العقرب - بقلم : ابراهيم مالك - كفر ياسيف
ذًهِلَ علي النّيص مما رأى .
رأى عَقرَبا ًأصفرَ البشرَةِ وقد اختارَ مَطرَحا ً مُريحا ًعلى غِطاءِ سريره الخشبي . وكان اقتحم الغرفة َعلى حين ِغفلة ٍمِنْهَُ .
وما إنْ رَآهُ ، حتى صاحَ مَرِعوبا ً:
وَيلي ..
هذا سًمّهُ قاتل !
وعلى حين ِفجأة ً،
تذكَّرَ أمَهُ التي ارتحلتْ مِنْ زَمَن ٍ،وكان َمِنْ عادَتِها سَرْدُ الحِكم ِوالأمْثال ِكيْ يَتََّعِظ َ َويِتَعلمَ ، فكانت تُرَدًّدُ على مَسامِعِهِ :
يا ولدي ،
مُحيطنا باتَ غابَة ،
أخافُ عليك ذِئابها وعَقلك لمّا يَبلغ ِالرشْد!
أخاف عليكَ عقارِبَها ولمّا تكتسبْ خِبرَة َحياة وفنونَ الدِّفاع ِ الرَّشيد ِعَن ِالنفس ِ،
حينَ تُسام وحين َتُضام .
وغالبا ما كانت تقول :
يا ولدي ..
مَطْرح ِ الحَيِّة إفرُش وْنام ْ لكنْ مطرَحِ العقرب لا تقرِبْ !
مُنَبِّهَة ً ،
لكنْ يا وَلدي لا تعِر ِاللوْنَ الإهْتِمامَ الزائِدَ ، فاللوْنُ ، مُذْ كانتْ خليقة ، لم يكنْ وَكْرَ السُمِّ ولا مَجْلَبَة َ الأذى، فالعقارب سامة سيان كان لونها ، ألسُّمُّ في النيوب ِوفيما تخفيه ٌِمِنْ طمع افتِراس .
وكانَ مِنْ عاداتِها ، في تِلكَ الحالات ِ، أنْ تغمِزَني بِعَيْنَيْها ، مُضيفة ً:
يا وْليدي ،
يا أغلى مِنْ كْبيدي ،
لا تأخُذُكَ بي الظنون بعيدا ، فتحسبني أعْني الكثيرَ مِنْ ناس ِهذا العالم !
تذكَّرَ علي النّيص أمَهُ ، وكان يرقب ، بحذر، تحرك العقرب على غِطاءِ سَريرِهِ. وَقدْ راحَ يتمدَّدُ عليه ، غربا وشرقا ً، شمالا ًوجنوبا ً.
حدّثَ نفسه الراحت في خوْف ٍمُخيف :
سَمْعا ً يا أمي
( نَسِيَ عَمْدا ًكلمة طاعة ً،لأنه كانَ يَلعَنُ الطاعَة َ في سِرِّه وفي جَهْرِهِ ) ،
لن أقترِبَ مِنهُ ، ولكن ماذا تراني فاعِلٌ ؟
قالَ هامِسا ً، وكان لا يزال ُيَرْقُبُ العقرَب َ .
أدرَكَ أنهُ يُعاني عَجْزا ًجَسَدِيّا مُزمِنا ، جَعَلهُ لا يقدر على الحركة إلاّ بعَوْن ِكُرْسِيٍّ مُتحَرِّك ، لكنَّهُ لم يَسْتسْلِمْ لِعَجْزِهِ ، تلك اللحظة ، وكأنَّ الخوف بعثَ حياة ًفي عروقه ِ.
صاحَ بأعلى صوته :
خسِىءَ العَجْز ،
هذا أعزُّمَكان ٍبقِيَ لي ،
هذا سريري الأنامُ عليه ،
وهذِهِ غرْفتي الوحيدة الأنامُ ،
آكل وأشرَبُ فيها ولي فيها مَآربُ أخرى .
وقدْ أسَرَّتْ أمّي لي أنّي قي هذه الحُجْرَة وُلِدْتُ .
سألَ نفسَهُ الخائِفة َ :
وَهَلْ يُعْقل أن يُفرِّطَ المَرْءً في مطرح وُلِدَ فيه ؟
ُلاحَظ َعِنْدَها مُكْنِسَة في قرنَة ٍمِنَ الحُجْرَة ِ، دفع كرسِيّهُ المُتحَرِّكَ صوبها ،مُحاوِلا ً عَدَمَ إثارة ِضجيج ، تناوَلَها بيده واندفع يَضرِب بالمُكنِسَة طرف الغطاء ، فاندفع العقرب مُولِّيَا ًالأدْبار باحثا عن مَخرَج لِترْكِ الغرفة .
راقبَه علي النَيص وهو يرحل بعيدا ، ليعودَ إلى كوْمَة ِالحِجارة ، حيثُ اعتادَ أنْ يجدَ ملاذه .
غمره فرح كبير،
نسِيَ لِلَحْظة ٍعَجْزَهُ الجسدي ،
شعَر أنَّ دَما ً يتحرَّكََ في عُروقِهِ ،
كانَ فرحُهُ غامِرا ً،
فلم تلدغه العقرب السامة ولم يضطر لقتلها بعصا المكنِسَة .