أوركسترا السُّكون ، وما بعد السُّكون بقلم نور عامر

بقلم : الناقد نور عامر,
تاريخ النشر 06/10/2012 - 09:16:51 pm

خلال قراءاتي الغزيرة للشعر كأحد الفنون الجميلة مررتُ بالدواوين السابقة للشاعر كمال ابراهيم ، ويمكن تلخيصها بايجاز مكثف للغاية  ، فقد كان هذا الشاعر المتحمس للشعر يبذر القليل من كلماته في أرض ليست مهيأة للإنتاج ! وما تبقى كان يودعها مناخا طيبا للنمو . فكانت  النتيجة أن اسطورة الرماد لم تسعف بعض البذور ، فلاذت بالصمت والسكون ، وأخرى انطلقت الى ما بعد السكون سنابل لفحتها الشمس .
وعن هذه الأخيرة سبق منذ سنوات خمس ان عطفتُ عليها بجرة قلم في الصحافة المحلية .                                
واليوم يعود الينا كمال ابراهيم بديوانه الجديد " اوركسترا السكون " ، غلاف أنيق وطباعة جيدة ، اصدار " الحقيقة " كفر ياسيف .
ما حفزني للكتابة مجددا عن الشاعر ، أن ديوانه الجديد هو ديوان متطور نوعا ما مقارنة باعماله السابقة . والتطور الرئيس ليس بالمعاني المبعثرة بين الصفحات ، فالمعاني قائمة وثابتة منذ القدم ، وهي " ملقاة في الطريق " حسب نظرية الجاحظ . إنما يكمن التطور في الألفاظ التي تغلف المعاني ، بحيث تبدو منحرفة عن الشائع والمألوف كقوله " يا نجمة الصبح تلألئي نيزكا / وابعثي نورا يصير حروفا " .
وبالمقابل نجد الكثير من الألفاظ لم تمس المعاني بالعمق ، بل تحوم حولها كفراشة القنديل ! تحترق أو لا تحترق هي وحظها !
ان القسم الأكبر من الديوان يدور حول الحب والغزل ، ويكمن مبدؤها الداخلي بالعاطفة الحارة . والملاحظ في هذا السياق أن الشاعر يندفع بكل عنفوان خلف جمال المرأة . لذلك لا أستبعد أن يعتقد القارئ أن نشاطا كهذا هو هدر للفكر والمشاعر ! .
وفي هذا الصدد يحضرني  بيت الشعر القديم " ليس الجمال بمئزر ـــ فاعلم ، وإن رُوديتَ بُردا " .
اعتقدُ أن الملمح الأجمل في نطاق العاطفة هو المقطع الأول من القصيدة الأولى " ذكرتك يوم التقينا / وسط الطريق / صبية تضوع سحرها / في حينا العتيق " .
عفوي ورائع هذا التعبير . بيد أن باقي أجزاء القصيدة ، فيخيّل الي أن الشاعر ــ ولسبب ما ــ لم يكن منسجما معها انسجاما كافيا ! وهنا أفترض معادلة : شاعر لا ينسجم / يتفاعل مع نصه ، يصبح المتلقي عرضة للضجر !
في مجال التشبيه والذي يعتبر من أشكال البديع ، فقد وفق الشاعر ببعض تشبيهاته ، أي أنه أوضح مقصده وأصاب في التشبيه ، وبكلمات أظنها غير مطروقة . كقوله " والحب ارجوحة الصبح المسالم "
لكنه أخفق إذ اتجه الى تشبيهات أنهكها الشعراء استخداما وتعميما ،
كقوله " رأيتكِ بدرا " أو " تذكرْ شوق الحبيب / شوق الصحاري للمطر "
القصيدة بعنوان " خاطرة أو قصيدة " تشكل نموذجا  في الموعظة والإرشاد والقيم ، الشاعر يدعو الإنسان للخشوع لله ، والسير على درب الهدى ، الى أن يقول " كن ملاكا " .
لكن في القصيدة التي تليها مباشرة " دمشقية  " تحدث المفارقة ، نفاجأ بالتناقض الصارخ والتقلب في المزاج والأفكار ، فهي قصيدة تفيض اشتهاء للمرأة جسدا وليس كيانا !
لا أتهم الشاعر بنزعة التقلب ، بل أعزو ذلك الى ميول النفس البشرية أولا ، وثانيا ، الى تأثير البيئة الاجتماعية التي لا تثبت على حال .
وإذا شئنا الموقف السياسي والوطني للشاعر ، فهذا يتضح في قصيدته " الربيع العربي " ، تعبر بصدق عن اعتزاز الشاعر بعروبته ، وبما انجزته الشعوب الثائرة في هذه الأحداث التاريخية الحاسمة .
قصيدة " ومضة فكر " هي في الواقع ليست مسبوقة ،  لكنها جيدة في مستوى النظر الى قدرات الانسان المحدودة في حلمه المتوثب الى غزو النجوم .
لا شك أن الصديق كمال ابراهيم هو اليوم من الشعراء الذين يشار اليهم بالإيجاب ، وكان بإمكانه ، وبما يملك من موهبة وطموح ، ان يحقق المزيد من التقدم والتطور في ديوانه هذا ، لكنه على ما يبدو انشغل بما يسمّى اللعبة التنميقية التي تغري العديد من الشعراء فيتعلقون بها وكأنها الغاية المنشودة ! والنتيجة يطول شرحها في هذا المقام .
ومع ذلك فان هذه اللعبة لا تذهب بددا في الشعر ، فهي تستميل الكثير من الأذواق يحتفلون بها كحلة خارجية للكلام .

 من المداخلة التي قدمت في ندوة أدبية في المغار .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.محب للشعر ومهتم بالنقدلا شك أن نور عامر وعلى الرغم من الملاحظات الايجابية التي وردت في مقالته فانه في نفس الوقت ظلم الشاعر كمال ابراهيم وذلك في عدة محطات على امتداد المقالة . فما دام نور عامر يرى مثل هذه النواقص في شعر كمال ابراهيم اليوم ، فكيف يفسر لنا ما قاله عنه سابقا في مقالته بعنوان " الأصالة والالتزام في شعر كمال ابراهيم " والتي كال فيها المديح لكمال ابراهيم ولشعره ؟ . ثانيا : ان ما يراه نور عامر عيبا في مجموعة كمال ابراهيم هذه نجد مثل هذا العيب عند كبار الشعراء فعندما يقول نور عامر ان كمال ابراهيم أخفق اذ اتجه الى تشبيهات أنهكها الشعراء استخداما وتعميما ، كقوله "أراك بدرا " ، فمن من شعراء العرب لم يلجأ الى مثل هذه التشبيهات في أشعاره ؟ وقول نور عامر عن كمال ابراهيم انه يندفع في مجموعته بكل عنفوان خلف جمال المرأة وهذا قد يعتبر عند بعض القراء هدرا للفكر والمشاعر ، لا يا ناقدنا المبجل فمن مثلك يعرف مكانة نزار قباني شاعر المرأة وجمالها عندالمرأة وكيف غزا كل المقاييس بالتغني لها ولجمالها عاطفيا وفكريا ، وهو الشاعر الكبير الذي قدسته المرأة العربية وغنى له كبار المطربين وأرقص مشاعر كل من يعشق الشعر ويعرف أصوله . كما انك يا ناقدنا في مقالتك هذه كنت بخيلا نوعا ما في تقديم عبارات الاطراء التي منحتها لكمال ابراهيم ، كقولك ان ديوانه الجديد متطور نوعا ما عن دواوينه السابقه فماذا كنت تخسر لو حذفت عبارة " نوعا ما " لأننا نحن الذين تعودنا على شعر كمال ابراهيم نجد لديه تطورا متسارعا وكل قصيدة يكتبها اليوم هي أجمل من سابقاتها . وكذلك عندما تقول كمال ابراهيم شاعر يشار اليه بالايجاب فهذا ليس كافيا وكان أجدر بك أن تنصف شاعرنا لوقلت : " ان شاعرنا له بصماته في الشعر المحلي " وهو وسام سبق لناقد أجدر منك وهو الدكتور نبيه القاسم ألذي منح مثل هذا الوسام لكمال ابراهيم في مقالة كتبها عنه عند صدور مجموعته الأولى . وكيف تفسر أيها الناقد نور عامر مقالة الدكتور منير توما حول مجموعة كمال ابراهيم والتي رفعت من مكانة كمال ابراهيم أدبيا ووضعته في مصاف الشعراء الكبار الذين تناولوا شعر الحب والهيام . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل الدكتور منير توما أقل خبرة وجدارة في النقد من نور عامر يا ترى ؟ وعلى كل الأحوال وعلى الرغم مما ورد في مقالة نور عامر يظل كمال ابراهيم الذي يتصف بالأحاسيس المملوءة بحب الوطن والنزعة الانسانية الصادقة والذي يدعو الى اصلاح المجتمع نبراسا لمحبي الشعر والشعراء وقدوة يحتذى به في حب المرأة ووصف جمالها .07/10/2012 - 04:07:34 am
2.حقاني من المغارهل ما نشهده عبر المقالة والتعليق، يشير الي تصدّعٍ في العلاقة المتينة التي تربطكمامنذ أمد بعيد؟ هل ما يحصل هو جزء من تمثيليّةٍ متّفق عليها؟ على كل حال، شخصيًّا أرى قفزة نوعيّة لا يستهان بها عند أبي نزار وفقه الله وأبعد عنه كل شرّ. دمتما للشعر الرائع والنقد الموضوعي..وأذكركما بالمقولة: رحم الله إمرئ عرف قدر نفسه فوقف عند حّدهِ. تآخذوناش يللا باي.07/10/2012 - 09:42:53 am
3.كاره المتسلقينيا استاذ كمال انت تعلم ان من يصف نفسه بالناقد ، يحاول ان يجد السلبيات وهو بنفسه لم يكتب قصيدة او رواية او مسرحية ولكنه استطاع ان ينتقد كل من كتب . انه يكره كل من يكتب . جميع نقده يأتي للإحباط فلا تهتم . اذا سالته عن شاعره المفضل فسيقولون لك المتنبي رغم ان لي انتقاد على جميع قصائده07/10/2012 - 10:18:03 am
4.شاعرنعرف أن الناقد نور عامر هو ناقد صريح لا يجامل ولا ينافق ، ونعرف جيدا أشعار كمال ابراهيم . لذلك أستغرب أن الناقد قد أعطى كمال ابراهيم أكثر مما يستحق ؟! السؤال : هل بدأ عامر بالتنازل عن طريقته المعهودة في النقد الأدبي ؟؟!!07/10/2012 - 03:19:41 pm
5.انسان حياديالناقد وظيفته اظهار العيوب والاخطاء التي ممكن ان لا وجود لها وممكن العكس. كل انسان عندو شخصيته واراءه الخاصة بالنسبة للشعر. ممكن ان الاستاذ كمال وجد ان هذا النوع من الشعر قريب اليه ويجذب الناس. أو كما قال الناقد نور عامر اننا قد نجد الكثير من الألفاظ التي لم تمس المعاني بعمقها .... ارى ان الشعر جميل وممكن ان يجذب الكثير منا ...واما من جهة النقد ... فاني حبي في الادب اتى من النقد بالبداية واخيرًا ولا تعطي الانسان اكثر من قيمته.07/10/2012 - 07:59:26 pm
6.كميل شحادةبغض النظر عن رأيي الخاص فيما ينشر اليوم من شعر وادب عموما ..باختصار نحن عموما نفتقر للحِلم ،للموضوعية، لأسس علمية فيما يتعلق بالعمل النقدي ،والقادرين بالاضطلاع على هذه المهمة - وهم متوفرون - لا يقومون برسالتهم ..لأسباب لهم في بعضها عذر .. اقول ان اي مهنة اي نشاط اي توجه في الحياة الاجتماعية بحاجة الى اساس ادبي اخلاقي .. بحاجة الى مبدأ ومبدئية ، بحاجة الى استقامة ونزاهة . دون ان يعني ذلك تحجرا على خط وعلى معيار في النظر والتقييم . في الواقع تبدو المواقف والتوجهات في محطات معينة محفوفة متأثرة بنزعاتنا الشخصية السلبية ، بحيث لا يمكن اخفاء ذلك ،من الجهة الاخرى كثيرا ما نُفهم خطأ ايضا .. وجميعنا يخطيء ويصيب ولا داع لأخذ الامور دائما باتجاه تفسيرات تتعرض للنوايا ..والى امام نقاد وكتاب ..08/10/2012 - 09:51:15 am

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2387
//echo 111; ?>