بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين
بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك, نتقدم لأبناء عشيرتنا المعروفية التوحيدية في البلاد وخارجها ولجميع المحتفلين بهذا العيد بأحر التهاني وأجمل والتبريكات, أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات وقد تحقق السلام في منطقتنا والعالم أجمع, نضرع إليه تعالى أن يؤلف قلوبنا ويوحد كلمتنا لما فيه صلاح وكرامة الطائفة ومصلحة أبنائنا والأجيال القادمة ومن اجل مستقبل أفضل للجميع.
إخواني وأخواتي أبناء العشيرة المعروفية,
لقد شهدت قرانا وقوع حوادث مؤسفة ومؤلمة بعد أن تفشى العنف البغيض في بعضها, والشاهدُ الأكبر والأوضح على فداحتها ما حصل قبل اسابيع للفتاة والشاب, أبناء دالية الكرمل وعسفيا الغاليتين. إن ظاهرة العنف التي أخذت تنسابُ في شرايين مجتمعنا, لهي مِن أشد الظواهر خطورةً التي عَرَفَها هذا المجتمع بِرُمتهِ, وانْ لم يكن لي مِن بُد بتشبيهها فليس لها بشبيهٍ سوى السرطانُ مِن مرضٍ تُشبَّهُ به, وما علينا والحالةُ هذه سوى أن نقوم بمكافحتها بشتى الوسائل المُتوفِّرة والمتاحة لنا.
أخوتي, إن ما يحدث ويدور مِن العُنفِ, على اختلاف أنواعه وإشكاله, على ساحاتِنا, وفي القرى العربية بشكلٍ عام, وقرانا بشكلٍ خاص, يَقُضُ المضاجع ويعتصر مِنا القلوب، لقد زهقت الأرواح البشرية هدراً، وذهب الأطفال والأبرياء ضحية! لقد أوصانا الله عز وجل أن نصونَ النفسَ البشرية, وأن نُحافظ عليها وأن لا نمسها بسوء وهو العلي القدير الذي خلقها على صورتهِ جل جلالهُ , فكيف بنا نحن بني البشر نُخالف ما أَمَرنا المولى به ؟
قال تعالى في كتابهِ العزيز:
{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا }
كيف لنا أن ننسى أو نتناسى أننا مأمورين دينياً وأدبياً واجتماعياً أن نحفظ بعضنا بعضا, وأن نعملَ للخيرِ ونعملُ بهِ ؟
هل نسينا أم أننا نتناسى قولهُ تعالى: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ". فاعلُ الخير له الخلاص يوم الدين وفاعلُ الشر لهُ القصاص وبِئس المصير .
إخواني الأعزاء, لو تشبثنا بأواصر الدين وعملنا بِعُرفِ عاداتنا وتقاليدنا العريقة لما وصلت بنا الحال إلى ما وصلت إليه ! إن ما حل بنا وما يُصيبُنا ليس إلا لأننا ابتعدنا عما جاء في الكُتُب السماويةِ جميعها مِن وصايا وتعاليم تأمرنا بالابتعاد عن المُنكر الذي يودي بنا إلى العنف والى التهلكة والكفر بالأعراف وبالإنسانية جمعاء, وتوصينا بنبذ الخلاف وإصلاح ذات البين, كقوله تعالى : }وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {.
أخوتي، لا تدعوا للشر والغضب منفذاً إلى نفوسكُم وقلوبكُم, فليس الغضب إلا من ضعفِ النفس, فضعيف النفس جبانٌ, وأما من استطاع أن يقهر غضبه فهو الشجاع الذي لا يُقهر.
علينا جميعُنا ترويض النفوس وكبح جماحها، كما علينا كبت غضبنا والعفو عند المقدرة.
علينا تعليم أولادنا وتربيتهُم وتنشئتهم على أحسن صورةٍ وعلى أحسنِ حال منذ الصغر وقبل أن يكبروا فيتمردوا بجهلهم ويميلوا إلى الشرور وبِهم تؤثمون .
أدعوكم إخوتي جميعاً للوقوف صفاً واحداً متراصاً أمام العنف وشجبه ومحاربته ، لأن العنف وباء والوباء لا يفرق بين نفس وأخرى. علينا أن نحاربه ونتصدى له ولا نقف مكتوفي الأيدي فيصبح الوقت متأخراً ومعالجة الموضوع عقيمة.
العنف بأشكالهِ وألوانهِ أضحى وباءً يعاني منه المجتمع بأسره في كل مكان، منه قيادة السيارات مِن قبل بعض الشباب الطائش بشكلٍ فيهِ مِن التحدي والغطرسةِ ما لا يُحتَمَل, ضاربين بِالأنظمةِ و القوانين عرض الحائط, زد على ذلك تفشي ظاهرة سياقة الجرارات الصغيرة (التركتورونات) والمركبات ذوات العجلتين بصورة متهورة, تحت تأثير ألمُسكرات أحياناً, والسموم والمخدرات أحياناً أخرى, والتي تؤدي الى الشغب والعنف وحوادث النهب والسلب والسرقات والصراع بين المروِّجين لها والمتاجرين بها.
كلُ هذا, أيها الأخوة, يُعطينا الضوء الأحمرَ الساطع، ويحتم على جميع الأطر الاجتماعية، والمؤسسات الرسميةِ وغير الرسمية, مواجهة هذه الظواهر والعمل على مُكافحتها واجتثاثها مِن مُجتمعنا بشكلٍ حازمٍ وصارمٍ وحاسم, دون مسايرة أو تهاون.
ومن هنا أوجه نداء لكل الأطراف ذات الصلة, والتي بإمكانها ان تساهم في ترسيخ الهدوء والطمأنينة من مسئولين ورجال دين ومجتمع, وبالأخص شرطة إسرائيل التي لها الباع الطويل والأقوى وتقع عليها المسؤولية لتسعى جادة لفض الأمور ومعالجتها بالشكل الصحيح, وألا تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يحدث من اعمالٍ تهدد أمن وأمان الأهل في قُرانا. أما بالنسبة للسلطات المحلية ممثله بقياداتها فعليها تامين السبل الثقافية والأدبية والترفيهية وندوات التوعية للجيل الصاعد فبالعلم والعمل نقضي على الوقت الضائع الذي يقود إلى السوء وقبيح الأعمال.
عَبرَ هذا المنبر الكريم الذي اتاح لي التوجه اليكُم, أتوجه إلى جميع الأشخاص في مجتمعنا التوحيدي بشكلٍ خاص, الذين ركبتهم الحماقة, أو ضلوا طريق النور والحق, أو شذوا عن العُرِفِ والعادات والتقاليد, أتوجهُ إليهم مُطالباً إياهم أن يتعظوا ويتعلموا من المآسي والحوادث المؤلمة التي جرت وتجري على ساحاتنا, والتي تعصِفُ بعائلاتٍ بأكملها فَتُشَتتها, وان يعودوا إلى رُشدهم والى الطريق القويم, ففي ذلك الخير والسلامة والفائدة لمجتمعهم, ولهم في الدرجةِ الأولى .
إخواني في هذه الأيام العصيبة التي امتزج بها الحلال بالحرام احثكم على الاستمرار في الحفاظ على العادات الحميدة والتقاليد الأصيلة، وعدم الانجراف والانحراف عن أصالتنا، والتمسك بالقيم والتربية التي ميزتنا، وجمعت صفوفنا ولمت شملنا. وأتوجه إلى الإخوة عامةً وأخص بالذكر الشباب, لأهيب بهم الحذر ثم الحذر، ثُم الحذر, وأطلُب منهم التقيد بالنظام العام وبالقانون وأحثهُم على مكافحة الشغب والمخدرات والكحول ومُحاربتها. نحن ننتمي لمجتمعٍ توحيدي تقليديٍّ محافظٍ يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويدعو إلى المحبة والألفة والسلام.
أيها الإخوة, أريد أن أنوه أن الكثير من أبناء الطائفة وخاصةً الفتيات, تخلوا عن اللباس المحتشم التقليدي الساتر للعورات الذي ميزنا كطائفة توحيدية محافظة, تراعي مخافة الله متمشية حسب الأصول والمبادئ. ان رجوعنا إلى اللباس المحتشم يزيدنا كرامة واحتراماً فيما بيننا وبعيون الآخرين, ويسرني أن نعود ونرى "الفوطة" (النقاب) الدرزية التقليدية تزين رؤوس الفتيات كما عهدناها سابقاً, وتعطيهن الصبغة التقليدية التراثية الدرزية, كما وأهيب بالشباب الدرزي التقيد باللباس الطويل المحتشم الساتر, وتفادي المُنكَر, كما يليق بالشهامة الدرزية والعزة المعروفية.
في الخِتام, أتوجه إلى أبنائنا من الجيل الصاعد وأحثهم على الامتناع عن اللعب بالألعاب النارية والمفرقعات ايام العيد, والتي تشكل خطراً مباشراً على سلامتهم وسلامة المحيطين بهم، وأعود وأهيبُ بالجميع نبذ العنف بشتى انواعه والوانه, والتحلي بالصبر والتروي والتسامح, لتبقى بهجة العيد مخيمة على الجميع, ولنتفادى عواقبه الوخيمة ولتسود روح المحبة والوئام والألفة الجميع وتُبقي أيامنا جميعاً أعياداً وأفراح .
أعادهُ المولى على الجميع بالخير والسعادة والهناء, وكل عام وانتم بإلف خير.
23 تشرين أول 2012