"الدين لله والوطن للجميع"، وصيتي لكم، إخوتي وأبنائي هي أن أمامكم طريقاً طويلة ومشقة شديدة تحتاج إلى جهاد وجهاد... واعلموا أن ما أُخِذَ بالسيف، بالسيف يُؤخَذ، وأن الإيمان أقوى من كل سلاح، وأن كأس الحنظل في العز أشهى من ماء الحياة مع الذل ... عودوا إلى تاريخكم الحافل بالبطولات، الزاخر بالأمجاد لأني لم أرَ أقوى تأثيراً في النفوس من قراءة التاريخ لتنبيه الشعور وإيقاظ الهمم لاستنهاض الشعوب فتظفر بحريتها وتحقق وحدتها وترفع أعلام النصر".
ان مقالي هذا في تذكر هذا القائد العظيم، الذي اهتزت ببطولاته انذاك المعمورة، في حربه ضد اكبر دولة استعمار انذاك دولة فرنسا، وبسلاحها الفتاك المتطور المزود بالطائرات والدبابات والمدفعية والرشاشات والقنابل، امام شعب بسيط سلاحه المنجل والبلطة والسيف والشبرية والايمان بالله وبالوطن، يجيء في ظل الظروف الذي يعيشه شرقنا من احداث دامية، قلاقل، فتن واضطرابات، وبات الامر مؤشرا لـ "فتنة طائفية " يدبرها الغرب بكل دوله المتحدة وتكنولوجيته المتقنة، لصالح اهدافه ومخططاته في احتلال الشرق، وصناعة ما يسمى بـ " شرق اوسط جديد خالي من سكانه المحليين"، والعمل على تطهير عرقي لشعوب المنطقة، بإشغالهم باقتتال طائفي مرير، بإثارة النعرات الطائفية تارة، والمناداة بالحرية والاستقلال تارة اخرى، يأتي على ابادة سكان الشرق بأيديهم، حيث يتم تمزيقهم وتسلحيهم فيرفع كل واحد منهم السلاح في وجه بعضهم البعض، وبما ان طائفتنا المعروفية تعيش تحت نفس الظروف، وبالرغم من انها طائفة مسالمة غير عدوانية، وتحرص كل الحرص على الهدوء والاستقرار، مما لا يتماشى مع سياسة الذين يسعون الى هذا الهدف الاجرامي لشعوب المنطقة، فان طائفتنا سوف يلحقها الخطر الجسيم من اولئك المدبرون ليوقعوها في هذا المستنقع الدامي ويجعلوها تعيش في دوامة الاقتتال،
وعليه ادعو ابناء عشيرتي المعروفية التعقل والتروي وفهم الواقع وتحمل الاذية عدم الانجرار وراء هذه الفتنة، والعمل على وأدها، ووقف الاقتتال، والدعوة الى الاستقرار، والعمل على قيادة حكيمة ديمقراطية، تعمل في اطارها كل الجهات والتيارات، من اجل وحدة الوطن، ومن اجل كرامة الانسان، ومن اجل العيش بسلام اهلي، كما طالب سلطان انذاك في عز الثورة: " بوحدة البلاد وتعيين حكومة شعبية تقوم بإجراء انتخابات مجلس تأسيسي لوضع قانون أساسي يقوم على مبدأ سيادة الأمة المطلقة وعلى القانون والعدل والحرية والمساواة"، وتحت شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وكما جاء ايضا في وصيته: "واعلموا أن الحفاظ على الاستقلال أمانة في أعناقكم بعد أن مات من أجله العديد من الشهداء وسالت للوصول إليه الكثير من الدماء"، اخواني بنو معروف اصبروا وصابروا والله مع الصابرين وعليه فليتوكل المؤمنون والفرج بمشيته قريب، وعسى ان تزول هذه المحنة، التي لن ينجو منها احد إلا من اراد له الله النجاة، لأنها محنة اخر الزمان الموعودة بها كل الامم في كتبهم وهو محنة الدجال لعنه الله، والتي ما بعث نبي من عند الله إلا وحذر منها، وهي اعظم ضيق ستشهده البشرية منذ تأسيس هذا العالم، فالعاقبة لمن صبر والبشرى لمن شكر فاعتبروا يا اولي الالباب واستيقظوا ايها الاحباب.
سيرة حياة سلطان باشا الأطرش
- وُلد سلطان بن ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل الأطرش في العام 1888، ببلدة القريّا- محافظة السويداء، جنوبي سوريا، من والدين ينتميان إلى الأسرة الطرشانية. فوالده هو ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل الثاني، وأمه هي شيخة بنت منصور بن إسماعيل الثاني، وهو أكبر إخوته الثلاثة: علي ومصطفى وزيد، وله أختان: سُمية ونعايم. تمرّس على يد والده المجاهد الشيخ ذوقان على أعمال الفروسية والرماية والصيد وفنون القتال. – تعلّم القراءة والكتابة على أيدي بعض المعلّمين وفي الكتّاب، وتابع دراسته بالمطالعة الشخصية.
- عاصر حملة سامي باشا الفاروقي و شارك مع والده في التصدي للجيش التركي في الأول من تشرين الأول العام 1910 في قرية الكفر، فظهرت عليه علائم البطولة وسمات القيادة وصفات الفارس العربي.
- أعدم الأتراك والده المغفور له ذوقان الأطرش وعدداً من زعماء الجبل عندما علّقت مشانق الأحرار العرب الذين قاوموا الاحتلال التركي في 5 آذار من العام 1911 ، أي قبل يوم الشهداء في 6 أيار 1916 . وقد تركت هذه الحادثة أثراً عميقاً في نفسه. تميّز بكرهه للاستعمار والمستعمرين، وبدلاً من أن يسعى للثأر الشخصي، ثأر من الاستعمار بعقلية القائد الفذّ.
- تم سوقه إلى الجندية في منطقة البلقان في أواخر العام1910 وعاد إلى بلدته في العام 1912.
- بعد عودته من الجندية تزوج من ابنة الشيخ إبراهيم أبي فخر، من بلدة نجران، وهي ابنة عمته «شعاع» واسمها «تركية» وقد رزق منها بجميع أولاده الذكور، وهم: طلال وفواز ويوسف وجهاد (هؤلاء توفوا جميعاً) ومنصور وناصر وطلال. أما الإناث فهن: غازية، وبتلا، وزكية، وزمرّد، ونايفة وعائدة ومنتهى.
- لبّى نداء الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين، فشكّل مجموعة من أحرار العرب المجاهدين استظلّت بالعلم العربي وقامت باحتلال قلعة بصرى الشام في 25 أيلول 1918 . كما قاد معركة «تلال المانع» على مشارف دمشق ضد المحتلين الأتراك والألمان. ودخل مدينة دمشق من جهة حي الميدان في 29- 30 أيلول العام 1918 ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة. وكان ذلك العلم الذي نسجه أهل بيته هو أول علم عربي يرفرف في سماء دمشق بعد احتلال دام 400 عام. ووصل الأمير فيصل إلى دمشق في 2 تشرين الأول العام 1918 ، وكان قد منحه لقب باشا وهي رتبة عسكرية. وكان سلطان قد رفض قبل ذلك الرتبة ذاتها من الأتراك ووضعها على رقبة كلبه ليعبّر عن احتقاره لرتبة تأتيه من المستعمِر.
- كانت علاقة سلطان مميزة مع الملك فيصل الأول ومن قبله الشريف حسين والده وغيرهما من القادة والزعماء العرب.
- هبّ مع فرسانه لنجدة يوسف العظمة في معركة ميسلون، فوصل مع فرسانه إلى بلدة براق، إلى الجنوب من دمشق، ولكن المعركة كانت قد حُسِمَت سريعاً، فقال عندئذٍ خسارة معركة لا تعني الاستسلام للمحتلّين. ولذا فقد أرسل رسولاً خاصاً، رفيقه، الشهيد في ما بعد، حمد البربور إلى الملك فيصل ليقنعه بالمجيء إلى جبل العرب وإقامة الدولة العربية في السويداء والاستمرار بمقاومة الاحتلال الفرنسي، فلحق به إلى بصرى فالقدس ثم حيفا، إلا أن الملك فيصل رأى أن الفرصة قد فاتت بعد أن صعد إلى ظهر الطرّاد البريطاني في حيفا إلى منفاه.
- لجأ إلى سلطان باشا الأطرش الزعيم ابراهيم هنانو بعد انكسار ثورة الشمال وهو في الطريق إلى شرقي الأردن، فأرسل معه ثلاثة رجال أوصلوه بأمان إلى عمّان.
- كان بين سلطان وبين الفرنسيين نزاع دائم، فلم يترك فرصة إلا وأعرب فيها عن عدم رضاه عن وجودهم في وطنه. وكانت أول سانحة له ثورته عليهم حين ألقوا القبض على المجاهد أدهم خنجر، المتهم بمحاولة اغتيال الجنرال غورو على طريق القنيطرة بمعاونة الشهيد أحمد مريود. وكان أدهم خنجر قد وصل إلى القريّا مستجيراً وسلطان خارجها. فخرج سلطان ورجاله مطالبين بإطلاق سراح ضيفهم، وأبرق محتجاً إلى حاكم الجبل. ولمل لم يُستَجب لطلبه، هاجم سلطان ورفاقه الفرنسيين بالسلاح، وكانت معركة «تل الحديد» ضد المصفحات الفرنسية التي ولّت الأدبار أمام فرسانه، فعطّلوا اثنتين وقتلوا سَدَنَتَها. فكانت هذه ثورته الأولى التي دامت تسعة أشهر خلال العام 1922 وذلك رفضاً للاستعمار وتكريساً لتقاليد العرب الأصيلة في حماية الدخيل وصيانة الضيف. فحكم عليه الفرنسيون بالإعدام وهدموا بيته في القريّا قصفاً بالطائرات. ولما عجز الفرنسيون عن القبض عليه، فاوضوه خشيةَ انتشار التمرّد، فأصدروا عفواً عنه وعن جماعته. ولم يتنازل سلطان بعد العفو عن أي مطلب من مطالبه وهي الجلاء التام عن وطنه الموحّد واستقلاله الناجز، ولم يحدّ من نشاطه في تمتين العلاقات مع الوطنيين داخل البلاد.
- قاد الثورة السورية الكبرى في العام 1925 إذ اجتمع حوله خيرة مجاهدي الأمة وأبرز قياداتها بإجماع وطني منقطع النظير، وخاض أشرف المعارك ضد الاحتلال الفرنسي. فكانت:
- «معركة الكفر» في 23 تموز 1925 ، وهي أولى معارك الثورة، وكانت معركة خاطفة أبيدَت فيها الحملة الفرنسية عن بكرة أبيها، ولم ينجُ منها سوى أنفار قلائل حملوا أخبار الهزيمة إلى قيادتهم في السويداء.
- بعد إعلان الثورة، أصدر سلطان باشا الأطرش بيان الثورة التاريخي الذي توّجهُ بشعار «الدين لله والوطن للجميع» ونادى فيه العرب بقوله:»إلى السلاح إلى السلاح « وطالب فيه بوحدة البلاد وتعيين حكومة شعبية تقوم بإجراء انتخابات مجلس تأسيسي لوضع قانون أساسي يقوم على مبدأ سيادة الأمة المطلقة وعلى القانون والعدل والحرية والمساواة. ولاقت هذه الدعوة استجابة واسعة في البلاد، اختير بعدها سلطان قائداً عاماً لجيوش الثورة الوطنية.
- «معركة المزرعة» جرت بتاريخ 2 و3 آب 1925 بعد أن جرّد الاستعمار الفرنسي حملة كبيرة قوامها عدة فرق مسلّحة بأحدث الأسلحة آنذاك من طائرات ودبابات ومدافع ثقيلة ورشاشات فتّّاكة، وكان عددها ثلاثة عشر ألف جندي وضابط بقيادة الجنرال ميشو. إلا أن الثوار وعددهم أربعمائة ثائر تمكّنوا من إبادة هذه الحملة أيضاً في أشرف معركة في التاريخ الحديث، وفرّ قائد الحملة الجنرال ميشو يجرّ أذيال الهزيمة والعار. انتشرت في جميع أنحاء الوطن أنباء الثورة وانتصاراتها، كما بلغت أنباؤها أوروبا، فقدم إلى الجبل صحفيون من ألمانيا والنمسا وشاهدوا آثار المعركة وأهوالها.
وهكذا، عمّت المقاومة أرجاء الوطن السوري وكذلك البقاع المتاخمة له في لبنان، فكانت معارك الجولان والمجدل وحلوة وسحيتا وراشيا، وهي أشهرها، حيث تسلّق الثوار أسوار القلعة الحصينة فيها واستولوا عليها وأحرقوها.
ثم كانت معركة المسيفرة ومعركة السويداء ومعركة رساس ومعركة عرى ومعركة أم الرمّان وغيرها من المعارك الدامية، مثل معركة قيصما التي هَزَمَ فيها الثوار «المتطوعة» وأسروا ضابطاً فرنسياً كان يقود الخيّالة.
- شدّد الفرنسيون الخناق على الثوار وجلبوا حملات متتالية ونجدات جديدة، فاضطر الثوار إلى النزوح إلى الأزرق في إمارة شرقي الأردن. ولم يمكّنهم الإنكليز من المكوث طويلاً، فنزح سلطان الأطرش وجماعته من المجاهدين إلى وادي السرحان والنبك في شمال المملكة العربية السعودية، ثم في الكرك في الأردن، على أمل العودة إلى ساحات الوغى في وقت قريب. وقد رفض تسليم سلاحه إلى المستعمِر وحُكِم عليه بالإعدام.
- وأرسل سلطان الأطرش رسله إلى الملك عبد العزيز بن سعود وكذلك إلى الملك فيصل الأول ثم إلى مصر وفلسطين للتأكيد على وحدة الكفاح العربي ووحدة الهدف، وطلب العون لمتابعة الثورة، ولكن اتفاق مصالح الحلفاء وضعف المقاومة العربية أدّيا إلى وقف العمليات القتالية. إلا أن سلطان ورفاقه المجاهدين بقوا أوفياء لمبادئهم وظلّوا على إيمانهم الراسخ بالوحدة العربية ووحدة البلاد السورية ووجوب استقلال وطنهم استقلالاً تاماً، وآمنوا أن العرب سينتزعون حريتهم مهما طال الكفاح وغلت التضحيات. ولم تنقطع صلات سلطان الأطرش بالحركة الوطنية داخل سوريا طيلة مدة منفاه الذي دام أكثر من عشر سنوات. وقد دعا سلطان الأطرش إلى عقد مؤتمر في وادي السرحان برئاسته في 25/10/1929، سمّي بمؤتمر الصحراء وذلك لبحث القضية السورية. وقد حضر هذا المؤتمر في وادي السرحان معظم الوطنيين السوريين واللبنانيين، ثم خرج المؤتمر بمقررات هامة كان لها الأثر الكبير على ما جرى في ما بعد وعلى المفاوضات والمسار الذي اتخذته لتحقيق الاستقلال التام. فكان هذا المنفى تعبيراً عن رفض الاستسلام للمستعمِر وعن مقاومة الثوار لوجوده على أرض وطنهم الغالي؛ من هنا، كان سلطان الأطرش يعتبر أن الثورة السورية الكبرى دامت 12 سنة، من 1925 إلى 1937 . وقد عبّر زيد الأطرش بقصيدة من شعره الشعبي عن هذا الرفض وعن استمرار المقاومة، إذ قال:
يا ديرتي، ما لك علينا لوم ***** لا تعتبي لومك على مَن خان
حنّا روينا سيوفنا من القوم ***** ما نرخصك، مثل العدو باثمان
لا بدّ ما تذهب ليالي الشوم ***** وتعتز صربة قادها سلطان
وإن ما تعدّل حقنا المهضوم ***** يا ديرتي، م حنّا لِك سكان
- عاد سلطان الأطرش ورفاقه إلى الوطن بعد المعاهدة السورية الفرنسية سنة 1936 ، فأصدرت فرنسا عفواً شاملاً عن كل المجاهدين واستُقبِل سلطان ورفاقه في دمشق في 18 أيار سنة 1937 باحتفالات شعبية تاريخية. واعتُبِرَ قائداً تاريخياً للأمة ومُنِح أرفع الأوسمة الوطنية، وتغنّى الشعراء والكتّاب ببطولاته وأعماله، ومن أبرز هؤلاء الشعراء الشاعر القروي، رشيد سليم الخوري، حين كتب في المهجر قصيدته الشهيرة «سلطان باشا الأطرش والتنك» ( التنك هي الدبابة)، بعد معركة تل الحديد سنة 1922 ، فقال:
خففتَ لنجدة العاني سريعاً ***** غضوباً لو رآكَ الليث ريعا
وحولكَ من بني معروف جمع **** بهم وبدونهم تغني الجموعا
وثبتَ إلى سنام التنك وثباً ***** عجيباً علّم النسر الوقوعا
فخرّ الجند فوق التنك صرعى **** وخرّ التنك تحتهم صريعا
فيالكَ غارة لو لم تُذِعْها ***** أعادينا لكذّبنا المذيعا
ويا لكَ أطرشاً لما دعينا ***** لثأر كنتَ أسمَعَنا جميعا
- تميّز سلطان باشا الأطرش بمعارضته الدكتاتورية (برقيته ضد المرسوم 50 سنة 1946، مما اضطر الحكومة آنذاك لإلغائه) والحكّام الدكتاتوريين الذين تعاقبوا على سوريا. ووصل خلافه من الدكتاتور أديب الشيشكلي إلى المقاومة بالسلاح. فجرّد أديب الشيشكلي حملة عسكرية على الجبل راح ضحيتها أكثر من مئة شهيد، فنزح سلطان الأطرش مرة ثالثة إلى الأردن متفادياً الحرب الأهلية حتى إنهاء حكم الشيشكلي. فعاد إلى قريته مستَقبَلاً باحتفالات شعبية عمّت كل البلاد.
- رحّب سلطان باشا الأطرش بقيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958 والتقى بالرئيس جمال عبد الناصر وشدّ على يده معرباً عن أمله في تحقيق الوحدة العربية الكبرى.
- ووقف سلطان دائماً إلى جانب الثورة الفلسطينية مؤازراً ومشجعاً، وكانت تتردد على لسانه عبارته الشهيرة «ما أُخِذَ بالسيف، بالسيف يُؤخَذ».
وفي أثناء الثورة السورية الكبرى، قصف الطيران الفرنسي الثوار، فقتل جواد سلطان وقطعت عنقه وثقبت شظايا القنابل الفرنسية العباءة التي كان يرتديها، إلا أن سلطان الأطرش لم يجرح، فأخذ السيد صبحي الخضرة هذه العباءة ووضعها في متحف المسجد الأقصى في القدس، وهي مازالت هناك حتى الآن.
- كان سلطان باشا الأطرش، رحمه الله، رقيق القلب، عطوفاً، تدمع عيناه لرؤية امرأة ثكلى أو طفل يتيم. وكان ربّ أسرة غيوراً ومحبّاً لأبنائه وبناته وأحفاده وحفيداته (له 26 حفيداً وحفيدة). وكان فلاحاً مجدّاً محبّاً للأرض ومؤمناّ تقياً ورعاّ محافظاً على التقاليد والعادات العربية الأصيلة. كما أنه كان منفتحاً على الآخرين وعلى روح العصر، فاهتمّ بتشجيع العلم ونشره، فأرسل أبناءه وبناته إلى الجامعات حتى خارج سوريا، وبنى أكثر من مدرسة في قريته من أمواله الخاصة ومن التبرعات التي وصلته من المحسنين من أجل هذه الغاية. كما أنه تبرّع بأرض له لبناء كنيسة في قريته وأهداها الجَرَس. وكان زاهداً في أمور الدنيا عفيفاً.
- رحل عن هذه الدنيا في 26 آذار 1982 ونعاه رئيس الجمهورية العربية السورية، الرئيس حافظ الأسد، وألقى على جثمانه نظرة الوداع في بيته في القريّا. وكان مأتمه يوماً تاريخياً مشهوداً حشد أكثر من نصف مليون من المشيّعين، وحُمِل نعشه في طائرة مروحية حلّقت فوق مواقع المعارك الخالدة التي خاضها، ودُفِن في قريته القريّا محمولاً على عربة مدفع.
- وبأمر من الرئيس حافظ الأسد أُقيم في القريّا، قبالة بيت سلطان باشا الأطرش، صرحاً تذكارياً عظيماً للثورة السورية الكبرى وسوف يضمّ جثمان القائد العام للثورة السورية الكبرى، سلطان باشا الأطرش.
- ترك وصية سياسية وطنية عبّر فيها عن أمانيه الوطنية وتوصياته القومية. وتعتبر هذه الوصية الأولى من نوعها التي يتركها قائد قومي فذّ للأجيال القادمة وهذا نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني وأبنائي العرب...
عزمتُ وأنا في أيامي الأخيرة، أنتظر الموت الحق، أن أخاطبكم مودّعاً وموصياً. لقد أولتني هذه الأمة قيادة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، فنهضت بأمانة القيادة وطلبتُ الشهادة وأديتُ الأمانة. انطلقت الثورة من الجبل الأشمّ جبل العرب لتشمل وتعمّ، وكان شعارها: "الدين لله والوطن للجميع"، وأعتقد أنها حققت لكم عزة وفخاراً وللاستعمار ذلاً وانكساراً.
وصيتي لكم، إخوتي وأبنائي العرب هي أن أمامكم طريقاً طويلة ومشقة شديدة تحتاج إلى جهاد وجهاد: جهاد مع النفس وجهاد مع العدو. فاصبروا صبر الأحرار ولتكن وحدتكم الوطنية وقوة إيمانكم وتراصّ صفوفكم هي سبيلكم لردّ كيد الأعداء وطرد الغاصبين وتحرير الأرض. واعلموا أن الحفاظ على الاستقلال أمانة في أعناقكم بعد أن مات من أجله العديد من الشهداء وسالت للوصول إليه الكثير من الدماء. واعلموا أن وحدة العرب هي المنعة والقوة وأنها حلم الأجيال وطريق الخلاص. واعلموا أن ما أُخِذَ بالسيف، بالسيف يُؤخَذ، وأن الإيمان أقوى من كل سلاح، وأن كأس الحنظل في العز أشهى من ماء الحياة مع الذل وأن الإيمان يُشحَن بالصبر ويُحفَظ بالعدل ويُعَزّز باليقين ويُقوّى بالجهاد. عودوا إلى تاريخكم الحافل بالبطولات، الزاخر بالأمجاد لأني لم أرَ أقوى تأثيراً في النفوس من قراءة التاريخ لتنبيه الشعور وإيقاظ الهمم لاستنهاض الشعوب فتظفر بحريتها وتحقق وحدتها وترفع أعلام النصر. واعلموا أن التقوى لله والحب للأرض وأن الحق منتصر وأن الشرف بالحفاظ على الخلق، وأن الاعتزاز بالحرية والفخر بالكرامة وأن النهوض بالعلم والعمل، وأن الأمن بالعدل وأن بالتعاون قوة.
الحمد لله ثم الحمد لله. لقد أعطاني عمراً قضيته جهاداً وأمضيته زهداً، ثبتني وهداني وأعانني بإخواني، أسأله المغفرة وبه المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل.أما ما خلّفتُه من رزق ومال فهو جهد فلاح متواضع تحكمه قواعد الشريعة السمحاء.