وقفت على رصيف الطريق البعيد أنتظر قدومك... أتذكر وجهكِ البشوش الخجول، وسحر البراءة المدفون تحت جفونك... أخايل ثغركِ المغطى بنقاب أبيض طويل يلف رأسك، فتشعّ من جانبه طهارة خديكِ... أشتاق أن أضع يدي عليهما فأمسحهما، لأكفكف دموعكِ... بقيت طويلاً أرتقب، لعلي أحظى بلمسة حنان... أو غمرة أمان... أو قبلة طفولة بريئة ليديكِ تطفئ في صميم حشاشتي لهيب الهجران.
جلست على قطعة خشب قديمة... وبدأت أخط إليكِ رسالة حزينة... وسطورًا بسيطة مليئة بحب يتيم، وذكريات جميلة جميلة... وأشواق انفجرت بعد أن كانت مخبأة دفينة.
أما بعد؛؛ أمي الحبيبة اشتقت إليكِ كثيراً، وها أنا أنتظر قدومك قبل المغيب... وبعد المشيب... على شرفات البيوت والمساكن... وفي كل الأماكن... وأخبركِ بأني ما زلت على عهدي القديم... قبل كل عمل أبدأ بسم الله العظيم ... وفي النهاية أختم بحمد الكريم الحليم... وقبل الطعام أسمي وأتذكر كلماتكِ عن مسح الإناء... ولقط الفناء... والاعتصام عن الزنا، لكي أدخل الجنة بلا عناء...
أمي الحنونة؛ كلامك ما زال صداه في أذنيَّ عن صدق اللسان... وحفظ الاخوان... والاحترام لكل إنسان... وما زلت أذكر قصة الراعي الصالح مع سيدي سلمان...
أمي الغالية؛ ما زلت أحترم الكبار... وأعطف على الصغار... وأراعي حق الصحبة ولا أبوح بالأسرار... وأتذكر يوم أرجعتني إلى البقال لأرجع له نقودا غلط معي بها، وسأبقى أفرق بين الحلال والحرام .
أمي الحبيبة؛ ما زلت أذكر كل الأفراح... ومواسم قطف التفاح... والعنب والتين... والشعر الروحاني الحزين... وأقوم في كل صباح أصلي... وأدعو كل الدعوات لربي... لعله يلهم قلوب المتخاصمين في وطني... أن يوقفوا كل النزيف في بلدي... ويحل التصالح والتسامح في كل سوريا، أمي الحبيبة.