كنتُ سابقا قد عطفتُ ببضع كلمات عابرة على قصيدة للشاعر نسيم عاطف الأسدي ، من قرية دير الأسد ، وها هو ديوانه الجديد " بينَ النَّهدِ وبينَ السّيفِ " يعيدني مرة اخرى الى حروف هذا الشاعر ، قصائده العمودية والتفعيلة ، تجسد بعضها القيم والأخلاق ؛ هذه الصفات الإنسانية التي لَمحَ أفلاطون الى اهميتها في كتابه الجمهورية . ويحدثنا ابو هلال العسكري عن ضرورة هذا الجانب في الشعر العربي .
ومن القيم البارزة في شعر الأسدي قصيدته " أقعد للمعلّم " تنادي باحترام وتقدير المعلم كمربي للأجيال ، وتكمن أهميتها في هذا الوقت بالذات ما نشهده من إجحاف تجاه المعلم في المدارس المختلفة ؛ يستهل قصيدته بهذا البيت الذي نفهم منه باقي أجزاء القصيدة هدفا وسلوكا :
" اليومَ إذ دخل المعلم صفّنا ــ للدّرسِ قمنا نهدفُ التبجيلا " .
إحتذاؤه بأمير الشعراء ، هو أحد الدوافع لنظم هذه القصيدة ، وقد لَمحَ بذلك بأن ثبت في قصيدته عجز البيت المشهور لشوقي " كاد المعلّم أن يكون رسولا " .
قصيدته " رسالة الى أمّي وأبي " تعكس موقف الإبن الوفي البار تجاه أهله ، بكلمات تدل على صدق العاطفة والعرفان بالجميل ، نثبت منها هذه الأبيات :
" أأعيشُ أنعمُ بالحنانِ وبالوفى / من دون شكركُما على هذي النّعمْ / أمي المحبّةُ والسعادةُ .. ينجلي / بحضورها جيشُ المصائبِ والسقمْ / هي زهرةٌ فاحت وظلّ عبيرُها / عَبِقا بأروقةِ المشاعرِ لم ينمْ / يا واحة فيها العطاءُ تعاقبٌ / كَتَعاقبِ الموجاتِ في البحر الأشمْ / الطهر أمّي والمحبّةُ نبضُها / من قلبها كم علّ شوقا كم وكمْ / وحديثها لحنٌ يسيل بأضلعي / فيزيلُ في سيلانِهِ مرَّ الألمْ / وأبي تضوّعَ كلَّ ذكرى حلوةٍ / رَسَمت بٌسَيماتٍ بألوان النغمْ " .
وللشاعر سطور في الحب والغزل ، ولا يعنينا أنه لا ينظر الى المرأة ككيان .. ما يشغله مفاتنها وملامحها الظاهرة ، مثل قصيدته " عتاب نهد " تبدأ بلهجة عتاب :
" إنّي عتبتُ .. ولم يُفدْكِ عتابي ــ وصهيلُ نهدِكِ ظلِّ يقرع بابي " .
موحيٌ هذا الصهيل ! والأجمل قوله :
" ولقد جعلتُ ضفافَ نهدِكِ مرفئي ــ وجعلتُ رمشَكِ في الهوى محرابي " .
لكن في البيت الثامن من القصيدة ينتقل من المفرد الى الجمع في شكل تهويل وتضخيم الذات :
" إنّي المليكُ أمامَ عرشِيَ تنتهي ــ كلّ النساء وتنحني لشبابي " .
لا أعرف إن كان قد تأثر بما روت الكتب عن قصور الحريم في الأزمان الماضية ، وكيف أن المرأة كانت تنحني لسيدها طاعة وخضوعا ! .
وعلى القول المعروف " من الحب ما قتل " يبني ــ بشكل عفوي او متعمد ــ قصيدته الرقيقة " رمشك القتال " ،
يعبر فيها عن شوقه العظيم لحبيبته البعيدة ، ويتصوّر بأن هذا العشق سيقتله :
" شابت عيون وانتهت قُبَلُ / وجمالك الفتّان قلبِيَ يشغلُ / ولقد علمتُ بأنّ رمشكِ ساحري / لكنْ جهلتُ بأنْ سيقدرَ يقتلُ " .
وفي بيت آخر من القصيدة يشبه البعد بالنار الحارقة :
" هذا الهوى بالبعد يحرقني ــ وتعود تحرِقني خدودٌ مخملُ " .
أظن أن المخمل غير مناسب لهذا المقام كونه يمتاز بطبقة ناعمة من الوبر ! لو قال الحرير لكان أفضل .
ولئن كانت المرأة قد فازت بنصيب وافر في الديوان ، فإن الشاعر لا يقف بمعزل عما يجري في العالم من تغييرات هامة ( الربيع العربي ) ، يعبر عن فخره وغبطته بما أنجزته الشعوب العربية تجاه الأنظمة المستبدة :
" اليومَ تسطعُ للعروبة أنجمُ ــ ويلوح غصنٌ بالورود يبرعمُ " .
ويشتد حماسه واندفاعه في قصيدة أخرى متينة مترابطة تحث على النهوض والجهاد ، ولا تثريبَ أنه استخدم لغة الخطابَ والشعار ، فهذا ملائم لمثل هذه المناسبات :
" قوموا وثوروا كي تزولَ قيودكم / ثوروا كمصرَ وتونسَ الخضراءِ / إنّ العروبة أتعبتْ بِسُباتِها / عَفَنَ القيودِ ودمعَة السجناءِ / أطلق رماحَكَ واقتلعْ بنيانَهم / وازرع بصدرِ القهرِ سهمَ ضياءِ / أطلق صهيلكَ يا حصانَ عروبتي / وأَعدْ بلادَ العُربِ للشرفاء " .
أن نوجز القولَ في ديوان الأسدي ، من المحبذ أولا لفت الإنتباه الى أن الشاعر في مقتبل العمر ، لذلك ننظر بتقدير الى أوراقه بما حوَت من حكمة الشيوخ وعنفوان الشباب الطموح . هذا على مستوى بعض المضمون ، أمّا على مستوى الشعر كأحد الفنون الجميلة ، فلا شك أن الشاعر يمتلك موهبة قادرة على التطور والإبداع .
[email protected]