافقده صيغته التكاملية، وأبعده من الانقياد وراء المسؤول والقائد، فانفقد القائد، مما جعل المجتمع كالقطيع بلا راع، وصار مهددا بالهلاك والضياع،
وهنا لا بد أن استشهد بمثل ضربه الأديب معين حاطوم على الحرية التي أتى بها الغرب إلى الشرق مدعيا أنه جاء ليحرره من زعاماته وقيوده، فيقول : " في أحد الأيام قرر قط شرس أن يقتحم أحد الأقفاص ليلتهم أحد عصفورين محجوزين فيه ... وهذه هي الحقيقة، ولكنه ادعى بأنه سيفعل ذلك حبا بالحرية ، فصدّقته الجرذان والفئران وتجمهروا يهتفون باسم القط الذي سيحررهم من الأقفاص والمصائد( كما صفق العراقيون للقوات الأمريكية عند احتلالها العراق بحجة تحريرهم من الطاغية صدام حسين) ... والحقيقة أنا لا أعرف النهاية ... فلم يبق أي فأر وأي عصفور وأي جرذ ليحدثني بالنهاية ...."،
باختصار كلما تقدم الإنسان في طلب الحرية فانه لا يجدها، فأصبح عبدا لحريته مهزوما أمامها ، حتى انه فقد سعادته من اجلها ومثل الإنسان طالب الحرية المستحيلة كالمثل المنزل في القران بقوله تعالى : " كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله "، بل وجد تعاسته هناك،
وفي الحقيقة الحرية الصحيحة موجودة في الأديان، التي بعثها الله إلى عباده تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتحررهم من أثقال الجسد وشهواته، ليلتحقوا بالحق تعالى ليصيّرهم الحق تعالى حقا كمثله، وأحرارا كحريته، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولعدل الله لم يكلف نفسا فوق طاقتها، ولم يكره أحدا للإيمان به لقوله تعالى : "لا إكراه في الدين"، وأيضا :" ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة"، وأيضا : "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً"، وكما قال يسّوع المسيح ع :" تعرفون الحق والحق يحرركم" ، وأيضا جاء في رسالة الرسول بولس في الإنجيل الطاهر : " إذا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة، فاثبتوا إذا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضا بنير عبودية "، وأيضا مجيء النبي موسى -ع - لإخراج بني إسرائيل من رق فرعون العاتي المدعي الإلوهية إلى الحرية في عبادته تعالى، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"،
فالحرية هي تحرر الإنسان من نفسه الشريرة التي قال عنها خالقها تعالى : " النفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربي "، ليصبح سيدا لها، وحينها يكون هو الملك المالك والضابط لنفسه وهواه وغضبه وجميع جوارحه ومجردا من حكم المادة الفانية وهذا هو الكمال للعالم الإنساني الذي شرّفه الله تعالى عن سائر مخلوقاته وجعله خليفة على الأرض ليتحكم في مخلوقاتها وطبيعتها لتخدم مصالحه التي أرادها الله له .