السلام عليكم .. اولا اطلب اليكم برجاء خاص وبكل تواضع ومودة واحترام ، الاصغاء الى ما اريد قوله ، ان تفتحوا صدوركم وعقولكم كي اتمكن من توصيل المراد .. حيث ان الاصغاء – الذي هو هنا قراءة متجردة - قد يكون نصف الفهم او كل الفهم احيانا .. ولا اتحدث اليكم من (فوق) لا سمح الله ،فلا اعتبرني سوى طالب معرفة وطالب حقيقة ..
لنضع جانبا الاعتبارات التقليدية الآن ، الحساسيات والتوريات ،فلا مجاملات وتحفظات في غير مكانها في العلم والحقائق .
الحقائق لا تُحتكر ولا تُنسب لجهة لفئة لعرق لمذهب لشعب لأمة ..الخ وهذا ما يثبته التاريخ ويتبينه العقل . فهي – اي الحقائق – كالشمس والنجوم والجاذبية والهواء والحرارة والبرودة والظلمة والنور الخ .. وهي مسلمات وبدهيات يدين بها العقل الصحيح . لكن بما اننا نتحدث هنا عن حقائق روحية ،فلا تُعتبر مسلمات وبدهيات لا تحتمل النقاش الا للعارفين المستنيرين ،اما سائر الناس من مؤمنين وغير مؤمنين فالامر مختلف ،ويحتاج الحديث عن الحقائق الى كثير من التأني والروية والتأمل والتحقيق والاخذ والرد .. وفي ذلك اقول : من أجل الاخذ بالحقائق – دينية وغير دينية – يجب الوصول لحقيقة الحقائق ، التي هي مصدر كل الحقائق والتحقيقات ، وهي المانحة لشرعيتها والمضفية عليها المعنى والمغزى .
وللوصول لحقيقة الحقائق طريقين : مباشر ،وغير مباشر . غير المباشر وسائطي مكوّن من وسائط ، مرجعيات انبياء شيوخ كهنة تعاليم انظمة طقوس كتابات الخ .
تحول بين السالك المؤمن وبين الحقيقة . وهي ذاتها عبارة عن سلم او درج او معراج للمؤمن الطامح للمعرفة بحقيقة الحقائق ومكاشفتها ، ان لم يتجاوزها جميعا يظل محجوب عنها بها،مراوح بين تنازع الاضداد فيها ، كسمكة عالقة في شبكة كبيرة تسبح ضمنها وتعتقد انها حرة تماما في البحر .ولما اقوله هنا اشارات تتفاوت بين التلميح والتصريح في معظم المذاهب الدينية.
وهناك الطريق المباشر وهو طلب لحقيقة الحقائق دون رجوع الى مرجع من خارج الوعي ودون توسل اي وسيط . فالطالب هنا أمام الحقيقة وجها لوجه ، اما الكشف واما الفشل ..الكشف يغنيه عن التقيد والتمسك بمظاهر الحياة الدينية وبمظاهر الحياة الاجتماعية عموما ، ولا مشكلة في ان يتزيا بهذا الزي او ذاك .. اما الفشل اما يعيده لحظيرة الايمان التسليمي ، أو يجعله متخبطا بين الايمان والكفر والشك .
" الشرح " : هناك ظلمة تتحكم ، وسطحية تستشري في عقول ابناء مجتمعنا بما فيهم رجال الدين عموما ولا اقول اطلاقا .. ان التقسيمات والدرجات والمقامات التي يمنحها البعض للبعض الآخر ، مصدرها الجهل بحقائق الدين وبحقائق الوجود .. ورغم اعتراف البعض منهم ان التفرقة مثلا بين " دينيين ،اهل معلوم" وبين " شراحين" هي تفرقة رمزية اكثر منها فعلية ، باعتبار الشرح جزء من الدين ، الا انهم مستمرون في التسليم والخضوع لتلك التفرقة والتمييز كأمر ديني محض وكأمر حتمي لا مفر منه . هذا رغم معرفة الكثيرين من رجال الدين ان الشرح الذي وضعه الامير السيد ق س لبعض رسائل الحكمة ،لم يقره قانونا فيصلا للتفريق والتمييز الابدي بين مرتكبي " الكبيرتين" وبين غير مرتكبيها ، بل هو اجتهاد من قبل رجال الدين في زمن متأخر عن تاريخ وضع الشرح ، وبالتالي ليس هو قانون ديني اصلي .. اما حجة رجال الدين في ذلك مستمدة مما جاء في الأثر الحكمي ،من ان اجتماع عشرة مؤمنين – او اقل – ثقات حول مسألة لا نص عليها تكون بمثابة نص وجب على سائر المؤمنين الموحدين الاخذ بها . لكن من هم هؤلاء العشرة الذين جعلوا الشرح قانونا دينيا .. ما هي اسماؤهم ماهي مؤهلاتهم الدينية والعلمية الفعلية .. لا احد يستطيع الاجابة والاقناع .. ويبقى "الشرح" فيصلا جائرا وكابوسا يؤرق الكثيرين من ابناء المذهب ، يصد الكثيرين من الشباب الراغبين في التدين عن الدين .. وفي الواقع ان إعمال العقل النقدي في هذه المسألة يجعلنا ننظر اليها من كلا وجهيها " الايجابي والسلبي" واعتقد ان الوجه السلبي غالب عليها – كما هو مأخوذ بها _ ، مما يوجب التوقف عن استخدام "الشرح " كما اخذ به حتى اليوم ،وسأبين ذلك .. : الوجه الايجابي يتمثل في ان حرمان مرتكبي الكبيرتين ،أو احداها (الزنا أو القتل) من الدين يشكل رادعا لسواهم . والرد على هذا الاعتبار هو ان غير الدينيين هم في حالة جهل لا يؤخذ عليهم حكم اهل الدين ،ومن شبه المستحيل ان يفكروا قبل اقدامهم على الكبائر بمستقبلهم الديني ،ولو اقتصر عقابهم " بالشرح" بعد ذلك على فترة زمنية محددة لكان في العقاب دواءً ،لكن ان يحرموا الدين بقية عمرهم ،يضحي عقاب (الشرح) إنتقاما ً وليس علاجا ً ، وأي انتقام انه عقاب يرافقهم ما بقيوا أحياء .لا أظن ان الله سبحانه وتعالى يقبل بذلك ،وهو الذي "وسعت رحمته كل شيء " .. ثانيا طالما ان الله سبحانه يستر عبده عند ارتكابه المعصية – كما يقول رجال الدين انفسهم – لماذا نحن نفضحه ،بل ونؤسس لمعصيته ولفضيحته بقانون وتشهير "مقدسين" .. وتبلغ الانانية والطبقية الظلامية ذروتها في قول "الدينيين للشراح" بلهجة التوبيخ والتعالي والاحتقار ابان اجتماعهم في محاضر الصلاة : "صفّوا المطرح" اي نحن اتقى وافضل واقرب الى الله منكم يا مرتكبي الزنا والقتل ،فافترقوا عنا .. ما يذكر بالكهنة والفريسيين الممتلئين بأنفسهم "قداسة واستقامة" هؤلاء الذين قال السيد المسيح فيهم : الحق اقول لكم ان الزناة والخطاة يسبقونكم الى الملكوت" .. فكم يزني من يشتهي بقلبه وفكره دون ان يزني ،وكم يقتل من يحقد ويحسد بقلبه وفكره دون ان يقتل ،فما حكم هؤلاء عند الله سواء دينيين او شراحين ؟!
خلاصة :
1 – ان الشرح تحوّل الى اداة عقاب سالب بدل ان يكون نور يضيء ما غمض من الدين .
2 – الشرح كعقاب غير محدد بفترة زمنية ،سنتين ، ثلاث ، اربع الخ مع اخذ الاعتبار لكبار السن والمرضى والمدنفين ، هو ظلم وهو مجرد انتقام ، كما لو كان المسلمين للدين هم واضعي ميزان الثواب والعقاب .
3 – ان الذي تنكسر رجله تعالج بالتجبير ،حيث اثناء مدة التجبير يستعين المكسور بعكاز ، وعندما يبرأ يترك العكاز من يده ولا يظل ماسكا به بعد الشفاء ،بينما في الحالة الدينية يبقى (المكسور) مكسورا يحمل عكاز الشرح كعقاب حتى بعد التوبة.
4- لمرتكبي الكبائر يمكن الشفاء بتوبه صادقة ،بينما من يمتلء قلبه شهوات واحقاد فمن الصعب شفاؤه وان كان مستلما للدين كله ،سيما وان الله " ينظر الى قلوبكم لا الى مظاهركم"
لكل هذه الاعتبارات يجب السماح لكل من يرغب بالتدين من ابناء المذهب ، ان يستلم الدين كله ، دون قيد او شرط ، سوى التحلي بآداب الدين ،التي شرحها الامير السيد ق س ،وتتمثل بتغليب الطبائع الولية النورانية الروحانية ، على الطبائع الضدية الظلامية ،حيث لا يصح التدين من دون ذلك . على ان فعل التطهير يبدأ مع التدين وليس قبله ، ما دام الدين هو الذي يطهر وليس الجهل به . اما من يعود الى الجهالة بعد التوبة ، فهذا عليه وحده "ولا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى وصدق في ايمانه " .. "ولا تجازى نفس عن نفس " . والسلام على من اتبع الهدى .