أظنُ بعض الظن اثم ، أنه لم يعد هناك ما نرجوه من خير أو أمل في هذا العالم المتفجر بالمآسي والآلام والحروب ، لذلك فأنا متشائم جدا ، بل اصبح التشاؤم في رأيي من ضروريات المرحلة ، والتشاؤم ليس سلبا ما دام يرتكز على رؤية سليمة للمعطيات والأحداث . فالعالم اليوم يقف على كف عفريت . كما يقول مثلنا الشعبي . وعفريت اليوم والعياذ بالله ، عظيم البطش رهيب بكل المقاييس ، وهو يظهر بأحجام وأشكال مختلفة ، وبأفعال مختلفة ، فقد يكون صاروخا عابرا للقارات ، او طائرة نفاثة تدك في لحظة بناية من عشرين طابقا ، وقد يكون حربا مفاجئة تأكل الأخضر واليابس ، أو قذيفة عشوائية تمزق أطفالا ونساء يصطفون أمام افران الخبز ، أو قنبلة ذرية تسحق مدينة مأهولة . وهذا كله متوفر وجاهز في عصر تجار الموت ، ومصانع الأسلحة التي لا تكف عن الإنتاج !
في النصف الأول من القرن الماضي قفز عفريت من الجو ( قنبلة ذرية ) على هيروشيما ، قتل هذا العفريت الأرعن 70 الفا فورا ، وأصاب مثل هذا العدد بإصابات مختلفة !
كان السلاح النووي آنئذ في طفولته ، وكانت القوة التدميرية لتلك القنبلة الصغيرة تعادل 20 الف طن فقط . فما بالك اليوم بقنبلة تصل قوتها التدميرية النووية الى 50 مليون طن . خمسون مليونا ، الرقم صحيح . تصوروا ... ! لا تتشاءموا إن استطعتم ! .
اليوم ــ كما علمنا ــ يوجد مخزون من الأسلحة النووية تكفي لتدمير عدة كرات ارضية مثل كرتنا ! هذا ما اخترعته العقول الفتاكة متجاهلة كل المعايير الانسانية !
إذا نحن في خطر حقيقي ، في قلق كوني ، حتى باتت حياة الإنسان كالقنبلة الموقوتة لا نعرف متى تنفجر ويصبح العالم في خبر كان !
صحيح أن هناك معاهدة وقع عليها سنة 1968 يمنع بموجبها انتشار الأسلحة النووية ، وصحيح ان أميركا وروسيا وفرنسا والصين ملتزمة ــ حتى الآن ــ بقرارات ومواد تلك المعاهدة ، وأنها تدخر هذا السلاح للبرهنة على العظمة الدولية ، وأنها لن تستخدمه إلا للأغراض السلمية كما تزعم .
لكنني شخصيا غير مطمئن ! من يدري ففي لحظة جنونية قد يتمرد عفريت نووي من هذه العفاريت المحبوسة فيثب على مكان ما من الأرض . وعند ذلك لن تقف باقي العفاريت مكتوفة الأيدي ، ستصاب بنوع من العدوى ، او الهستيريا ، او ردة الفعل ، فتحطم قواريرها وتنقض على " لؤلؤة الكون " تعملها خرابا يبابا !
وبهذا يفتح الجحيم ابوابه ، وعند ذلك " لا ينفع مال ولا بنون " ولا الملاجئ والأقنعة والحيطة والحذر ، وحتى الكهوف البدائية ــ ان وجدتْ ــ لن تمنع الإشعاع النووي القاتل !
وبإفتراض أن هذا لن يحدث في المدى القريب نسبيا ، فمن يضمن السوق السوداء الخفية لتجارة المواد النووية ، من يكفل العصابات الدولية التي تتاجر بهذه المواد المحظورة ؟ !
وبعد ، أيمكن للإنسان أن يتفاءل في واقع كهذا حتى لو كان مُسطّح التفكير ؟ أيمكن أن يطمئن على وجوده بيته اسرته وغده ؟؟ لذلك فأنا متشائم للغاية ، حتى تحدث معجزة تنقذ البشرية من هذه الكارثة المرتقبة .
بديهي أن المعجزة لن تحدث من تلقاء نفسها . وبما ان لكل معضلة من حل . فالحل الأمثل في نظري والقائم على حتمية تاريخية تفيد : بأن الشعوب قادرة على التغيير ، وقادرة على اجتراح المعجزات ، الحل الأمثل : موقف عالمي شامل موحد مسالم ، من أجل تغيير جذري لهذا الواقع المظلم ، وقبل فوات الآوان . فهل من مجيب ؟ !