اجتاحت تكنولوجيا الانترنت مختلف أرجاء العالم من أقصاه إلى أقصاه وجعلت منه قرية كونية صغيرة تتشابه فيها الثقافات والعادات بعدما انصهرت جميعها وصبت في قالب العولمة، فقد دخلت وسائل التكنولوجيا كل بيت، مكتب، مكان عمل وغرفة النوم وحتى كل جيب عبر الهاتف الذكي، واختلفت أشكالها ومميزاتها لتتلاءم واحتياجاتنا بغض النظر عن مدى أهميتها فعليًا في حياتنا.
واليوم، تجاوز عدد مستخدمي الانترنت أكثر من ملياري شخص في أرجاء العالم، أي ما يقارب 35% من مجمل سكان العالم، ففي الدول الأوربية والولايات المتحدة مثلًا هنالك 75% من السكان يستخدمون الانترنت، بينما تختلف هذه النسبة في دول أخرى تفتقر إلى مقومات أساسية للتحضر والتقدم بشكلٍ عام والى الانفتاح التكنولوجي بشكلٍ خاص.
وإذا نظرنا إلى صورة الوضع في إسرائيل وفي الوسط العربي تحديداً، فهنالك 38.7 % قد صرحوا أنهم لا يعرفون كيفية استخدام الانترنت وان 42.2% يستخدمون مواقع الشبكات الاجتماعية والفيسبوك على الأقل مرة واحدة في اليوم، بينما يستخدم 20.8% الانترنت من الهواتف النقالة وهي نسبة عالية جدا مقارنة بسنوات ماضية، بالإضافة يقوم 35.5% من مستخدمي الانترنت في الوسط العربي بقراءة الأخبار التي يتم نشرها في المواقع المحلية العربية، مقابل 70% من الوسط اليهود.
في العام 1964، حينما صدر كتاب مارشال ماكلوهان، "الإعلام امتداد للإنسان"، أعلن فيه بأن الأعلام الكهربائي للقرن العشرين سيمحو طغيان النصوص الكتابية من أذهاننا، وتحدث أيضًا عن النظرية الحتمية بالنسبة لتطور التكنولوجيا والتي تتطور دون توقف بل وبوتيرة متسارعة لتغير بذلك افكارًا ومفاهيم سائدة وتصور عالمًا جديدًا وأنماطًا حديثة تتلاءم وروح العصر، وهنا تستوقفني نظرية The medium is the message الوسيلة هي الرسالة فقد استبق ماكلوهين احداث ايامنا هذه في ذلك الوقت فقد غدونا اليوم نبدي اهتماما اكثر بالوسيلة الا وهي الاجهزة الحديثة الذكية ونسينا في بعض الاحيان الرسالة ، وبالفعل جاء التلفزيون والراديو وبعدهما الحاسوب البيتي وثم الشخصي وبدأت هذه الوسائل التكنولوجية والاجهزة بانكماشها لحجم الأيفون والايباد والكيندل فاير والبلاك بيري، وبتواجدها في أي وقت واي مكان، في البيت، السيارة، المدرسة وحقيبة الجيب فقد نجحت باختراق حياتنا على اختلاف مناحيها الاقتصادية الاجتماعية السياسية والثقافية وذلك في ظل الشعور بسخائها، فهي للوهلة الاولى تبدو كخادم لنا لكنها وفي واقع الامر تعمينا عن ملاحظة أنها السيد أيضا، فهذه الوسائل وبسبب سهولة استعمالها والتواصل معها، عودتنا على الرجوع اليها واستقاء المعلومات والاخبار ،الادب والثقافة والفن منها ، وليس فقط بل غدت المرجع الذي نسأله عن كل صغيرة وكبيرة فاذا كنا في الماضي نسأل استاذ المدرسة أو الموسوعة في المكتبة أو حتى القاموس فإننا اليوم وعبر هذه الاجهزة نسأل استاذًا واحدًا ووحيدًا الا وهو الاستاذ جوجل والذي بدوره بات يعرف عنا ادق تفاصيل حياتنا وافكارنا ومكنونات انفسنا وبالتالي طورنا علاقة وطيدة ما بيننا وبينه وهو بدوره يوصلنا إلى ويكيبيديا ويوتيوب والى آخره من المواقع العملاقة والتي سبتنا هي أيضًا بفضل سهولة استخدامها وتَوَفُّر ما تبتغيه أنفسنا وعقولنا وتوجهاتنا المختلفة فيها، وذلك تحت مظلة العالم الافتراضي الجديد المتبلور على يد متصفحي الانترنت أنفسهم وبشكلٍ يتلاءم وأهواءهم.
لماذا هذا الانتقال من الكتاب إلى الجهاز ؟
تعددت الأسباب لهذا الانتقال، لكن معظمها يرتكز على ثلاثة محاور أساسية وهي السرعة، السهولة والتفاعل والتأثير، وبالإمكان ان نحصر الدوافع لدى القراء للانتقال للأجهزة بالتالي:
١- آلية البحث البسيطة والسهولة في الوصول إلى المعلومات والمضامين والتعامل معها والانتقال بسلاسة من موضوع لآخر بكبسة زر أو جرة فأرة أو حتى بلمسة.
٢- حرية النشر التي تتمتع فيها هذه المواقع خلافا لما يحدث في دور النشر في بعض الأحيان
٣- الحرية الشخصية في انتقاء وملائمة المضامين للقاريء
٤- الحرص على ان نواكب التغييرات العصرية والمستجدات في مختلف مجالات الحياة.
٥- كون ان هنالك إمكانية للتعامل مع أكثر من مصدر في نفس الشاشة أو ما يسمى المولتيميديا، مثلًا نقرأ مقالا ونستمع للموسيقى أو الراديو ونتواصل مع الأصدقاء عبر الفيس بوك هنالك ما يقارب ال٩٦٪ من الاشخاص كانوا قد صرحوا أنهم ينشغلون بأمور أخرى غير التصفح في نفس الوقت.
٦- سرعة مشاركة ونقل المعلومات والنصوص ما بين متصفحي الشبكة العنكبوتية اما عن طريق الايمييل أو الفيسبوك أو غيرها
٧- الحرص على ان لا نتخلف عن الاخرين يعني ان نكون in
٨- فكرة الثقافة التفاعلية ما بين كاتبي النصوص والقراء عبر آلية التعقيبات بهدف خلق جدل ثقافي حضاري حول الفكرة المطروحة وبالتالي الارتقاء بها إلى مستوى فكري اعلى.
٩- النصوص مدعمة في معظم الاحيان بالصور والفيديو وباقي المؤثرات الاكترونية ولهذا دور هام في شد القارئ .
١٠- امكانية الوصول للشبكة من اي مكان وفي اي لحظة وبالذات عبر الهواتف الذكية، هنالك ارتفاع ملحوظ على نسبة مستخدمي الشبكة عبر الأجهزة النقالة ليصل لنسبة ٢٢ بالمائة وهي في ارتفاع مستمر متعلق أيضًا بتطور هذه الأجهزة من يوم لآخر.
الجوانب الإيجابية للموضوع:
وكما في كل تطور تكنولوجي جديد هنالك الايجابيات والسلبيات، بالنسبة للجوانب الايجابية للموضوع فهي:
١- تنمي العقل وتولد حب الاستطلاع لسهولة التعامل معها.
٢- تعمل على تطوير الذات والاعتماد على النفس.
٣- تتيح إمكانية الوصول لكم اكبر من المعلومات في وقت قصير
٤- خلق مساحة اكبر للحرية الفكرية والإبداعية والنشر نظرًا لأن هنالك حرية لأي شخص كان ان يكتب فهذا
٥- جعل أمور الحياة أكثر سهولةً وعمليةً
الجوانب السلبية للموضوع:
١- السطحية في القراءة، كنا نقرأ ونتعمق بصورة أبطأ (نقرأ كل الكتاب أو الرواية حتى آخرها) واليوم نتصفح بشكل أسرع وسطحي أكثر وذلك كون الآلية أسهل والمعلومات أكثر ومنوعه أكثر ويمكن الانتقال من موضوع لآخر بكبسة زر أو بجرة فارة أو لمسة.
٢- المصداقية، هنالك تساؤلات حول مدى مصداقية المضامين الالكترونية، ما هو مصدرها ؟ من ينشرها؟ هل تعتمد على أسس علمية ثقافية إبداعية صحيحة؟ حتى موسوعة ويكيبيديا نفسها فإنها تتيح لكل من يفتتح حسابًا فيها بان يضيف ويعدل في المعلومات الموجودة دون الحاجة لذكر مصادر المعلومات واثبات مصداقيتها.
٣- أصبحنا لا نعطي موضوع القراءة حقة، فإننا ننشغل في نفس الوقت في عدة امور أخرى لربما تلهينا عن القراءة فقد حولتنا إلى مولتي تاسكينج (متعددي الوظائف)
٤- انعدام سلامة اللغة وعدم مراعاة قواعد النحو والصرف، واستعمال كلمات ومصطلحات دخيلة على اللغة العربية بالإضافة للكتابة أو التعقيب في بعض الأحيان بلغة عربية لكن بأحرف لاتينية .
٥- أصبحنا نعرف القليل القليل عن كثير من الأمور مما يدخلنا في العديد من الاحيان في بلبلة ومتاهات وبالذات عندما ندرك اننا غدونا نعرف ونتذكر أنصاف حقائق ومعلومات وهذا طبعًا بسبب كثرتها لدينا.
٦- انتشار ثقافة الـcopy paste النسخ واللصق والتي عودتنا على العمل بسرعة وبسهولة ولكن في بعض الأحيان يأتي ذلك على حساب المضمون .
إذن، في ظل كل ما ذكر أعلاه من ايجابيات وسلبيات، علينا ألا ننسى ان الحديث يدور عن تطور تكنولوجي اجتماعي ثقافي، وهو يحمل في طياته الايجابي والسلبي، المحبذ والغير محبذ، وهذا بالطبع يختلف ما بين مجتمعٍ وآخر وبين ثقافة وأخرى، لذلك، الأجدر بنا ان ننتقي وبعناية مصادر ثقافتنا حتى الالكترونية منها والإبقاء على مكانة الكتاب في حياتنا بمحاذاة الآيباد وشاشة الحاسوب ، وهي المعادلة الأمثل لنتمتع بقدرٍ من الثقافة في ظل مواكبة العصر.
ملاحظة: هذا المقال طبعته على جهاز الآيباد نظرًا لسهولة التاتش قياسًا بالطباعة الزرّية...