مايكل جاكسون الأسود الذي قتلته محاولة الخروج من جلده

تاريخ النشر 29/6/2009 23:34

بقلم : راضي شحادة

      هذا الفنان الشمولي الشاعر والراقص والمغني، والذي تُظهِر كليباته مدى التكامل الفني في جميع مكونات الفن الأدائي الجمالي، جرفته امريكا في بُعْبُعِها المادي منذ نعومة اظفاره، فهو انطلق في مسيرته الفنية منذ كان طفلا، ولكنّ هذا الجنون عيّشه حياة انفصامية بين كونه فنانا رائعا فيما يقدّم من فنّ جميل، وبين حياته الشخصية التي جعلته يحاول ان يتحدّى الطبيعة محاولا ان يخرج من جلده الأسود ظانّا ان البشرة البيضاء أجمل وأكثر قابلية للتصوير وللاضاءة الاستعراضية والتصويرية.

    ظنّ وهما انه قادر على تلميع صورته بواسطة تغيير لونه، ولكن قوانين الطبيعة صارمة، فالأسود اسود وجماله في سواده، والأبيض ابيض وجماله في بياضه، وعندما نتحدّى هذه الحقيقة فإنّ الطبيعة ستوقفنا عند حدّنا، وهذا ما اصابه فعلا، فقد اصيب بمرض السرطان الجلدي، وتشوّه وجهه وبشرته مما اضطره الى اخفائه في المساحيق والأقنعة.
    كان جميلا جدا في سواده كما كان مثيله في السواد الملاكم محمد علي كليه. محاولته المستميتة للخروج من جلده ولتحدّي الطبيعة بتنشّق الاوكسجين الاصطناعي في غرفة زجاجية كالتابوت جعلت الطبيعة تنتقم منه، وقد حرمته نصف عمره، فقد مات صغيرا، وهو صاحب الجسد الرشيق الذي يستطيع ان يتقن اصعب الحركات في رقصه خلال الغناء، وهي مهمّة تميّزه كثيرا عن باقي المغنين الذين يرقصون. مقارنة بسيطة بين كليبات "عمرو دياب" في حركاته الرخوة وصوته الضعيف وبين اداء جاكسون وصوته القوي وحركاته الرائعة تعطينا فكرة عن مدى هذا التميّز وهذا السحر في جسد هذا الفنان الأسطورة.
    هذا الانحدار السريع من القمّة الى الهاوية كان سببه محاولته الخروج من جلده، وبسبب الانجراف نحو اوهام طبّية اصطناعية مدعومة بالشعور انه يملك اموالا لا تعدّ ولا تحصى ظانا انه من خلالها سيصل الى قمة السعادة، بينما هي تقوده من حيث لا يدري الى حضيض الهاوية. الفحش في الغنى قد يتحوّل الى نقمة وانتحار.
    المتابع لمسيرته الفنية منذ كان طفلا الى ان بدأ محاولاته الخروج من جلده يرى كم كان جميلا وهو في سواده الأصلي وكم اصبح قبيحا مقنّعا بالمساحيق والأقنعة هاربا من شكله الجديد الذي كان قدرا محتوما لا يستطيع الفكاك منه ولا يسمح له بالعودة الى شكله الأصلي، فالطبيعة لا ترحم، وقوانينها صارمة.
    مايكل جاكسون درسٌ يعلّمنا ان لا نحلّق كالملائكة، فنحن بشر، ولكن من خلال الفن والابداع يحقّ لنا ان نحلم ونحلّق ونتكاتف مع من يحلمون حلم الحياة الجميلة والسعيدة. يحق لنا ان نحلّق عاليا في احلامنا الابداعية من خلال الفن ولكن شريطة ان نعيش حياتنا اليومية الواقعية متصادقين مع الطبيعة، والعيش بين هاتين الحالتين هو قمّة التوازن والحكمة.
    لو ان مايكل جاكسون انتهج هذه الحكمة وهذا التوازن لأصبح امبراطور افريقيا بأكملها، فهو غنّى للفقراء السود في افريقيا، ولكنه لو كان سيّد نفسه وليس سيّدا لجشع الاحتكارات الفنية الرأسمالية في امريكا، لصبّ كل طاقته في احياء جياع افريقيا ولكرّس حياته الطبيعية في العيش في افريقيا ولصرف كل مليارداته التي ذهبت هباء في بناء قارة بأكملها، وعندها..لمات قدّيسا، وربما عندها لو انه لم يحاول الخروج من جلده، لمات ميتة طبيعية، وربما لعاش ضعف العمر الذي عاشه..وربما عندها لقدّم المزيد من فنّه الرائع والمتكامل والأكثر تقدّما في النضوج والمليء بالابداع والجمال..كان باستطاعته ان يحلّق عاليا اكثر مما حلّق، ولكنّ سقوطه كان سريعا، وخسارته كانت كبيرة..
 
 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2441
//echo 111; ?>