مخطئ من يعتقد أن الصمت يعني عدم النطق أو الوقوف عن الكلام.. ولا تلوموني هذه المرة ان اتخذت لغة الصمت بدل الكلام، ولجأت للقلم ليتحدث بصوته ويعبر ما بخاطره بصمت ، فالكثير منا يعيش مثل الأرض صامتاً ولكن قلوبنا مثل جوف الأرض فيه بركان.
ولا أدري إن كانت لغة الصمت حكمة أم نعمة أو الاثنتان معاً ، والبعض يعتبرها لغة الأقوياء والبعض يصنفها في خانة الضعفاء، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ".
من طبيعة البشر أن يتمتعوا بالحديث وكثرة الكلام! كأنه جزء من تراثنا الإنساني، ولكن الأكثرية لا يدركون أن الصمت ثروة لغوية.
باعتقادي فالصمت حكمة تتركب من أغصان عديدة تمتد فروعها في المواقف المختلفة للإنسان العملية، الاجتماعية والعاطفية وهنا تتركز قوة الحكمة في توقيت استعمال لغة الصمت، لأن أحياناً كما يظن البعض: " أن صمتي لا يعني جهلي بما يدور حولي ولكن ما يدور حولي لا يستحق الكلام"!!.
ولكن الصمت أحياناً مؤلم عندما نشعر ان الشخص الذي يتحدث أمامك يكذب عليك!، أو يتهرب من الواقع، أو إنسان يدخل في دوامة ويفضل الصمت كجزء من الحل. وعندما لاتنطق بما تريد يعني أن تكبت المشاعر وتزيد الأحزان ويتجاهل عقلك مشاعرك وتعيش في صراع بين الحقيقة والأوهام.
ليس سهلاً ان تعبر عن ذاتك وقلبك وعقلك بصمت، الا اذا تمعنت بمفتاح الشخصية التي تقابلها، وهنا النعمة الربانية والحكمة معاً التي تدلنا بشكل حقيقي على ما يدور في عقل من أمامنا.. لأن بصمت.. ستعرف من خلال عينيه ما يفكر فيه، ومن خلال تحركاته وكلماته ستتعرف عليه عندها ستفضل الصمت. وسمعت مثلاً صينياً ذات مرة يقول" فكر مرتين ثم لا تقل شيئاً".
ولعل من أهم ما تعتمد عليه برمجة الصمت ما يسمى بالنظام التمثيلي البشري ألا وهو حركات العين وحركات الوجه والرأس وللحديث عن لغة الإشارات تحتاج الى صفحات.
إن استخدام الصمت ليس فقط في إبراز قوة شخصيتك ولكن التعرف فيما يفكر الآخرون، وأعتبرها لغة الحكماء، بالذات عندما أجد أن النقاش مع الطرف الآخر لا طائل منه.
والصمت دواء مر نتجرعه لمقاومة الحزن على الفراق ، فراق الغائب أو الحبيب حيث من الجميل أن نحب ونسامح ونقدم المساعدة بصمت، ولكن من الأجمل اذا غضبنا نغضب بصمت، وحتى ان نبكي بصمت.!!
ولكن المؤلم صمت القلب، البعيد عن ذكر الباري عز وجل، البعيد عن الإيمان لأنه لن يشعر بالاطمئنان، والقلب عادةً يتكبد المصائب، والخوف ان يولد هذا النوع من الصمت بالانفجار!!، وبالتالي من الممكن ان يكون الحل أيضاً بصمت من خلال الإبحار في آيات الكتاب الحكيم والتأمل في أمواج البحر والتأمل في ضوء القمر.
كم هو شيق حين يبتسم الإنسان بصمت بزمن مؤلم، وكم هو شيق عندما يحافظ اللسان على الصمت، وكم مرة ابتلعنا كلمة كان يجب أن تقال حرصاً على مشاعر من حولنا. ومن الحكمة ان أصمت ..عندما أجد في الحياة أشخاص هم أقل بكثير من أن تدخل في حوار لا نهائي معهم ودون جدوى!، أصمت ..عندما أعجز عن التعبير عن إعجابي بشيء ما أو بتصرف ما، أصمت حين تعجز الكلمات عن وصف شعوري. وهنا ألجأ للقلم !!.
أصمت عندما يكون الصمت هو لغة التفاهم الوحيدة في عالم يضج بآراء متضاربة بينك وبين من يستحق الكلام.
ولكن لن أصمت عن حقي، ولن أصمت عن غرس المحبة والأمل لمن يحتاج الصبر والأمل، عندما أعتزم على توديع الحزن والألم!. الصمت يعني أنك تقول ما تريد لنفسك بدون أن تستخدم اللسان، وكما قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " إذا تم العقل نقص الكلام"، وقال أيضاً : "بكثرة الصمت تكون الهيبة "، فالصمت قمة الحكمة في وقت لا يستحق الكلام!!.